(علينا أن نسابق الزمن وأن تكون خطواتنا نحو تحصيل العلم والتزود بالمعرفة أسرع من خطانا في أي مجال آخر) من فرائد أقوال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. بهذه العبارة التي تستحق أن تُكتب بماء الذهب استهل الأكاديمي المغربي الدكتور عبد الله بنصر العلوي كتابه الجديد: الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، وهو إسهام من هذه المجموعة في الاحتفالات التي تقيمها دولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة تخليد ذكرى مرور مائة سنة على ميلاد الشيخ زايد، كما يروم تأكيد قيم التواصل الثقافي والمعرفي التي حرص الشيخ زايد على تمتينها مع كل الأشقاء العرب ودول العالم، وخصوصاً مع المملكة المغربية، وتهدف مجموعة البحث من هذه الذكرى كذلك إلى جعل هذا الكتاب وجهاَ من وجوه مدارساتها الأكاديمية بمناسبة مرور عقدين من الزمن على تأسيسها (1998-2018). وقد صدر كتاب الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، بتأليف وتنسيق الرئيس المؤسس لهذه المجموعة الدكتور عبد الله بنصر العلوي، وضمن منشورات المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية، في طبعته الأولى في نونبر 2018. يقع هذا الكتاب في قرابة أربعمائة صفحة، وقد ضم مجمل الأعمال الأكاديمية التي أنجزتها مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، سواء ما كتبه رئيس المجموعة الدكتور عبد الله بنصر العلوي أو ما كتبه غيره من الباحثين، وإن المتأمل في حصيلة هذه الأعمال يجد حضورا بارزا للشيخ زايد بأفكاره الملهمة ومواقفه النبيلة ومبادراته التاريخية وجهوده الرائدة في خدمة قضايا الإنسانية، وأيضا بسلوكه الوطني المتجذر، والساعي بجد وعزيمة إلى توحيد الصفوف، والذب عن مقومات الوحدة التي تجمع بين الأقطار العربية والعالم الإسلامي، ولذلك فقد حظيت شخصيته الفذة باهتمام علماء المغرب ومثقفيه متجسّدا في ما قامت به مجموعة البحث من ندوات وأيام دراسية ومؤلفات حول شخصية الشيخ زايد، والتي كان من ثمارها صدور هذا الكتاب احتفاء بمرور مائة عام على ولادته. عتبات مهّدت لموضوع الكتاب افتتح كتاب الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، بتقديم المؤلف الدكتور عبد الله بنصر العلوي أوضح فيه دلالات صدور هذا الكتاب، وسياق الاحتفاء بالشيخ زايد، معبّرا عن استمرار التواصل الثقافي والتعاون العلمي والتبادل المعرفي بين المغرب والإمارات، ومؤكدا في الآن نفسه على ما يكنّه المغاربة للشيخ زايد من تقدير وإعجاب، في رعايته للفعل الثقافي العربي والإنساني، فقد مثّلت جهوده قدوة في السلوك الحضاري المتميّز، شأنه في ذلك شأن من شاركه في تحمّل هذه الأمانة من القادة المصلحين ممن وثق فيهم وتبادل معهم نفس الطموح، وعلى رأسهم الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، وهي المواقف الإنسانية النبيلة وطنيا وعربيا وعالميا التي جددها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وإخوانه من الشيوخ الكرام وجلالة الملك محمد السادس ملك المغرب، الذين حرصوا على تمتين علاقات المحبة والتعاون والتضامن، وتحقيق التقدم والرخاء لبلديهما الشقيقين. وبعد التقديم يطالعنا مختصر سيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ثم قصيدة شعرية لمعالي الدكتور مانع سعيد العتيبة بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشيخ زايد، ثم كلمة لعميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري مستشار جلالة الملك، حملت عنوان: باقة ريحان مهداة من مولع محب ولهان إلى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عبّر فيها عن عميق المحبة والاحترام وجزيل الشكر والامتنان لهذه الشخصية القيادية الفذة. وتلت هذه الكلمة قصيدة شعرية في رثاء الشيخ زايد للشاعر الإماراتي منصور بن مزيد البطاينة، وأخرى