لم تصدر جماعة العدال والإحسان الإسلامية أيّ موقفٍ بشأن تطوّرات الوضع في الصّحراء؛ فلا تحريكُ "الجيش" إلى المنطقة العازلة أخْرج "إخوان" العبّادي إلى الواجهة الاعلامية، ولا عودة الاستقرار إلى معبر "الكركرات" وطرد الانفصاليين دفعَا الجماعة إلى التّعبير عن رأيها في ما يخصّ الوحدة الوطنية. ولم تنخرط الجماعة سالفة الذكر، كما فعلت جل الفعاليات السّياسية والدّينية والثّقافية، في مسلسل الإجماع الوطنيّ حول الصّحراء، حيث فضّل غالبية أعضائها الرّكون إلى الصّمت وعدمِ الإدلاء بأيّة تصريحات حول عملية "تحرير الكركرات". وحتّى في عزّ الصّراع الدّبلوماسي مع بان كي مون، الأمين العام السّابق للأمم المتّحدة، لم تشارك جماعة العدل والإحسان المعروفة بتأطيرها لعدد كبير من المريدين في المسيرة الوطنيّة عام 2016 التي وحّدت المغاربة، وفضّلت الرّكون إلى الصّمت، مبرّرة عدمَ خروجها إلى الشّارع بأنّها لم تتلقّ أيّ دعوة. ولا تؤمن الجماعة، وفقاً لأدبيات شيخها الرّاحل عبد السلام ياسين، بالحدود الجغرافية لكل قطر وتراها حدودا زائلة ستنتهي مع قيام دولة الخلافة على منهاج "النّبوة"، وهي بذلك تنظر إلى نزاع الصّحراء بأنّه "مشكل صغير يجب حلّه وفق مقاربات شمولية". وبالعودة إلى نصّ الحوار الذي أجراه فتح الله أرسلان، القيادي في الجماعة الإسلامية ذاتها، خلال عام 2005 مع جريدة "القدس"، يتبيّن هذا التّوجه الذي خطّه عبد السلام ياسين، "إمام" الجماعة؛ فقد اعتبر أرسلان أنّ "لا سبيل لحسم قضيّة الصّحراء، وكل القضايا الكبرى للشعب، جوهريا من دون حسم الأسس والأصول". ويشرح في ما يخصّ الأصل بأن "يعاد ترتيب طريقة إدارة شؤون البلد بأن تبنى على أساس الشورى بما تعنيه من دستور شعبي وحريات عامة وحقوق للإنسان وتعددية حقيقية لا صورية وسيادة للشعب ومسؤولية للجميع"، مورداً أنّه "لو كان بناء الدولة وفق هذه الثوابت لما طرحت قضية الصحراء أصلا". وللجماعة نظرة شمولية تتجاوز الحدود الجغرافية الضّيقة، بحيث يقرّ أرسلان بأنّه "تمّ تفتيت الأمة الإسلامية والعربية وتمزيق أطرافها وترسيم الحدود بينها بعدما تم تفتيت أصولها وثوابتها، وبعدما تم قطع الخيط الرابط بينها وهو خيط الولاية العامة بين كل المسلمين بجامع الإيمان والتقوى والعبودية لله". من جانبه، يؤكّد سعيد لكحل، الأستاذ الباحث المتخصّص في الحركات الاسلامية، أنّه "ينبغي الرّجوع إلى تصور جماعة العدل والإحسان لمفهوم الدولة الوطنية ومفهوم الأمة، لفهم التزام الجماعة السّكوت وعدم إصدار موقف من قرار المغرب فتح معبر الكركرات عبر تحريك الجيش ثم تمديد الجدار الأمني إلى الحدود مع موريتانيا". ويشير الباحث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن "الجماعة تعتبر الدّول الوطنية نتاج عاملين رئيسيين: عامل التفريط في الولاية العامة، أي الولاء لخليفة يوحد المسلمين ويحكّم شرع الله، بحيث صارت لهم ولاءات عرقية وإثنية ومذهبية مزقت الشعوب وفتت الدول". أمّا العامل الثّاني، حسب لكحل، فيتمثّل في "الاستعمار" الذي قسّم الشعوب إلى أقطار منفصلة ومستقلة عن بعضها حتى يستحيل توحيدها وإعادة بناء دولة الخلافة التي توحد المسلمين في أمة واحدة". من هذا المنطلق، يبرز الخبير في حركات الإسلام السّياسي أنّ "الجماعة لا تهتمّ بالقضايا التي تعتبرها جزئية ولا تخدم الهدف الأسمى؛ وهو توحيد الشّعوب عبر إقامة أنظمة إسلامية في كل قطر، ثم توحيد الأقطار فيما بعد". واعتبر المتحدث ذاته أنّ "موقف الجماعة من مسألة الوحدة الترابية للمغرب والحرب المفروضة عليه هو موقف ثابت لم يتغير، ويتمثل في عدم الخوض فيه ولا الانشغال به؛ حتى لا تضيع جهود الجماعة في الدفاع عن مواقف النظام وخدمة أجنداته السياسية". وقال المحلّل والجامعي إنّ "الجماعة ترفض أن تنخرط في كل القضايا التي يكون فيها النظام طرفا أساسيا. فضلا عن هذا، فقد سبق للشيخ ياسين أن أسس لموقف الجماعة من الوحدة الترابية وبرره بكون مشاكل الحدود بين الدول والنزعات الانفصالية ستحل تلقائيا مع قيام دولة الخلافة وتوحيد المسلمين في نظام سياسي إسلامي جامع بين جميع الشعوب الإسلامية". وتنأى الجماعة بنفسها بالخوض في المشاكل التي تراها "جزئية" لتكرس جهودها في تقوية الجماعة وتوسيع قواعدها استعدادا ليوم الزحف وإقامة نظام إسلامي في كل قطر عربي ثم توحيد الأقطار في دولة الخلافة، يشدّد لكحل.