إنَّ نجاح الدبلوماسية المغربية في بناء علاقاتٍ قوية مع عددٍ من الدُّول الأجنبية والإفريقية والعربية، وعلى رأسِها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي افتتحت قنصلية جديدة لها بالعيون في الجنوب المغربي، دعماً للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وتزامناً مع احتفالات الشعب المغربي بذكرى المسيرة الخضراء المظفّرة، راجعٌ بالأساس إلى دبلوماسيةٍ ثقافيةٍ راسخةٍ مهّدت الطريقَ نحو ترقيةِ هذه العلاقات الثقافية والإنسانية إلى نوعٍ من التَّعاون السِّياسي الوثيق والقائم على دعم القضايا الكبرى للبلدين، ومنها قضية الصَّحراء المغربية وتعزيز التعاون المشترك بين المغرب والدول الصديقة والشقيقة التي بادرت بإنشاء سفاراتها في العيون الساقية الحمراء، تعبيراً عن الدعم اللامشروط واللامحدود لهذه القضية العادلة، وتأكيد سيادة المغرب على صحرائه الممتدة، وأراضيه الشرعية والتاريخية، بما يضمنُ الوحدة الترابية للمملكة ويُعجّل بالحل السّلمي الذي يتبنّاه المغرب ويدعو إليه حفاظاً على استقرار المنطقة، ومراعاةً لأواصر الأخوة وحسن الجوار، التي تجمعه بدول المنطقة والعالم. لقد شكّلت الدِّبلوماسية الثقافية بين المغرب والإمارات رافعةً للتعاون المشترك في مجالات مختلفة؛ اقتصادية واجتماعية، وبذلك ترتقي هذه العلاقات نحو مزيد من العمل الدّبلوماسي الداعِم لجهود الاستقرار والبناء الحضاري والتعاون السّياسي والأمني بما يخدم مصالح البلدين الاستراتيجية، ويعمّ خيره على الشعبين المغربي والإماراتي، وأيضًا تستفيدُ منه الأقاليم المغربية الجنوبية في دعم مشاريع التنمية والتحديث وتطوير عدد من البنيات التحية التي تجعل من مدينة العيون الساقية الحمراء عاصمة للثقافة والدبلوماسية الموازية. لقد لعبت الجامعة المغربية منذ تأسيسها دوراً مُهِمّاً في مدّ جسور التعاون العلمي والأكاديمي بين المغرب ودول العالم، حيث شكّلت مجالاً لتنمية الدبلوماسية الثقافية عبر مشاريع البحث العلمي التي فتحتها وحدات البحث ومجالات المعرفة في الكليات والمعاهد المغربية والمختبرات، وأيضاً في البحث الأكاديمي الذي خصّص جزءاً من اهتمامه لخلقِ فرصٍ جديدةٍ للتواصل الثقافي بين المغرب وباقي دول العالم، وضمن هذا التواصل العلمي نستحضرُ جهود ثلّة من أساتذة الجامعة المغربية الذين أبدعوا مشاريع ثقافية وازنة ومبادرات بحثية رائدة في التواصل الثقافي وخاصة بين المغرب وبعض الدول العربية وعلى رأسها دولة الإمارات، ففي سنة 1998 كان تأسيس مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، والتي تجاوز إنتاجها العلمي إلى اليوم أزيد من تسعين كتاباً وعشرات الندوات ومعارض الكتاب وعشرات الدورات التكوينية واللقاءات العلمية والأيام الدراسية، وسوف نخصص هذا المقال لرصد حصيلة الدبلوماسية الثقافية لهذه المجموعة البحثية، وذلك احتفاءً بافتتاح الإمارات لقنصلية جديدة هي أول قنصلية عربية في مدينة العيون بالصحراء المغربية، وتحمل دلالات سياسية وثقافية لا تخفى عن المتابع لشؤون المنطقة العربية وخاصة في شمال إفريقيا. أسهم في تأسيس مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، الأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله الدكتور عبد الله بنصر العلوي رفقة أساتذة آخرين منهم الدكتور محمد الدناي رحمه الله، والدكتور عبد المالك الشامي، والدكتور أحمد العراقي، والدكتور العميد محمد الشاد، إلى جانب نخبة من الباحثين الذين انخرطوا في مشاريع هذه المجموعة الأكاديمية