للشاعر المغربي أنس أمين. مُجمَل فصول الكتاب بعد هذه العتبات الممهّدة لموضوع الكتاب، تأتي الدراسات الأكاديمية وعددها ستة عشر بحثاً علمياً، تناولت جوانب متنوعة من عطاء الشيخ زايد ومنجزاته ومبادراته، وأيضا صدى مآثره وأعماله، والملاحظ أن أغلب هذه الدراسات من تأليف الدكتور عبد الله بنصر العلوي، فقد كتب أربعة بحوث: الأول بعنوان: المنظومة الحضارية في فكر الشيخ زايد، حاول فيه استجلاء مقومات هذه المنظومة من خلال أمرين: أولهما؛ قدرات الشيخ زايد الفكرية الرامية إلى تأسيس منظومة حضارية واعية بالذات العربية ومتطلباتها المستقبلية، والثاني؛ حرص الشيخ زايد على إنجاز التوازن بين القول والفعل مما يحقق تنمية مستدامة توحد بين الفكر والإنجاز اللذين يتكاملان في رؤيته الحضارية، إلى جانب مقومات هذه المنظومة والمتمثلة في التشبث بالأصالة والمعاصرة والمستقبل. والبحث الثاني بعنوان: الفروسية الشعرية في إبداع الشيخ زايد، رصد فيه مكونات هذه الفروسية والمتمثلة في مكوّنين اثنين: أولهما؛ مكوّن الصحراء باعتباره يحمل قيم الوجدان التي تجسّد سلوكاً اجتماعياً ونفسياً، والثاني؛ مكوّن الإبداع باعتباره خطاباً فنّياً يجعل من الشعر المعبّر عن الفضائل والقيم التي تحدّد سلوك الفرد والجماعة، كما تتبع حضور الشعر في ثقافة الشيخ زايد وإبداعه، وخاصة في الشعر المسمى بالنبطي أو الشعر البدوي، مع دراسة ما يرتبط به من ظواهر كالإنشاد الشعري في المجالس العامة والخاصة، وحضور المتلقي ومشاركته النقدية، ثم أخيرا الوقوف على أهم بنيات هذه الفروسية؛ والمتمثلة في: التشبث بالماضي والاهتمام بالتراث وجهوده في إثراء الشعر النبطي وتقديره للشعر العربي وأمجاده، ورؤيته الشعرية ومقاصده، واختتم البحث باستجلاء المقومات الفنية للفروسية الشعرية عند الشيخ زايد باستحضار بعض المقاطع الشعرية. أما البحث الثالث، فتمحور حول: زايد والمرأة الإماراتية، ذكر فيه أنَّ توجهات الشيخ زايد لإرساء قواعد الحكم وتحقيق سبل التنمية ودعائم النهضة، مما مكّن المرأة من نصيب وافر في التعليم والتوعية والمساواة، ولتكون عضوا فاعلا في أسرتها ومجتمعها ومحيطها الدولي، حتى تصدّرت المرتبة الأولى عالمياً في مؤشّر احترام المرأة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2014، وهذه أحد ثمار اللبنات التي أسسها الشيخ زايد، كما تناول البحث الحديث عن بعض النساء الفاعلات في مسيرة الإمارات الاجتماعية، وخاصة الشيخة فاطمة بنت المبارك الكتبي الملقبة بأم الإمارات. في حين ركّز البحث الرابع للدكتور عبد الله بنصر العلوي على موضوع: الشيخ زايد في آثار الدارسين، رصد فيه ما أنجزه الباحثون من دراسات حول هذه الشخصية، حيث ركّزت أغلب المؤلفات التي تناولت شخصية الشيخ زايد على علاقاته الإنسانية، وأفكاره في تشجيع الثقافة ونشر المعرفة وتحقيق إقلاع اقتصادي وازدهار تنموي، حيث ينتقل مفهوم الثقافة عنده من مجرد معلومات ومعارف فحسب، إلى سلوك عملي في مجالات التربية والتعليم لاكتساب مهارات التنمية. ولأن المؤلفات التي كُتِبَتْ عن الشيخ زايد تُعد بالمئات، ويصعب حصرها، فضلا عن الحصول عليها مجتمعة، فإنّ الدكتور عبد الله بنصر العلوي اختار منها خمسة كتب من أجل تسليط الضوء على أهم ما جاء فيها، ويتعلّق الأمر بكتاب: زايد عن قرب لمؤلفه وجيه أبو ذكرى، وكتاب: أصول الريادة الحضارية دراسة في فكر الشيخ زايد لمؤلفه نبيل راغب، وكتاب موسوعة الشيخ زايد لمؤلفها حمدي تمام، وكتاب: الشعرية الإماراتية فروسية المكونات الدلالية والفنية في الفصيح والنبطي لعبد الله بنصر العلوي، ثم كتاب: البترول واقتصاديات دولة الإمارات العربية المتحدة للدكتور مانع سعيد العتيبة. ويخلص الدكتور عبد الله بنصر العلوي من خلال كتابه: الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، إلى جملة من السمات التي طبعت عبقرية الشيخ زايد، والتي تتمظهر في مجالات ثلاثة: الأول؛ الشيخ زايد خريج جامعة الحياة وقد اعتمد على التجربة والتواصل، والثاني؛ الشيخ زايد خريج جامعة البيئة وفيها نمى وعيه بجماليات المكان وأنماطه الثقافية، والثالث؛ الشيخ زايد خريج جامعة الطموح حيث اهتم بالإنسان والوحدة والتنمية، وهي جوانب مهمة تكشف عن شخصية قيادية، تمثل قدوة لغيرها ومدرسة في الكفاح وخدمة الأوطان والإنسان حيثما وجد وأينما كان. وإلى جانب هذه البحوث الذي ألّفها الدكتور عبد الله بنصر العلوي، يضم الكتاب أيضا باقة من الدراسات الأكاديمية، لباحثين من المغرب والإمارات، حيث كتب الدكتور عبد الوهاب الفيلالي الرئيس الحالي للمركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية، دراستين؛ الأولى في موضوع التنمية الثقافية في الإمارات العربية المتحدة على عهد الشيخ زايد: مبادئ ومحفزات وإنجازات، والثانية في موضوع أزمة الواقع العربي سبل التجاوز وضروراته عند الشيخ زايد. كما نجد للدكتور محمد الدناي ثلاثة بحوث، الأول بعنوان: الشيخ زايد وجمالية المكان، والثاني حول زايد والبادية، والثالث محتوى ندوة الشيخ زايد في محيطه العربي والإسلامي والدولي. أما الدكتور عبد المالك الشامي فقد اختار موضوع حسن تدبير الشأن الثقافي في فكر المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في حين ركّز الدكتور أحمد العراقي على علاقة الشيخ زايد بثقافة الصيد، البيزرة نموذجا، من خلال قراءة في كتابه: رياضة الصيد بالصقور من تراثنا العربي، وتناولت الدكتورة جوهرة الفيلالي بابا موضوع المرأة في المشهد الثقافي على عهد الشيخ زايد، أما الدكتور خالد التوزاني فتتبع حضور شخصية الشيخ زايد في عيون بعض المفكرين المغاربة. أما المشاركين في الكتاب من غير المغاربة، نستحضر الدكتورة وفاء أحمد راشد العنتلي، كتبت بحثا بعنوان: زايد.. الوطن والقائد والاتحاد في الشعر الإماراتي المعاصر، وأيضا الدكتور غسان الحسن بحثَ توظيف الشعر النبطي في بناء الدولة الحديثة في الإمارات الشيخ زايد والشعر والشعراء، وكتبَ الأستاذ خليل عيلبوني عن زايد.. ذكريات لا تمحى أبدًا. اختتم كتاب الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، بثمانية ملاحق، تمثل أرشيفاً وثائقياً لحصيلة عمل هذه المجموعة لأكثر من عقدين من الزمن، تضمنت كلمات شاهدة؛ قدّمها عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس الدكتور محمد الشاد، وكلمة لرئيس شعبة اللغة العربية الدكتور عبد الرحيم الرحموني، ثم كلمة لرئيس المجموعة الدكتور عبد الله بنصر العلوي، وأخيرا كلمة لرئيس جمعية المؤرخين المغاربة الدكتور عبد الكريم كريم، إلى جانب التعريف بالمجموعة، وقائمة إصداراتها في صحبة الأدبية الإماراتية، وصور لمشاركات أعضاء المجموعة في ندوات علمية، وتغطيات إعلامية وصحفية تتمثل في قصاصات الجرائد والمجلات التي تابعت نشاط المجموعة، وصور لمعارض الكتب والمنشورات، وشهادات تقديرية ورسائل شكر، وصور للذكرى مع شخصيات علمية وأكاديمية من الإمارات والمغرب، ثم أخيراً سيرة علمية مختصرة للرئيس المؤسس لمجموعة البحث الدكتور عبد الله بنصر العلوي. تلكم كانت أهم محتويات كتاب الشيخ زايد في المنجز الثقافي لمجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية، وصدور هذا العمل احتفاء بعام زايد له دلالات عميقة تؤكد معاني الوفاء والمحبة والتقدير التي يكنّها المغاربة لحكيم العرب الشيخ زايد، واعترافاً بما أسداه هذا القائد للإنسانية، وما قدّمه من عطاءٍ ونُبلٍ قلَّ نظيره، كما يشكّل محطة علمية لتقييم حصيلة عمل هذه المجموعة الأكاديمية بعد مرور عقدين من الزمن على تأسيسها، وذلك في سياق انفتاح الجامعة المغربية على مختلف الأدبيات العربية، وحرص الباحثين المغاربة على مدّ جسور التواصل الثقافي وترسيخ الحوار العلمي والتبادل المعرفي الهادف والمتوازن.