منذ ظهورها على المشهد السياسي المغربي، تصنف جماعة العدل والإحسان المغربية كأحد مكونات الحركة الاسلامية بالمغرب. سياق ظهور هذه الجماعة تحكمه عوامل عديدة أبرزها إعادة تعريف دور الاسلاميين بالمغرب بعد حادث اغتيال النقابي عمر بن جلون سنة 1975 على يد مناضلين ينتمون للجناح المسلح لحركة الشبيبة الاسلامية وما تلا ذلك من أحكام قضائية في حق المناضلين الاسلاميين وزعيمهم من أحكام قضائية في حق المناضلين الاسلامين وزعيمهم عبد الكريم مطيع الحمداوي. كما أن المواجهة المفتوحة للنظام مع خصومه اليساريين المتأثرين بموجات التحرر الشعبي شجعت على انتعاش اديولوجية دينية مضادة متمثلة في: إعادة أسلمة المجتمع المغربي عبر العديد من الاجراءات المؤسساتية، كتبني سياسة تعليمية تهدف إلى تكوين أجيال محافظة ومتدينة عبر تنظيم مؤسسات التعليم الديني كجامعة القرويين، وإنشاء دار الحديث الحسنية لتكوين علماء يساهمون في تأطير المواطنين طبقا للمذهبية الرسمية للدولة المتجسدة في المذهب المالكي، العقيدة الاشعرية والتصوف الجنيدي. وانطلاقا من سنة 1970 بدأت الصحوة الدينية تترجم إداريا في شكل اجتماعي كتحريم الخمور خلال شهر رمضان. من جهة أخرى هناك من يعتبر أن الاسلام الراديكالي رأى النور بعد الثورة الاسلامية بإيران سنة 1979 حيث بدأ يفرض هويته الثقافية على حساب اليسار الماركسي بعد الحرب الاسرائيلية لسنة 1973. اضافة إلى ذلك عرفت هذه الفترة امتدادا لنشاط جماعة التبليغ والدعوة ذات الاصول الهندية التي أسست فروعا لها بالمغرب منذ 1969. وتلا ذلك انتعاش الافكار السلفية المنبثقة من اجتهادات محمد بن عبد الوهاب بالمغرب وخاصة بعد حادث احتلال الحرم المكي من طرف جهيمان العتيبي وأتباعه سنة 1979. إبان هذا المخاض الفكري والسياسي بالمغرب ظهرت جماعة العدل والاحسان سنة 1981 بتعبيرها التنظيمي الأول «الجماعة الخيرية» لمؤسسها عبد السلام ياسين، فكرة التنظيم عنده لم تكن ورادة بحيث فرضت عليه كنتيجة لعدم انسجام المواقف والرؤى مع المناضلين الاسلاميين الشباب الذين خرجوا لتوهم من تجربة الشبيبة الاسلامية. ففي سنة 1983 سوف يقوم ياسين بإيداع ملف جديد لجمعية الجماعة التي سرعان ما دخلت في مشاكل مع النظام القائم بحكم مواقفها اتجاه السلطة والتي تم التعبير عنها في الرسالة المعنونة برسالة القرن «الخامس عشر الهجري»، وكذا على أعداد كل من مجلتي الجماعة ومجلة الصبح اللتين كانتا تصدرهما الجماعة حينها. مواقف جماعة العدل والاحسان لا يمكن معالجتها بمنأى عن فكر ياسين ومختلف التجاذبات الفكرية التي نهل منها كالفكر الصوفي الذي تلقاه إبان مكوثة بالزاوية البودشيشية من 1965 إلى حدود 1972، ينضاف إلى ذلك تكوينه الاكاديمي في المجال التربوي البيداغوجي دون إغفال ميراثه للموقف السياسي للشبيبة الاسلامية والمتمثل في تغيير النظام القائم وإحلال نظام الخلافة محله: «عبد السلام ياسين جاء محملا بفكره الصوفي، وأخذ عن الشبيبة الموقف السياسي المعارض...». تلقى ياسين لهذا الموقف السياسي وكذا مساهمة قسم مهم من الشبيبة المنحلة في تأسيس النواة الأولى لأسرة العدل، سوف يساهمان جنبا إلى جنب في تصلب هذه المواقف مع تطور الجماعة طيلة أزيد من عقدين من الزمن ومن جملة هذه المواقف الموقف من المشاركة الانتخابية. فعلى عكس مكون حركة الاصلاح والتوحيد التي اختارت سياسة اندماجية، فإن جماعة العدل والاحسان تبنت موقف اللامعني من هذه المناسبات الديمقراطية. جهدنا سوف ينصب أكثر على فهم ومحاولة تفسير هذا الموقف بناء على التراكمات والاعمال الجادة في هذا الباب أكثر منه على تحليل الخطاب أو إعادة تركيبه. النظرة إلى الديمقراطية: لايمكن الحديث عن تصور جماعة العدل والاحسان للديمقراطية وآلياتها دون تسليط الضوء على كتابات المرشد العام عبد السلام ياسين، بحيث تحدث عنها بداية في أولى إصداراته «الاسلام غدا»، 1971 و«الاسلام بين الدعوة والدولة»، 1972. جاء في كتاب الاسلام غدا: «وما أشبه ديمقراطية الشيوعية بديمقراطية الانتخابات ببلادنا، سواء منها الثورية الاشتراكية أو صاحبتها، ففي بلادنا وبلادهم تبلغ نسبة الموافقين بضعا وتسعين ونيفا في المائة...». يسجل ياسين في هذا التاريخ نفوره من الفكرة الديمقراطية قبل أن يؤسس أي تنظيم، ولم يكن قد يبعث حتى بالرسالة الأولى للراحل الحسن الثاني «الاسلام والطوفان»، التي سوف يعكس عبرها تصوره للأوضاع واقتراح البدائل، وفي هذا السياق عرف المغرب ظرفية عامة صعبة، حيث كان فكر وتأطير المكونات السياسية اليسارية يعرف حضورا مهما في أوساط النخبة والعامة من الشعب المغربي وشعوب البلدان العربية المتأثرة بالمد الناصري وحسابات الحرب الباردة . يمكن القول كذلك، أن فكرة ومكانة الديمقراطية في تأثيث نموذج الدولة الذي يطمح إليه ياسين كان متواضعا