اعتبر جلالة الملك، في خطاب الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء، أن المغرب، الدولة العريقة، يدافع عن القيم الحضارية القائمة على الالتزام بالمواثيق الدولية والانضباط للقانون والتشبث بالحق في الدفاع عن حقوقه المشروعة على أقاليمه الجنوبية. ولقد حقق المغرب، في إطار الترافع على ترسيخ مغربية الصحراء، مكاسب عديدة، سواء على الصعيد الدولي أم على الصعيدين الإقليمي والقاري. أولا المكتسبات على الصعيد الدولي 1 انتصارات قضية الصحراء المغربية في الأممالمتحدة لقد أقبرت القرارات الأخيرة لمجلس الأمن المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية، والتي كانت تنهل من القاموس الإيديولوجي للمعسكر الشرقي المنهار، والذي أفلست أطروحاته في العديد من الدول، حيث لم تترك وراءها إلا الويلات والحروب. كما أكدت القرارات الأممية على المشاركة الفعلية للأطراف المعنية الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، ورسخت بشكل لا رجعة فيه الحل السياسي الذي يقوم على الواقعية والتوافق؛ وهو ما ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تحظى بدعم مجلس الأمن والقوى الكبرى، باعتبارها الخيار الطبيعي الوحيد لتسوية هذا النزاع المفتعل. 2 حضور قضية الصحراء المغربية في الاتحاد الإفريقي لقد تخلص الاتحاد الإفريقي من التشويش على مؤتمراته وقراراته، بفضل رجوع المغرب إلى بيته الإفريقي. كما تخلص المغرب من المناورات التي كان ضحيتها لسنوات عديدة، حيث كان ينهج سياسة الكرسي الفارغ. وأصبحت المقاربة المغربية الجديدة تعتمد على الحضور القوي والبناء إفريقيا، وهي تقوم على تقديم الدعم الكامل للمجهودات البناءة والواقعية لحل قضية الصحراء المغربية مع الأطراف الحقيقية لا الوهمية. 3 مكتسبات قضية الصحراء المغربية على المستويين القانوني والدبلوماسي نتيجة للدينامية التي تشتغل بها وزارة الخارجية والقائمة على الوضوح والتواصل والفعالية، فتحت دول شقيقة عديدة قنصليات عامة في مدينتي العيونوالداخلة، في اعتراف واضح وصريح بمغربية الصحراء، تعبيرا عن ثقتها في الأمن والاستقرار والرخاء الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية. 4 مكتسبات بسحب الاعتراف بالكيان الوهمي بالموازاة مع الانتصارات والمكتسبات السابقة، ترفض الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي الانسياق وراء نزوعات الأطراف الأخرى؛ فقد بلغ عدد الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي 163 دولة، أي 85 في المائة من الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة. وقد تعزز هذا التوجه باعتماد القوى الدولية الكبرى لمواقف بناءة؛ ومنها إبرام شراكات إستراتيجية واقتصادية، تشمل دون تحفظ أو استثناء الأقاليم الجنوبية للمملكة كجزء لا يتجزأ من التراب المغربي. ثانيا المكتسبات على الصعيد الوطني إن التزام المغرب بترسيخ مغربية الصحراء على الصعيد الدولي عادله عمل متواصل على جعلها قاطرة للتنمية، على المستويين الإقليمي والقاري في إطار جهوية متقدمة ونموذج تنموي جديد. 1 استكمال المشاريع الكبرى التي تشهدها الأقاليم الجنوبية من ترسيم للمجالات البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي؛ ذلك أن توضيح نطاق وحدود المجالات البحرية الواقعة تحت سيادة المملكة سيدعم المخطط الرامي إلى تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية. وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية بالجنوب، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي، حيث سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي في تعزيز هذا التوجه. 2 إن الثبات في المواقف وعدم التأثر بالاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، عزز الإجماع الوطني الرافض قطعا للممارسات غير القانونية، كمحاولة عرقلة حركة السير الطبيعي بين المغرب وموريتانيا، أو لتغيير الوضعين القانوني والتاريخي شرق الجدار الأمني، أو أي استغلال غير مشروع لثروات المنطقة. 3 ولكن تشبث المغرب بالمنطق والحكمة والدفاع عن الحق في مواجهة الباطل لا يعني أن الأمة المغربية، وعلى رأسها أمير المؤمنين، راضية عن استفزازات الخصوم؛ بل إن المغرب سيتصدى، بكل قوة وحزم، للتجاوزات التي تحاول المس بسلامة واستقرار أقاليمنا الجنوبية. *أستاذ التعليم العالي - جامعة الحسن الأول بسطات