وأسهموا في تحقيق تراكم علمي جدير بالاهتمام والتقدير، وكان له دور في تقوية التبادل الثقافي بين المغرب والإمارات، وترقية التواصل الثقافي إلى أشكال من التعاون التي تعود بالنفع على البلدين، خاصةً وأنَّ هذه المجموعة كانت أول كيان ثقافي يرصد التواصل العلمي والأدبي بين المغرب والإمارات، وذلك في فترة كانت فيها الدراسات المغربية حول دول الخليج العربي نادرة جداً، ولذلك كانت مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية رائدة في هذا المجال، وقد أسَّسها وترأسها الدكتور عبد الله بنصر العلوي وأشرف على تنسيق معظم أعمالها ومشاريعها الثقافية. وفي مرحلة أخرى أنشأ الدكتور عبد الله بنصر العلوي المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، من أجل ترسيخ هذا التواصل وتعزيزه وخلق فرص التبادل العلمي والثقافي، ضمن إطار أكاديمي وتنظيمي ومؤسساتي، أثمر العديد من مشاريع التعاون بين المغرب والإمارات، وتعزيز التفاهم بين البلدين وتوثيق عرى التواصل الأدبي والفني، سواء من خلال مشاركة الأدباء والشعراء المغاربة في عدد من اللقاءات والندوات، أو عبر إسهامهم في المجلات والدوريات الإماراتية، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة بين المؤسسات الثقافية المغربية والإماراتية في شؤون الأدب والنقد والإبداع والتاريخ والحضارة والاجتماع والمواضيع الاستراتيجية والعلمية والمعرفية، وقد كان من ثمار هذه الجهود التي قام بها هذا المركز الأكاديمي إصدار العديد من الكتب المتعلّقة بالأدبية الإماراتية والتي طُبعت بمساهمة كريمة من معالي الأستاذ الدكتور مانع سعيد العتيبة المستشار الخاص لصاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وعضو أكاديمية المملكة المغربية، مما وطّد العلاقات الثقافية وفعالياتها بين المغرب والإمارات. ومنذ تأسيس مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية سنة 1998 وإلى غاية اليوم، وضعت على عاتقها توثيق العلاقات الثقافية المشتركة بين البلدين، من خلال تنظيم الندوات واللقاءات وإصدار الكتب، حيث راكمت هذه المجموعة تجربة هامة في هذا المجال، وخاصة في التعريف بالأدبية الإماراتية، وبذلك تكون هذه المجموعة قد أسهمت في نقل الأدب الإماراتي من المحلية إلى العالمية عبر تداول النصوص ودراستها أكاديمياً، ولا يخفى أنَّ إصدار هذا العدد الكبير من المؤلفات في مدة وجيزة دليل على جدية العمل الذي ميّز أداء مجموعة البحث، وقدرة الباحثين المغاربة على الغوص في نصوص أدبية مشرقية وخليجية، لمقاربتها بمناهج متعددة ومن زوايا متباينة، مما كان له الأثر الإيجابي في ترسيخ الحوار الثقافي بين المغرب والإمارات، وأنعش الدبلوماسية الثقافية التي مهّدت لكثير من المنجزات الأخرى ومجالات التعاون بين البلدين، وعلى رأسها المجال السياسي الذي أثمر إنشاء الإمارات لأول سفارة عربية في مدينة العيون الساقية الحمراء. لقد مرّ على تأسيس مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية أزيد من عشرين عاماً، نظمت العديد من التظاهرات في فاس والرباط ومراكش ، وفي أبوظبي وغنتوت ودبي والشارقة .. ولتأريخ هذا الجهد العلمي أصدر المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية كتاباً خاصاً بمناسبة مرور عقدين من الزمن على تأسيس مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية (1998-2018)، وأيضاً احتفاءً بمرور مائة عام على ولادة مؤسّس الإمارات الشيخ زايد رحمه الله. وقد حمل هذا الإصدار التأريخي والاحتفائي عنوان: (الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية)، وصدر بتأليف وتنسيق الرئيس المؤسّس لهذه المجموعة البحثية الدكتور عبد الله بنصر العلوي، وضمن منشورات المركز الأكاديمي في طبعته الأولى أواخر عام 2018. تضمّن هذا الكتاب أزيد من أربعمائة صفحة، وقد ضم بين دفّتيه مجمل الأعمال الأكاديمية التي أنجزتها مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، سواء ما كتبه رئيس المجموعة الدكتور عبد الله بنصر العلوي أو ما كتبه غيره من الباحثين، وإنَّ المتأمّل في حصيلة هذه الأعمال يجد حضوراً بارزاً للشيخ زايد بأفكاره الملهمة ومواقفه النبيلة ومبادراته التاريخية وجهوده الرائدة في خدمة قضايا الإنسانية، وأيضا بسلوكه الوطني المتجذر، والساعي بجد وعزيمة إلى توحيد الصّفوف، والذب عن مقومات الوحدة التي تجمع بين الأقطار العربية والعالم الإسلامي، ولذلك فقد حظيت شخصيته الفذة باهتمام علماء المغرب ومثقفيه متجسّدا في ما قامت به مجموعة البحث من ندوات وأيام دراسية ومؤلفات حول شخصية الشيخ زايد، والتي كان من ثمارها صدور هذا الكتاب احتفاءً بمرور مائة عام على ولادته. وفي كتاب: الفاعلية الأكاديمية في الحضور الثقافي بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والذي طُبِع بمدينة فاس عام 2016، رصدٌ لبعض ما أنجز من خلال تكشيف دقيق للمنجزات وتقاريرها وملحق بصور الفعاليات الثقافية. إنَّ الدّبلوماسية الثقافية بين المغرب والإمارات، تجاوزت اليوم قضايا التواصل الثقافي والتعاون العلمي والتبادل المعرفي، إلى مجالات سياسية واقتصادية بدأت تلوح في الأفق وأولى ثمراتها افتتاح قنصلية للإمارات في العيون بالصحراء المغربية، على أنَّ ذلك لم يكن من باب الصّدفة، لأن علاقات المغرب مع الإمارات قديمة وتعود لفترة مؤسّس الإمارات الشيخ زايد رحمه الله، والذي تربطه علاقات طيبة مع باني المغرب الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وكانت للشيخ زايد وأبنائه بعده، تلك المواقف الإنسانية النبيلة وطنياً وعربياً وعالمياً والتي جددها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وولي عهده سمو الشيخ محمد بن زايد ، وإخوانه من الشيوخ الكرام وجلالة الملك محمد السادس ملك المغرب، حيث حرصوا جميعاً على تمتين علاقات المحبة والتعاون والتضامن، وتحقيق التقدم والرخاء لبلديهما الشقيقين. وقد شارك في كتاب تأريخ التواصل الثقافي بين المغرب والإمارات، نخبة من أساتذة الجامعة المغربية والشعراء والباحثين المغاربة، ومنهم عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري، الذي أبدع نصّاً إبداعياً عنونه ب (باقة ريحان مهداة من مولع محب ولهان إلى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان)، عبّر فيه عن عميق المحبة والاحترام وجزيل الشكر والامتنان لهذه الشخصية القيادية الفذة. كما تضمن الكتاب قصائد أخرى وشهادات وكلمات وأبحاث ودراسات، أجمعت على رسوخ التبادل الثقافي والإنساني بين المغرب والإمارات. ومن أهم التطلّعات المستقبلية المرتقب إنجازها ضمن أعمال مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، يقترح مؤسّس هذه المجموعة الدكتور عبد الله بنصر العلوي جملة من مشاريع البحث، نستحضر منها الآتي: مشروع ندوة حول الاستثمار الثقافي – الاقتصادي العربي، والمطالبة بإحداث مجالات الاستثمار في القطاع الثقافي، وتمكين بعض العائد من أرباح الاستثمار الاقتصادي في خدمة الثقافة العربية وتشييد بنياتها الأساسية. السّعي إلى تأسيس مكتبة