بالنظر إلى شمولية التصور لدولة الخلافة من تربية واقتصاد وحكم... لكن مع تقدم الوقت بات لزاما إعادة إعطاء تصور جديد لفكرة الديمقراطية أكثر وضوحا للفاعلين السياسيين بالمغرب الذي شهد تحولات مهمة استمدت ملامحها من فكرة الديمقراطية (تعديلات دستورية 1996 - 1992، انفراج حقوقي، بداية الاعداد للدخول في تجربة التناوب، الانتقال الديمقراطي، طي صفحة سنوات القمع والرصاص...). سنة 1994، أصدر الأستاذ عبد السلام ياسين، كتابه «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين» الذي كان محاولة لإعادة طرح فكرة الديمقراطية وتعريفها ومقابلتها مع مفهوم الشورى ذي الاساس المرجعي الاسلامي بعيدا عن فكر المناخ الليبرالي الذي يتبناه كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين بالمغرب. كما كان محاولة أيضا لاقتحام النقاش العمومي الذي ساد حينها حول تجربة التناوب. فعبر كتابه، عرض ياسين «الارضية الاسلامية» للنقاش واقترح فكرة «الميثاق الاسلامي» بغية تجاوز المأزق الذي يعيشه المغرب. يقدم ياسين موقفه بالنسبة للديمقراطية في إطار ثنائية متقابلة: ديمقراطية كافرة - استبداد مؤمن مستبد مؤمن - حر كافر فهو يقف مع الديمقراطية بفرضية إيمانها، وضدها إن كانت ذات أساس فلسفي لائكي، كما يفضل الركون إلى المستبد المؤمن ضد الحر الديمقراطي. يقوم ياسين هنا باختزال للديمقراطية وفكرتها بحيث يقرن الفكرة الديمقراطية بالخصوصية الفرنسية باعتبارها نظاما اجتماعيا وسياسيا لائكيا يسعى إلى تنظيم مدني للاجتماع أساسه التعاقد بين الحكام والمحكومين علي أرضية حقوق الانسان. وهذا ما سيتجلى في كتاباته اللاحقة خاصة في كتاب «الاسلام والحداثة». نفس التصور الاختزالي تم تسجيله عند عمر إحرشان ومريم يفوت بصيغة متفاوتة نسبيا، بحيث قدم إحرشان تعريفا للديمقراطية يرتكز على ثلاثة مستويات: المستوى الاول وهو الذي سبق إدراجه في تعريف ياسين عبر ثنائية الكفر والايمان وترسيخه الاختزالي غير بعيد عن التصور الذي جاء في كتاب «الاسلام والحداثة»، فصل «القديسة لائكية». المستوى الثاني: الديمقراطية كمجموعة آليات لتدبير الشأن العام السياسي، لتنظيم الاختلافات ووجهات النظر كآلية لتجسيد سيادة الشعب ومراقبة أعمال الحاكمين. المستوى الثالث وهو المستوى الفلسفي «أي عند مقابلة الديمقراطية مع فكرة العلمانية واقترانهما معها». يكاد يتماهى تصور هذا الاطار في الدائرة السياسية لفكرة الديمقراطية مع المرجعية الأدبية للجماعة التي تجسدها كتابات ياسين، غير أنه أضاف بعدا تقنيا في تصوره عبر التركيز على الجانب الاجرائي للديمقراطية كتدبير الاختلاف، المراقبة... الخ وهي التقنيات العملية الدورية لتدبير التنظير السياسي للجماعة (الدائرة السياسية). راكم هذا الاطار طيلة 20 سنة، تاريخا نضاليا بحيث كان فاعلا حيويا في القطاع الطلابي للجماعة دخل كلية الحقوق بالدار البيضاء وساهم في تأسيس أول فرع طلابي للجماعة بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء سنة 1990 كما شارك في أشغال اللجنة التحضيرية لتأسيس الدائرة السياسية سنة 1998 ويمكن أن يكون قد شارك أيضا في تأسيس لجنة تحضيرية للدخول في الانتخابات التشريعية سنة 2002. نلاحظ مركزية التجربة الفرنسية في النموذج الديمقراطي الذي ترفضه جماعة العدل والاحسان برغم الاستئناس بها: «تاهي يستفاد منها، لا من هذا ولا من ذاك... غي حنا كمسلمين ماخصش يتفرض علينا واحد النموذج، خصك طبق الديمقراطية على الطراز الامريكي أو الفرنسي، يمكن حتا حنا ننتجو تصورنا الخاص...». التصور النسائي داخل الدائرة السياسية لا يبتعد كثيرا عن الموقف الأدبي باضافة بعد الاجتهاد في انتاج نماذج انسانية أكثر ملاءمة لتدبير الشأن العام وفق نظام الخصوصيات المحلية ووضع الافضلية لنظام الشورى الاسلامي »الشورى عندها مرجعية دينية تبنى أساسا على هذا الارتباط بمفهوم الغيب الذي هو مفهوم حاضر عندنا بقوة...« فلا مكان للدمقراطية بدون «غيب أو آخرة»، «أو موت وحياة» عن أطر الجماعة، «الشورى هو واحد المفهوم اللي مرتبط بهاد المنظومة» . هذا النزوع الغيبي يعد سمة مشتركة بين كل الحركات الدينية المهدوية التي عرفها التاريخ الاسلامي »فعلى الرغم من تأثر المغرب بالمشرق، فإننا نستطيع القول بأن الحركة الاسلامية المغربية تبحث لنفسها عن بديل اسلامي متميز عن البديل المشرقي أو في غيره من البلدان. فحركة العدل والإحسان تجمع بين السياسة والطابع الصوفي. إن مجال التصوف إلى جانب كل من المجالين الخليفي والمخزني يظل أهم المصادر التي ينهل منها الفاعلون السياسيون بالمغرب ويخضعون لثوابتها. بالرغم من أهمية عرض تصور الجماعة حول الديمقراطية والمشاركة في الحياة العامة بغية تفسير موقفها من المشاركة في الانتخابات، إلا أنها تظهر ذات مكانة ثانوية بالنظر