أغلب المتابعين العاديين للانتخابات الأمريكية يعرفون ما يحيط بالعملية ومرشّحيها بشكل عام. لكن ما لا يعرفونه أنها تشهد الكثير من التفاصيل والمراحل التي تغيب عنهم. تواريخ انطلاق مبدئية، ومراحل تصويت مختلفة الطرق والوسائل، ومصوّتون من مختلف الشرائح والهيئات، وعدد كبير من الإجراءات التي تدير الرؤوس. في هذا المقال يقوم الكاتب أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، باستعراض كل ما سبق مرحلةً مرحلةً، من أجل فهمٍ واضح ل"الطريق نحو البيت الأبيض" وكلّ منعرجاته. وهذا نص المقال: كما يحدث كل أربع سنوات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يفترض أن يتوجه الناخبون الأمريكيون، وعددهم، حسب إحصائيات آخر انتخابات رئاسية، 245 مليون ناخب، إلى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء الأول من شهر نونبر القادم، وفقا للعادة المستمرة منذ 1845، إما من أجل تثبيت الرئيس الحالي الجمهوري دونالد ترامب في منصبه لولاية جديدة، ستكون، حسب الدستور الأمريكي، هي الأخيرة له، أو انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن كرئيس جديد، سيكون هو التاسع والخمسين في تاريخ بلد العم سام. وقبل هذا اليوم، الذي يصادف هذه السنة 3 نونبر الجاري، كان التصويت في هذه الانتخابات قد بدأ منذ شهر شتنبر الماضي في عدد من الولايات، التي تعتمد ما يعرف بالتصويت المبكر، إما بكيفية شخصية أو عبر البريد، رغم الاعتراضات التي يواجه بها هذا النوع من التصويت، خاصة من طرف المرشح الجمهوري دونالد ترامب، حيث تفيد المعطيات الأولى أن التصويت البريدي عرف إقبالا كبيرا من قبل الأمريكيين، بل هناك توقعات بأن يحقق هذا التصويت أرقاما قياسية لا عهد للولايات المتحدةالأمريكية بها منذ الانتخابات الرئاسية لسنة 1908. وعلى خلاف ما يعتقد الكثيرون، فإن التصويت الشعبي يوم الثلاثاء الكبير لا يؤدي إلى الانتخاب المباشر للرئيس، بل إن دور الناخبين في ذلك اليوم يقتصر على انتخاب المندوبين إلى "المجمع الانتخابي"، الذين يتولون بدورهم انتخاب الرئيس، لكنه يبدو حاسما في تحديد هوية الرئيس الذي سيحكم الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الأربع سنوات القادمة. فمن خلاله يعرف عدد المندوبين الذين حصل عليهم كل مرشح، وبالتالي يبقى إجراء تصويت هؤلاء المندوبين أو الناخبين الكبار في المجمع الانتخابي يوم الاثنين الثاني من شهر يناير الموالي لشهر نونبر الذي جرى فيه التصويت الشعبي مجرد مرحلة شكلية ليس إلا. فلا يتصور أن يتولى أي مندوب تم انتدابه على صعيد كل ولاية باسم مرشح الحزب الذي حاز على أغلبية المندوبين التصويت لفائدة المرشح الذي لم يحصل على الأغلبية، لأن ذلك سيعتبر خيانة للأمانة السياسية، وتجاوزا لدستور بعض الولايات الذي يلزم المندوبين المنتخبين على صعيدها بذلك أو للأعراف السائدة في ولايات أخرى التي تفرض عليهم هي كذلك نفس الشيء، كما قد يعد خذلانا للثقة التي وضعها فيه ناخبو الولاية الذين حملوه رسالة إلى المجمع الانتخابي مفادها التصويت على مرشح حزب محدد. على هذا الأساس، يجوز القول إن انتخابات الرئيس الأمريكي هي انتخابات مباشرة حتى وإن جرت على درجتين، حيث إذا كان واضعو الدستور قد سعوا إلى كبح جماح الإرادة الشعبية عن طريق "خلق نظام يعطي الجماهير الحق في التعبير عن نفسها ومصالحها، وفي نفس الوقت وضع ذلك التعبير دوما تحت السيطرة من جانب نخبة أكثر حكمة قادرة على اتخاذ قرارات أفضل"، فإن الممارسة قلصت بشكل كبير دور هذا النظام، وجعلت الشعب هو صاحب الاختيار. هذا الأمر يزكيه أن الناخبين الأمريكيين وكذا الأحزاب السياسية المتنافسة ووسائل الإعلام اعتادوا التعامل مع