إماراتية موسَّعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، توفّرُ للباحثين كلّ ما يساعدهم في أبحاثهم المتعلقة بالثقافة الإماراتية مِن كُتبٍ ومجلات ومراجع معرفية ومنشورات، وأنظمة إعلامية معاصرة للتوثيق والاتصال. عقدُ شراكات ثقافية بين مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية وأخرى مماثلة لها وبين المؤسّسات الثقافية الإماراتية قصد تحقيق المزيد من التواصل من أجل: تعزيز دينامية التواصل الثقافي بين المغرب والإمارات بإنشاء شبكة معلوماتية ثقافية متخصّصة، وإغناء الأدبية العربية لتستوعب معالم التواصل في تفاعل المقومات، والتوسع في الدرس الأكاديمي الجامعي ليشمل الثقافة العربية في المغرب والإمارات، كإحداث كرسي للأدبيات الإماراتية في بعض الجامعات المغربية، وكرسي آخر للأدبيات المغربية في بعض الجامعات الإماراتية، إضافة إلى عقد ندوات أكاديمية تتعلق بالأجناس الأدبية والفنية ودراسة الشخصيات الأدبية الفاعلة في المشهد الثقافي المغربي – الإماراتي، وأخيراً تقديم شهادات تقديرية تكريما للشخصيات الأدبية الفاعلة في ثقافة البلدين، واعتبارها من الأعضاء الشرفيين المنتمين لمجموعة البحث. وعلى الرغم من أنَّ بعض هذه الآفاق قد بدأت تتحقّق فعلاً ويُرى أثرها في الميدان، بفضل جهود هذا المركز ومبادراته، وكذا بإنشاء بيوت الشعر الإماراتية بتطوان ومراكش، إلا أنَّ الدبلوماسية الثقافية التي تجمع بين البلدين المغرب والإمارات، ينبغي لتعزيزها وضمان استمراريتها، المزيد من العمل الجاد المؤسّساتي، نظراً لطابع الانفتاح والحداثة التي اختارها المغرب والتي جعلته قطباً ثقافياً رائداً في شمال إفريقيا، هذه الريادة سهّلت مهام الدّبلوماسية السياسية ومهّدت الطريق نحو انتصارات المغرب على أعداء وحدته الترابية وحماية ثوابته الوطنية وترسيخ سيادته على أراضيه وحماية حدوده ضد كل أشكال الانتهاك أو الإساءة، خاصة وأنَّ المغرب كان دائماً مع الحلول السّلمية مُدافعاً عن قيم التسامح والتعايش والتعاون والتضامن، وهي القيم التي جعلت المغرب مجالاً رحباً لجذب الاستثمار وفضاءً محبّباً للعيش والاستقرار، يتجلى في تحوّله من منطقة عبور المهاجرين الأفارقة نحو القارة الأوربية، إلى منطقة استقرار وسِلم وأمان، وهو بذلك يتقاطع مع جهود دولة الإمارات في ترسيخ قيم التسامح والتعايش وحماية استقرار الشعوب ووحدتها الترابية، وخدمة الإنسان في جوهره دون أيّ التفات إلى جنسه أو عرقه أو لونه أو دينه.. وهي الدبلوماسية الرُّوحية التي يُعتبر المغرب أحد روادها الكبار بما يشتمل عليه من مؤهلاتٍ في المجال الرُّوحي كالمساجد والزوايا والطرق الصوفية والمآثر الدينية، وبما يشتمل عليه من مؤسساتٍ رسميةٍ وعلى رأسها مؤسسة إمارة المؤمنين والتي لا يخفى ما تبذله من جهودٍ في دعم السّلام العالمي. أخيراً لقد حقّقت الدّبلوماسية الثقافية بين المغرب والإمارات، من خلال مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية تراكماً مُهِمّاً على مستوى المشاريع الثقافية المشتركة والتي عزّزت الفهم السّليم لقضايا البلدين، إلى جانب ما طَبع هذه الدّبلوماسية مِن حِرصٍ على التعاون المشترك وفتح الأوراش التواصلية الثقافية والاقتصادية، والتي تمّ اليوم تعزيزها بإقامة قنصلية لدولة الإمارات في مدينة العيون الساقية الحمراء، لتشكّل إضافة أخرى ضمن سلسلة المؤسّسات التي تروم دعم قضايا المملكة المغربية وخدمة جهود التنمية، خاصة وأن المغرب يتطلع إلى بناء نموذج تنموي جديد ورائد ومنسجم مع العصر.