لسقف المشروع الذي تطرحه جماعة العدل والاحسان عبر مؤسسيها عبد السلام ياسين «فالسياسة بعض من شأننا» نظرة شمولية لفعل التغيير من خارج النظام القائم اساسه «التربية اولا، التربية ثانيا، التربية ثالثا حيث ان مشروع الدولة عنده يمتد الى المطالبة بتعديل نظام الحكم القائم الى نظام الخلافة على«منهاج النبوة» وبناء مجتمع اساسه «جماعة المسلمين الصادقة» التي تسعى الى تأسيس دولة الخلافة قطريا وبعد ذلك التوحد مع باقي الاقطار «الدول» التي تنجح فيها القومية الاسلامية. فحجم هذا المشروع يضع أولويات تصبح فيها الديمقراطية، حقوق الانسان، التعددية السياسية والثقافية.. لاحقة على المشروع السياسي للجماعة. ان هذه التمظهرات الديمقراطية كثيرا ما يتم الاحتجاج بها عند المضايقات والاعتقالات التي يتعرض لها بعض اعضاء الجماعة او عند المواجهة مع خصومها السياسيين، كما ان المواجهة الفكرية للديمقراطية عند المرشد واطر الجماعة، تمر حتما عبر مركزية التجربة الديمقراطية الفرنسية بفعل التأثر الثقافي بالنموذج الفرنسي للنخب المغربية. المشاركة الانتخابية عند الجماعة يرفض ياسين وجمعيته المشاركة في النسق السياسي الذي تشكل المؤسسة الملكية داخله حجر الزاوية وتعرف جميع ادوار الفاعلين السياسيين والاقتصاديين باضفائها المشروعية عليهم او سحبها عند الحاجة. «وتفضل الجماعة التعبير عن مشاركتها في الحياة العامة باحتلال الفضاء العام والتظاهر بشكل سلمي من خارج النظام الحزبي والانتخابي وهي تسجل موقفها من اللعبة الديمقراطية على أساس الخلفية الفلسفية التي تكتنفها من جهة، و كذا عدم الرغبة في استيراد نموذج الجمهورية الفرنسية والتعبير عن القدرة في انتاج نماذج فكرية أكثر ملائمة لواقع البيئة الإسلامية. اما الاسباب المباشرة لرفض المشاركة الانتخابية، فهي مبنية اساسا «على عدم وضع ضمانات النزاهة قبل الحديث عن المشاركة» و «ضمان تعددية سياسية حقيقية خلق بيئة سليمة للتنافس السياسي، والدستور ايضا يجب استبداله بآخر يقر صراحة بفصل السلطة وتوازنها وربط السلطة بالمسؤولية». ومن خلال تتبع محددات المشاركة عند الحاجة سواء عبر أدبيات المرشد العام او تصريحات اطر الجماعة، يتبين أن هذه الأخيرة تركز على المسألة الدستورية باعتبارها مدخلا مرحليا وأولوية مطلبية لإعادة تنظيم الحياة العامة والسعي لإقامة الحكم العادل، حكم «الخلافة على منهاج النبوة» وفي معرض تناوله للتجربة السياسية الايرانية يشير ياسين إلى انه «منذ سنة 1906 استطاع علماء المسلمين في إيران فرض دستوري حد من تسلط الملكية، كان وراءه تاريخ مجيد من مقاومة العلماء للحكام فكان الدستور تتويجا مرحليا». ان المواجهة مع النظام القائم تتنوع من معارضة المخزن الى الدستورية القانونية، فبخصوص المستوى الاول فإن ياسين عبر كتاباته المتنوعة، ينتقد كل مقومات النظام السياسي القائم على الملكية الدستورية الوراثية، هذا النموذج الذي يقابله في الاطار المفاهيمي «حكم العاض بالوراثة» والذي استوحاه من الحديث النبوي. «تكون ما يشاء الله فيكم..» كما يعبر عن نموذجه المقترح، نموذج الخلافة على منهاج النبوة باستعراض مواقف اخلاقية للخلفاء الذين تعاقبوا علي الحكم بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة و السلام، والتي غالبا ما تنحصر في الثلاثين سنة الأولى من تاريخ الحكم الإسلامي وفترة الخلافة الأولى لاصحابه. يشكل الدستور المغربي بشكله الحالي عائقا قانونيا للجماعة لتصريف مشروعها، حيث يعمد الناطق الرسمي للجماعة عبد الله أرسلان، وأطر الجماعة السياسية الى الاشارة الى عدم ديمقراطيته، وكذا هامشية السلط التي يمنحها للفاعلين السياسيين كالاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمعات المدني. وفي هذا الصدد يشير الناطق الرسمي الى صيغة الدستور حيث كل السلط بيد الملك، وانه لا مجال لفصل السلط او توزيعها بالمغرب. مع ذلك فالجماعة تتعامل مع النظام القائم الداخلي والدولي بنوع من البراغماتية، فبالرغم من تأجيل رغبتها في المشاركة في الانتخابات بسبب غياب الشفافية، فهي لا تتردد في التعبير عن مواقفها اتجاه القضايا الوطنية أو الدولية، كما ان رغبتها في العمل العلني من خلال تقديم طلبات لذلك منذ بداية الثمانينات تؤكد هذا. غير ان تصريحات اعضاء الجماعة تتسم بالغموض والتناقض في بعض الأحيان، ماعدا في حال تفسير هذا الاضطراب في المواقف باعتباره نوعا من التطور في المواقف والمراجعة الدورية للحسابات السياسية. تتجلي هذه البراغماتية ايضا، في وعي الجماعة بضرورة توحيد الصفوف لإخراج البلد من ازماته ومن هنا فكرتها للحوار مع كافة الفعاليات السياسية والإسلامية من خلال الطرح المتجدد دائما لفكرة الميثاق الوطني أو الاسلامي. ويوضح محمد عبادي هذه الفكرة: «نريد خلق جسر بين مختلف الفعاليات