نتائج الانتخابات الرئاسية، التي يتم الإعلان عنها في اقتراع شهر نونبر، باعتبارها النتائج الرسمية والنهائية بدون حاجة إلى انتظار تزكيتها من طرف الناخبين الكبار في شهر يناير، وإن كان تصويت هذه الهيئة يبقى مطلوبا حتى لو أنه يبدو بمثابة تحصيل حاصل، إذ لا بد منه قبل المرور إلى محطة أو حفل تنصيب الرئيس الذي يجرى بمقر الكابيتول، أي مقر الكونغرس، بالعاصمة واشنطن في العشرين من شهر يناير الموالي. تصويت المندوبين في المجمع الانتخابي، وإن كان تأكيدا لمن سيصبح رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، فإن مباشرة الرئيس الجديد لمهامه لا تتم إلا انطلاقا من العشرين من شهر يناير الموالي، أي بعد أن يكون الكونغرس قد اجتمع بمجلسيه لإحصاء أصوات الناخبين الكبار وإعلان النتائج الرسمية لانتخاب الرئيس، حيث يدخل رسميا البيت الأبيض، ويعقد لقاء قصيرا مع الرئيس المغادر، يطلعه على الملفات الحساسة، قبل أن يغادر ويصبح مواطنا عاديا، لكن بامتيازات معينة، وبرصيد من المعلومات والخبرة والرمزية التي تسمح له بأن يصبح محاضرا لامعا في كبريات المنتديات داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وخارجها. لا تعد هذه الطريقة الوحيدة لانتخاب الرئيس، بل يمكن أن يتم ذلك أيضا من خلال الكونغرس، وتحديدا مجلس النواب، الذي تعود إليه الكلمة الأخيرة في اختيار من يتولى حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية لمدة أربع سنوات في الحالة التي يتعادل فيها المرشحان لهذا المنصب في عدد الأصوات، ويعجز فيها المجمع الانتخابي عن اختيار أي المرشحين فائزا بالأغلبية، حيث يحيل الأمر على الكونغرس للبت في الموضوع. فعدم تمكن أي من المرشحين للرئاسة من الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين الكبار، في الحالة التي يكون فيها التنافس بين أكثر من مرشحين اثنين، يعطي الحق دستوريا لمجلس النواب في القيام بمهمة انتخاب الرئيس من بين المرشحين الثلاثة الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات، حيث يصوت أعضاؤه في هذه الحالة بنسبة صوت واحد لكل نائب عن الولاية، على أن يكون الفائز بالرئاسة هو الحاصل على الأغلبية المطلقة من أصوات النواب. هذه الحالة وإن كان من الصعب حصولها واقعيا في ظل الهيمنة التي يمارسها الحزبان الرئيسيان على الحياة السياسية والانتخابية في هذا البلد، وقدرتهما في كل مرة على فرض أحد مرشحيهما كرئيس للبلد، فإنها يجب أن تظل مستحضرة، على الأٌقل من الناحية النظرية، سيما أنها حصلت من قبل مرتين: الأولى سنة 1800 مع الرئيس الديمقراطي طوماس جيفرسون، والثانية سنة 1824 مع الرئيس الجمهوري جون كوينسي آدمز (ابن جون آدمز ثاني رئيس للولايات المتحدةالأمريكية). وقبل الوصول إلى محطة التصويت على الرئيس يكون المرشح عن كل حزب من الحزبين المتنافسين عادة في سباق الرئاسة، أي حزب الحمار (الحزب الديمقراطي) وحزب الفيل (الحزب الجمهوري)، قد خاض ما يعرف بسباق الانتخابات التمهيدية، التي تجرى على صعيد كل حزب لما يكون الرئيس قد أمضى ولايتين كاملتين في الرئاسة ولم يعد بإمكانه دستوريا الاستمرار فيها، وعلى صعيد حزب واحد فقط لما يكون الرئيس لم يستوف إلا ولاية واحدة، حيث يكون الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس المنتهية ولايته الأولى مضطرا إلى إعادة تزكية ترشيحه لولاية أخرى، كقاعدة عامة عادة ما ظلت محترمة في تقاليد الأحزاب الأمريكية. تكمن فائدة وقيمة هذه الانتخابات الحزبية التمهيدية في كونها تسمح بمعرفة أكثر مرشحي الحزبين حظوظا، لأن الناخبين أعضاء الندوة الوطنية لا ينتخبون إلا على أساس دعمهم أحد مرشحي حزبهم، وأيضا في كونها تتيح