السياسية في المجتمع، الحركات الاسلامية الاخرى حلفاؤنا الطبيعيون بالرغم من وجود اختلاف الآراء. اننا نريد التعامل مع كل تنظيم يحب الخير للبلد ويأمل اخراجه من ازمته، اما التنظيمات الإسلامية المتطرفة فليس لنا معها اي تواصل. في الخمس سنوات الأخيرة، شرع مجموعة من اطر الجماعة في اصدار كتب تعرض المشروع السياسي للجماعة وتعرف بمقوماته الفكرية ومحاولة تبسيط التصور الادبي للماعة والتعليق عليه دون تجاوز المرتكزاتا لفكرية التي وردت في الادبيات الاصلية. وكمثال علي ذلك:» خطة التغيير السياسي الم قترح من طرف الجماعة وكتابات تتنوع بين المسائل المتعلقة بالتربية الداخلية واجتهادات فكرية لتبرير العمل الجماعي في الاسلام. اما عن التصور الادبي للجماعة من الانتخابات الدورية بالمغرب فهي لا تتردد في وصفها «بأخبار الغش والتزوير الذي تشوبها، حيث ظل موقفها ثابتا، فمرورا بالموقف من انتخابات 1997 التي افرزت تجربة التناوب وانخراط مكون حزبي للحركة الاسلامية بالمغرب لاول مرة وهو حزب العدالة والتنمية والذي حصل على خمسة مقاعد، وصولا الى الرسالة الأخيرة سنة 2007 المعنونة ب «جميعا من أجل الخلاص» والتي تصف الانتخابات التشريعية بمسلسل «المأساة الملهاة» وتقف عند نسبة العزوف المهمة في محاولة لتجريد القوى السياسية المنبثقة عنها من كل تمثيلية شعبية». حاولنا رسم سلم لتطور موقف الجماعة من الانتخابات التي عرفها المغرب سنة 1997، 2002، 2007 الا انه يمكن القول ان موقف الجماعة هو موقف اللامعني بتلك المناسبات السياسية في غياب الشروط الاخلاقية والقانونية التي تقترحها «دستور عن طريق جمعية تأسيسية فصل السلط، نزاهة». هذه المطالب تظل بسيطة مقارنة بالمطلب المركزي الذي هو الغاء شكل الملكية الوراثية التي عرفها المغرب منذ تشكيل وحدته السياسية، حيث يؤكد لنا اطار تربوي بالجماعة ان من جملة محددات رفض الانخراط في الحقل السياسي الرسمي هو العصيان ضد الملك الوراثي الذي يركز كل «السلطات في شخص مقدس» والبديل المقترح دائما هو نموذج «الخلافة على منهاج النبوة» دون تقديم شكل الحكم: رئاسي، جمهوري، باستثناء اجابة ندية ياسين نجلة المرشد العام خلال احد تدخلاتها الصحفية التي صرحت بأن الجمهورية هي التي توافق فكرة والدي الذي قدم الخلافة روحا مستوحاة من النبع النبوي، هذا الموقف غير معبر عنه داخل اطر وقاعدة الجماعة ويتم اعتباره كرأي شخصي لندية ياسين. لكن يبقي الموقف الاصلي هو رفض الملكية الدستورية الوراثية الذي يشكل رفضها اول مستقبلات الخطاب التربوي والسياسي للجماعة: «اول شيء تتعلمه عند الالتحاق بالجماعة هو تبني موقف سلبي اتجاه الملكية». والسؤال الذي يمكن طرحه الآن هو كيف تتم صياغة الموقف العام من الديمقراطية ومن الانتخابات داخل الجماعة؟ ثانيا: التربوي والسياسي عند جماعة العدل والإحسان منذ تأسيسها تتوفر جماعة العدل والاحسان على تنظيم تربوي يستمد مرجعيته المباشرة من كتاب المنهاج النبوي العام للمرشد العام عبد السلام ياسين، حيث حدد شروط بناء التنظيم التربوي وهيكلته العامة بتفصيل المهمات والهيئات التي تضطلع بها، وذلك بغية الوصول الى «القومة الاسلامية» وتأسيس دولة «الخلافة على منهاج النبوة». مشروع جماعة العدل والإحسان تأسس عبر الثنائية المفهومية السابقة. فالمفهوم الاول مرتبط بمنظومة اخلاقية وهي مرتبة الاحسان احدى مراحل الاعتقاد الديني بحسب التراتبية التالية، الاسلام، الايمان، الاحسان. وصيغة الاحسان يعرفها ياسين عبر مساحات واسعة من ادبياته تنبني اساسا على الارتباط المطلق بالغيب بعد التعرف على الغاية الموجودة للانسان ومن تم اعداده للخلاص والسعادة في الحياة الأخرى لما بعد الموت، اما العدل «بين الناس في الحكم والعدل في الارزاق حين تنتج وحين تقسم، والعدل تنشده امة الاسلام اقتضاء من النظام العالمي العولمي الطاغي. هذا المطلب المزدوج، مطلب الاحسان ومطلب العدل يشكل هدفا غائيا بعد رفعه منذ سنة 1987، و بهذه الازدواجية فإن جماعة العدل والإحسان تسطر لنفسها اطارا يجمع في نفس الوقت بين المناهج الاصلاحية والراديكالية. كما ان آلية التنظيم ومواده التربوية تساهم في التعريف بهذا المطلب المزودج وترسيخه عند افراد الجماعة. بداية كان تنظيم اسرة العدل يتشكل فقط من التنظيم التربوي الذي كان يشرف على التوجيه التربوي للمنخرطين في صفوف الجماعة وفق المحددات الذي قدمها ياسين في «المنهاج» ومن هنا يمكن القول ان الجهاز التربوي داخل الجماعة هو الذي يعرف بالمشروع، سواء المتعلق منها بالموقف من المؤسسة الملكية، ومن الأحزاب السياسية ومجمل التصور العام للشأن السياسي، حيث ان النظام التربوي من أولوياته «العمل على انصهار الكل في موقف واحد». هاجس الوحدة والتماسك بين المنخرطين في صفوف الجماعة هو صمام الأمان واسمنت الموقف العام خوفا من بروز تيارات وافكار يمكنها ان تنحرف بمواقف الجماعة. ولذلك فقد وضع تنظيم الجماعة آليات لتصريف الخلافات والرؤى المتباينة تنظيميا. وهذه الآليات مبنية على فكرة الاجماع وحصر دائرة الخلاف ثم الوفاء للخط الاصيل لفكر عبد السلام ياسين. هذا المشروع يرتهن حتما بإعداد «جند الله»، «ولوج الميدان السياسي وتوجيه كل الجهد للوصول الى الحكم في قطرهم.. ليكن الهدف المباشر هو الزحف الارضي للاستيلاء على الحكم». يضاف الى التنظيم التربوي المشار إليه، مدارس تعليمية داخلية يتم عبرها تمرير برنامج تعليمي يركز أساسا على الاطار التاريخي الاسلامي وفقه العبادات. هذا البرنامج لا يجد قطعا مصادره في أدبيات الجماعة، بل يمتد الى مشاهير العلماء المسلمين عامة. هناك ازدواجية معرفية / عاطفية في صيرورة التنشئة الداخلية للعضو داخل البناء التربوي بهدف إعداده لبلوغ مرحلة الاحسان وطلب السعادة في الحياة الاخرى، وكذا تكوين معرفي يساعده على تمثل المواقف السياسية وترسيخ القناعات الدينية والاخلاقية. وهذا الاعداد يحتضنه تنظيم تربوي صارم منضبط لا مكان فيه للمبادرات الفردية: «الإخوان مربيين، نكولو ليهوم نوضو ينوضو، نكولو ليهوم بركوا يبركوا، مين كتكول الجماعة غتنزل ب 5000 : كتنزل ب 5000 ...». البرنامج التعليمي يضم دروسا ذات بعد سياسي كالمحور المتعلق بالدائرة السياسية ودواعي تأسيسها، السلسلة الثالثة من البرنامج التعليمي العام. في البداية، كان يترك هامشا كبيرا لنقيب الاسرة في إعداد الدرس وإلقائه، لكن منذ 2001، تم إعمال نظام الدروس النموذجية التي يتم تحضيرها من طرف أطر متخصصة في المادة محل الدرس وتعمم على مستوى الشعبة قبل إنجاز سلسلة البرنامج التعليمي العام الذي شارف على الجزء السابع من السلسلة. وهذه المجالس التعليمية قد تتخللها مواد تربوية «حيث التربية داخلة عندنا في كلشي حتى في الدائرة السياسية.. لابد من واحد ربع ساعة ديال الذكر، الدعاء في الاول، الدعاء في الاخير»، وقد كان الهدف من توحيد هذا البرنامج التعليمي هو الحرص على وحدة التصور عند اعضاء الجماعة. ومن ثم يمكن القول أن هذه البرامج تعد بمثابة الاسمنت الذي يوحد المنتسبين لفكر وتنظيم الجماعة بحيث تنتج هذه البرامج أفرادا نمطيي الرؤية والتصور ومتضامنين جدا فيما بينهم. ويلعب أطر القسم التربوي داخل الجماعة دورا مهما في ترجمة تصورات المرشد العام الى وحدات ومواد بيداغوجية وايضا التدخل لتقويم الانحرافات التي قد تطرأ على مواقف المنتسبين للجماعة او التأسيس لأخرى وهذا كله لبلوغ الغايات العامة للجماعة. اضافة للدور البيداغوجي لأطر الجماعة، هناك نوع من الكاريزم او هرمية الآصرة داخل التنظيم، سواء بين الاطر والمرشد العام أو بين الاطر وباقي المنتسبين لقسماتهم التنظيمية. وفي هذا الاطار فإنه تتم برمجة رحلات جماعية الى منزل المرشد العام لتجسيد مفاهيم «منهاجية» من قبيل مفهوم الصحبة وتعزيز الرابطة الروحية بين الشيخ وأتباعه الذي كثيرا ما يعترف أطر الجماعة بجمائله الروحية عليهم «هاذاك الراجل، انا غذكر - اسمه - ديالو كيزيد لي في الايمان... رجل لو فضل كبير عليا، علمني الرفق والتسامح.. وعلمني نتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام». بالرغم من وجود معالم الآصرة الصوفية التي تعرف عن الجماعة، فهناك أشكال تعبد وطقوس تدين سلفية، اذ إن اعضاء الجماعة يحرصون على تطابق منظومتهم التعبدية مع النصوص الدينية الواردة في هذا الباب، «فالمطلوب من العضو ان يصلي الصلوات الخمس كلها في المسجد، وان كان في الصف الاول يكون أحسن: «المطلوب منو يفيق قبل من الفجر، قيام الليل، ساعة فيها قيام الليل...، ثم عندو فترات كيصلي فيها النوافل... كاين الصيام ديال الاثنين والخميس وكاين صيام الايام البيض.. كنشجعوا الناس عليها...» و، ع. ويمكن القول ان نمط التدين اليومي عند افراد الجماعة هو تدين سلفي يسعى الى التطبيق الحرفي للتعاليم النصية، في حين ان المنهج العام للتربية هو صوفي المسلك. وتظهر هذه الخصائص الروحية في المجالس التربوية العليا مثل مجلس النصيحة الذي استبدل بمجالس الاحياء الربانية منذ سنة 1996، وترتكز أهم مواد برنامج هذا المجلس، الذي ينظم على مستوى الجهة ويؤطره «ناصح»، على: حصة من الذكر، حصة من التفسير، حصة من تفسير كتاب الاحسان. كما ينعقد مجلس النصيحة كل شهر على مستوى المدينة ويسمى مجلس نصيحة القطري في المدن الكبرى البيضاءالرباط، فاس، مراكش على رأس كل شهرين. ويستمد هذا المجلس صفة القطرية من حيث تأطيره من طرف عضو او عضوين من مجلس الارشاد القطري. هذا فيما يخص هرمية مجلس النصيحة الذي يمكن ان ينضاف الى مجلس الحديث المركز والذي يقع مقره بسلا وهو قليل الانعقاد بالنظر الى الكفائية الايديولوجية والتربوية التي تحققها باقي المجالس والمناسبات التربوية كالاعتكاف والرباطات (انظر هيكلة التنظيم التربوي). محددات الحراك التنظيمي داخل الجماعة: غالبية أطر جماعة العدل والإحسان الذين امضوا قرابة العقدين داخله يشغلون منصب نقباء الجهة حاليا، ولجوا تنظيم الجماعة عبر الدوائر الاولى للاستقطاب وهي: المسجد او الثانوية او الجامعة، مرافق العمل (إدارة، شركة). يتم تحضير الفرد الواحد في مجالس تربوية بسيطة المحتوى والمنهج (بيوت الدعوة). غالبا ما تتداول بعض الاحداث الراهنة ذات البعد الاسلامي مع استعمال تقنيتي الصوت والصورة في عملية التواصل في هذه اللقاءات الاعدادية. بعد مدة تتراوح بين أربعة وستة أشهر، يلتحق الوافد بإحدى الاسر التي يقع في دائرتها ومن ثم يكتسب العضوية داخل صفوف الجماعة بداية، بأداء المساهمات في الاعداد اللوجستيكي للمجالس الاسبوعية (التربوية) او مساهمته في تكاليف الرباطات او الاعتكاف، مرورا بحقه في التصويت والترشح لمسؤوليات تنظيمية. وتتنازع مسطرة هذا الحراك الداخلي مقاربتان أساسيتان: المقاربة الاولى: وهي التي يمكن عبرها تناول هذا الحراك كترقية داخل جماعة او طائفة دينية، حيث المحددات الجوهرية هي في الاصل ذات بعد أخلاقي ديني: «خص الاخ مثلا ميكونش يكذب، متكونش فيه شي شائبة من شوائب المروءة»، كما أن منظومة هذا الحراك يمكن اختزالها في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه «المرء وغناؤه، المرء وحظه من الله..» هنا يظهر التمازج بين الوظيفة الادارية للمسؤولية والدور الديني الرمزي الذي تحمله المسؤولية مما يطرح معه إشكالية المسؤوليات التربوية ونظام الهرمية الديني داخل الجماعة، فالنقيب الاداري هو ايضا مربي ديني وواعظ وكذلك حامل لخطاب تمنيات لا متناهي.. المقاربة الثانية: وهي التي تعالج إشكالية الحراك في بعده التنظيمي الصرف بناء على أوليات علم اجتماع التنظيمات مما تقتضيه من وظيفة عمودية وتجميع لوحدات التنظيم والذي لا يكون اعتباطيا بحيث ينبني على علاقات سلطة بين الوحدات ليعطي صورة رمزية عن الهرمية داخل البناء التنظيمي التي تتماهى مع الحاجيات العامة والمترجمة على شكل أهداف ومهام بقصد بلوغها. وعملية تجميع الوحدات وتخصصها يراد منها عادة أربع أهداف محددة: - تحقيق مراقبة هرمية على عمل الوحدات التنظيمية. - الاشتراك في تقاسم الموارد وتوزيعها على مستوى الوحدات. - التقييم التقابلي للوحدات التي تقع في نفس المستوى وتحقيق التواصل. - الفعالية بحيث يسهل تقدير الكلفة وقياسها على مستوى الوحدة. المحدد الاخلاقي التربوي بين منطق المرشد ومنطق التنظيم وضع المرشد العام عبر إصداره «المنهاج النبوي» مسارا لإعداد عضو الجماعة داخل التنظيم بقصد بلوغ الغاية «الإحسانية» و«الزحف» و«اقتحام العقبة». وقد حدد عشر خصال «أخلاقية للسلوك الى الله» وهي: الصحبة والجماعة - الذكر - الصدق - البذل - العلم - العمل - السمت الحسن - التؤدة - الاقتصاد - الجهاد. تتفرع كل خصلة لشعب عديدة في إطار بيداغوجية تربوية. مبدئيا كان هذا السقف «المنهاجي» هو المحدد لحراك العضو داخل جماعة العدل والاحسان واستيفاء هذه الصفات والخصال هو المسوغ لبلوغه مراتب «الاحسان»، لكن عمليا يتم تنظيم طقوس الانتقال من مرتبة تنظيمية الى أخرى بتساهل مع هذه التعاليم «المنهاجية» حيث ان «المنهاج وضع سقفا عاليا، وأغلب الناس اللي جاو للجماعة جاو من جماعات اخرى، عندهوم رواسب فكرية...» (وقيف). ومع ذلك يظل المحدد المركزي غير القابل للتجاوز هو «الاستيعاب» أي قدرة المرشح وتجاربة في التوفيق بين مختلف التباينات في الرؤى والمواقف وقدرته على حفظ التوازنات الادبية داخل التنظيم «خصك تكون مستوعب غير قاصر وتكون جامع خصوصا في الجانب التنظيمي، هاد الشي يبغي شويا ديال الصبر...» (و.ع) ان شرط وحدة التصور والمواقف بعد استيعابها وفهمها خلال الاعداد النفسي والتربوي، يعد أساسيا لتبوأ مسؤوليات أعلى، فحالة «الكمال الاخلاقي» او «الاحساني» النسبي أساس ووعاء الموقف السياسي بحسب أدبيات المرشد العام. وهذه المواقف السياسية تجد أصولها في التاريخ الاسلامي: «فعندما نقول الركون الى الظالمين لا يجوز شرعا. فيكفي نجيبو مثال او جوج من التاريخ الاسلامي...» و.ع. هذه الانتقائية التاريخية تكون بحسب تمظهرات الموقف المعبر عنه، كالموقف من الملكية والمشاركية الانتخابية او الموقف من مكونات الحقل السياسي. واذا كان المخزون التاريخي بروافده الفقهية والمذهبية مصدر نظمات تبرير المواقف فإنها حتما لاتمر الى أطر الجماعة ومن ثمة الى الاعضاء العاملين الا بعد صقلها بفكر المرشد عبد السلام ياسين وتوجيهها التوجيه المناسب، فأطر الجماعة لاتتعرف على الانتاج الفكري حول الديمقراطية او الاقتصاد بل تتعرف على الانتاج الفكري حول الديمقراطية او الاقتصاد بل تتعرف عليه من خلال كتابات المرشدا لعام عبد السلام ياسين عنها (محققا) بذلك كفائية ايديولوجية تساهم في عزل الجماعة عن الافكار والنقاشات التاريخية المعاصرة السائدة حتى لايقع عند المتلقي خلط او زخم في التصورات يمكن ان يشوش على العملية التربوية التواصلية والمواقف الرسمية للجماعة. وبعيدا عن هذه الخطاطة التربوية، فعمليا التكوين التربوي والأخلاقي الذي سطره المرشد ومختلف مراحل تطور العضو عبره يعرفان منطقين متوازيين: منطق النظرية التربوية التي عرضها ياسين أمام منطق الاستعداد والقابلية النفسية عند أعضاء الجماعة بحيث يتم التنازل عن بعض محددات ومعايير التنشئة «العارفة» داخل الجماعة، لكن بالرغم من هذه المحددات التربوية، هناك البعد التقني الإجرائي كشكل من أشكال طقوس المرور إلى قسمة تنظيمية أعلى. سؤال الديمقراطية الداخلية عند الجماعة: إذا كان مدى انعكاس المنظومة «التربوية» على الأعضاء مسوغا للحراك، فإن واقع المنافسة التنظيمية قد فرض آليات انتخابية تناول تفصيلها ياسين في «المنهاج»بغية تنظيم الإرادات والتعبير عنها. فمسطرة الاقتراع هي السائدة في مثل هذه المناسبات، حيث تنظم دوريا على كل مستوى تنظيمي في أوقات وتواريخ محددة، إلا أن المبادرة بقصد الترشح للمسؤولية التنظيمية يعد من باب تزكية النفس «غير مقبولة شرعا..»، فالهيئات التنظيمية الأعلى هي التي تزكي الأفراد المترشحين بناء على نضاليتهم ومدى استيعابهم وذلك بهدف «توجيه الطاقات التوجيه الصائب» وفق المنهاج النبوي. كما تؤكد على ذلك المسؤولة عن القطاع النسائي دخل الدائرة السياسية «إلى شافوا الإخوان المسؤولين علينا أني أهل هاد المسؤؤلية، مرحبا...»، فحتى أسماء المترشحين لا يعلن عنها حتى يوم الاقتراع بهدف «تفادي الحملات الانتخابية بين المترشحين» (وقيف) التي قد تقود إلى نتآئج غير مرجوة أو إفشال للعملية برمتها مؤثرا على منطق الحراك وتحديد المسؤوليات داخل التنظيم. كما أن نمط الاقتراع المتبنى داخليا هو نمط الاقتراع الأغلب في دورتين وهو يساهم في اختزال المواقف أثناء عملية الاقتراع، فالأصل هو الحصول على شبه إجماع الهيئة الناخبة (50 بالمائة + 1) وفي حال التعذر يمكن العمل بالأغلبية النسبية التي غالبا ما تكون على شكل توافقات داخلية غير حتمية ودائمة. نلاحظ هنا حضور تقنيات ديموقراطية أثناء مساطر تعيين المسوؤليات ومسار الأفراد داخل بناء الجماعة، مثل فتح باب الترشيحات، التصويت السري، دورتي التصويت.. لكن هذه المنهجية الداخلية يغلب عليها الطابع التحكمي وعدم الرغبة في عكس أو التعبير عن تعددية معينة داخل التنظيم كما تقتضي المساطر الديموقراطية. ثم ان غياب أي ناظم معياري لها (قانون داخلي) وخضوعها لمنطق بناء التحالفات في الهيئة محل الانتخاب يبعدها عن الاواليات الديموقراطية «كلعبة تدور حول القوانين المعيارية». ويمكن القول إذن بهامشية الانتخابات الداخلية في التعبير عن الإرادات ليظهر في المقابل المحدد الأخلاقي الديني وفق النظام التربوي المعتمد ومدى استيعاب الأفراد للمنظومة الفكرية لياسين كشرط أساسي غير قابل للتجاوز. الفعل السياسي داخل الجماعة: موقعه وتراتبيته: الفعل السياسي بمدلوله النظري لا يجد مكانا في تصور المنظرين للعمل الإسلامي والحركات الإسلامية عموما بدءا بفكر أبو الأعلى المودودي ومرورا بأفكار الشيخ البنا وبالنموذج مدخل الدرس وهو فكر جماعة العدل والإحسان المغربية، حيث عمل الحركات الإسلامية هو نشاط شامل يمتد إلى سائر مجالات الحياة، سواء المتعلق منها بالفرد أو المجتمع و كذلك نظام العلاقات الاقتصادية والمسائل السياسية.. كل هذه الميادين يجب أن تؤطر بحسب نصوص ومصادر الشريعة الإسلامية بحكم «كمالها وصلاحيتها لكل زمان ومكان». وفي محاولة لتلمس معالم الفعل السياسي المحدد وخصائصه عند جماعة العدل والإحسان بحسب أدبياتها الداخلية، يظهر ذلك التماهي الكبير لتصور المرشد/الجماعة مع التصوور الكلاسيكي للفكر الحركي الإسلامي عبر عرض وتبرير المواقف في أحايين كثيرة على مقولات البنا أو المودودي وكذلك سيد قطب، ومن أمثلة ذلك المشاركة في الانتخاب أو المواقف من الحكام والمسؤولين التي اتخذها المرشد العام «وجهات لتأملاته» حول المسألة، وهو «الدخول في تعددية الأحزاب والترشيح للانتخابات وما يقتضيه ذلك من علنية العمل...» ورغم أن الفعل السياسي في شكله الاتفاقي يظهر كمدخل لتجسيد مشروع الدولة الإسلامية «دولة الخلافة» في تصور ياسين عبر البيعة التعاقدية، لكن هذه الأهمية لا يعكسها الحيز المتواضع في كتاباته أمام الخطة التربوية لإعداد أعضاء الجماعة «للزحف ومن بعد ذلك القومة» «فالسياسة بعض من شأننا» كما يؤكد ياسين: لذلك يشغل الفعل السياسي مكانة ثانوية في النظام الفكري للجماعة وهو بشكله الاحتجاجي «مظاهرات سلمية، وقفات تنديدية اعتصامات..» يشكل أحد مؤشرات موقف الجماعة من النظام الاجتماعي والسياسي العام. كما أن هذا الفعل السياسي الاحتجاجي أيضا هو المتنفس الوحيد لتعبير الجماعة عن نفسها على الساحة العامة من خلال تنظيم الوقفات والمظاهرات الجماهيرية. والإشارات الواضحة للفعل السياسي عند ياسين تظهر من خلال فقرتين في «المنهاج» الأولى «للخط السياسي الواضح»، والثانية تناول فيها «الجهاد السياسي» ممثلا في ثنائية الدعوة والدولة لما بعد تأسيس «الخلافة». كما أن هناك تداخلات للفعل السياسي مع الفعل الديني في فكر ياسين عبر مقولات الإسلام السياسي من قبيل «البيعة وتنظيمها، الإمارة، الطاعة والولاية...». إن بناء نظرية الإسلام السياسي غير بعيد عن النظريات التراثية في هذا الباب «فالسياسة في اصطلاح أئمتنا هي التصرف في الشؤون العامة، شؤون الحكم والإدارة والقضاء بما لا يصطدم مع الشريعة...». أما التصنيفات الأكاديمية كثنائية «الدين والدولة» و«المقدس والدنيوي» غير واردة في فكرة الجماعة وأطرها «حنا داخل الجماعة معندناش ذلك الشي ديال الفصل بين السياسي بالشكل لي كيشفوه بيه الباحثين..» وقيف. لكن أحد الإصدارات للجماعة مثل كتاب «العدل: الإسلاميون والحكم»، تناول باسهاب الكثير من المواضيع ذات البعد السياسي من قبيل الفصل الثالث الذي يخصص للطاعة والمعارضة، والثاني المعنون بالدعوة والدولة كذا الفصل الثاني من الباب الثاني المخصص لحقوق الإنسان. وقد كان تأسيس الدائرة السياسية قبل سنة 1998 بعد نجاح تجربة التوافق المؤجل منذ 1992 الذي اعتبرته الجماعة نوعا من محاولة الالتفاف حول مكتسباتها الجماهيرية وفرصة أفضل للتواصل مع مكونات الساحة السياسية، كنتيجة للانفراج الذي عرفه نظام الحكم بالمغرب وخاصة بعد رحيل الملك الحسن الثاني رحمه الله وإقالة وزيره القوي في الداخلية المرحوم إدريس البصري سنة 1999. الدائرة السياسية: من سؤال التأسيس إلى حصيلة التجربة: تم تأسيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في دورة استثنائية لمجلس الشورى بتاريخ 9 يوليوز 1998 وأعلن عنها رسميا للرأي العام في الدورة العاشرة لنفس المجلس يوليوز 2000، وقد تم تأسيس هذه الواجهة المتخصصة. أولا: «للتوصل والحوار الجيد مع الفاعلين» السياسيين وعيا من قيادة الجماعة بأن «أزمة المغرب أكبر من أن يتصدى لها طرف واحد»، كذلك التحضير لفكرة الميثاق الإسلامي الذي كان قد اقترحه ياسين كإطار للمصلحة والعمل المشترك، هنا تظهر الرغبة في توسيع دائرة المشترك مع الفاعلين من خلال واجهات الفعل المدني، النشاط الإعلامي، وإعداد الدراسات... كما يمكن قراءة هذه الخطة أيضا كمحاولة للبحث عن مجالات أوسع للتعبير، إضافة إلى المجال الاحتجاجي كالاعتصام والمظاهرات والذي يظل إحدى الخصائص العامة للفعل الجماعي عند جماعة العدل والإحسان. ثانيا: الإعداد لتطور مسار الجماعة داخل النسق السياسي المغربي عبر تدريب وتوجيه الكفاءات المؤهلة لمباشرة العمل السياسي وكذا «إعداد الدراسات والبرامج واقتراح البدائل». وباستثناء الرسالة الأخيرة التي صدرت عن الدائرة السياسية: «جميعا من أجل الخلاص». فجعل الرسائل هي ذات بعد قطاعي أو موضوعاتي: قطاع التعليم، الصحة حقوق الإنسان... إن المتغيرات الوطنية والمعطى العالمي المتمثل في التضايق من التعبيرات الإسلامية، دفعت بأسماء داخل الدائرة السياسية (عبد الصمد فتحي، عمر إحرشان...) إلى مراجعة المواقف الرسمية للجماعة والاستعداد لخوض الانتخابات التشريعية لسنة 2002. لكن سرعان ما تم تطويق تلك المواقف بإبعاد كل من عبد الصمد فتحي وإنذار إحرشان الموالي لجناح ندية ياسين داخل الدائرة السياسية (يفوت، البحراوي، الشيباني، قاصد)، ليتعزز مع نزوع أشمل للمشاركة الرسمية تجلي في الاشتغال الدؤوب لأطر الدائرة السياسية - على مستؤى الفروع - كما هو على مستوى الأمانة العامة علي مواضيع أكثر راهنية بغرض تقديم تشاخيص محدودة تقنيا وقطاعيا واقتراح البدائل المترجمة عادة في الدعوة للتعبئة الجماعية من طرف الفرقاء الاجتماعيين، والتعبير عن الرغبة في المشاركة الانتخابية وتقبل الآليات الديمقراطية، محاولة من جهة، تطوير فكر جديد للمشاركة والاستعداد لمراجعة المواقف الرسمية للجماعة وامتصاص النزوع المطرد للمشاركة من جهة أخرى. ينضاف مؤشر آخر مصاحب لهذه الحركية الفكرية يتعلق بالبنية التنظيمية التي تعرف هي أيضا تطورا في اتجاه الاحتراف السياسي أكثر منه إعدادا ل «رهبان الليل»، فالبناء الإداري للجماعة (مدينة، إقليم، منطقة، جهة، شعبة، أسرة) أصبح يعرف تماهيا كبيرا مع هيكلة الدائرة السياسية سواء من الناحية البشرية أو من الناحية التنظيمية، الذي تتعزز معه فرضية الرغبة في المشاركة والتحول من تنظيم جماهيري إلى قوة سياسية، نخبوية تعد أطرها لشروط اندماج قيد الدرس في أية جولة حوارية مرتقبة مع السلطة.