الفرصة لمرشحين لا يتمتعون بسند الحزبين لكي يشقوا لأنفسهم الطريق نحو الرئاسة عبر "تكتيل" قسط مهم من الرأي العام حول شخصهم وبرامجهم، بل قد يؤدي ذلك إلى جعلهم يفرضون أنفسهم على أحد الحزبين، كما حصل سنة 1976 حينما اضطر الحزب الديمقراطي إلى تبني جيمي كارتر كمرشح له منذ أن ظهرت حظوظه الأولى في الانتخابات التمهيدية لولايتي نيوهامشر وفلوريدا، كما تكمن في أنها تمكن من تحديد أعضاء الهيئة الناخبة في الندوة الوطنية لكل حزب، والتي على ضوئها يتحدد المرشح الذي يتجند الجهاز الحزبي برمته لمناصرته في الانتخابات الرئاسية، التي تشكل المرحلة الثانية في المسار المؤدي إلى انتخاب ساكن البيت الأبيض. ويجرى الانتخاب على مستوى كل ولاية من الولايات الخمسين التي يتكون منها هذا البلد، حيث تنتخب كل واحدة عددا من هيئة الناخبين الرئيسيين يعادل عدد ممثليها في مجلسي النواب والشيوخ، ليصبح العدد المطلوب انتخابه في الهيئة المذكورة هو 538 عضوا، أي ما يعادل عدد أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضوا، وعدد أعضاء مجلس الشيوخ المحددين في 100 عضو، فضلا عن ثلاثة ممثلين لمقاطعة كولومبيا، التي يقع فيها الحكم المركزي وتوجد فيها العاصمة واشنطن، وهي الوحيدة التي تحظى بهذه التمثيلية على مستوى المجمع الانتخابي من بين المقاطعات الست التي توجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد كانت هناك محاولات لتحويلها إلى الولاية الواحدة والخمسين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، آخرها يعود إلى شهر يونيو الماضي حين صوت مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية على قانون يقر بذلك، قبل أن يقوم مجلس الشيوخ بإسقاطه، على خلفية أن نقل مقاطعة كولومبيا أو العاصمة واشنطن إلى مستوى ولاية من شأنه أن يضيف مقعدين جديدين للديمقراطيين في مجلس الشيوخ، بالنظر إلى كون هذه المقاطعة، التي يبلغ عدد ناخبيها حوالي 750، اعتادت أن تصوت لفائدة الديمقراطيين، وبالتالي يؤدي ذلك إلى اختلال التوازن داخل المجلس المذكور الذي يسيطر عليه الجمهوريون في الوقت الحاضر. ويتخذ الانتخاب على المندوبين نفس الشكل في جميع الولايات، حيث يتم الاقتراع عن طريق اللوائح وبالأغلبية البسيطة، أي على أساس قاعدة أن الفائز يحصل على كل شيء (winner –take –all)، حيث يفوز المرشح الحاصل على أعلى الأصوات الشعبية في الولاية التي تعتبر دائرة انتخابية بجميع ممثليها في هيئة الناخبين الرئيسيين الذين سيصوتون في المجمع الانتخابي. وهذا الأمر قد يؤدي إلى أن يفوز بالرئاسة المرشح الذي لم يحصل على أغلبية الأصوات في الولايات المختلفة، وقد تحقق ذلك ثلاث مرات في التاريخ الأمريكي خلال سنوات 1876 و1888 و2000، التي صوت فيها المجمع الانتخابي على التوالي لصالح كل من رادفورد هيز وبنجامين هاريسون وجورج بوش الابن دون أن يكونوا قد فازوا بالأصوات الشعبية، ثم تكرر مرة رابعة وأخيرة حتى الآن خلال آخر انتخابات رئاسية، حين فاز دونالد ترامب رغم أنه تخلف عن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بأصوات كبيرة، لأن واضعي الدستور يعتبرون أن المعيار هو "أصوات المنتخبين"، أي أصوات المجمع الانتخابي، وليس الأصوات الشعبية، وعلى هذا المستوى كان دونالد ترامب قد حصل على 304 أصوات، بينما لم تتعد أصوات منافسته 227 صوتا. كما أنه بسبب هذه القاعدة يتم إهدار ملايين الأصوات التي قد لا تترجم إلى أي شيء. ولا تستثنى من هذه القاعدة سوى ولايتان، هما نبراسكا وماين، اللتان تطبقان نظاما نسبيا، يسمح بأن يحصل كل مرشح على عدد من الأصوات في المجمع الانتخابي يتناسب مع عدد أصوات الناخبين التي حصل عليها، وإن كان عدد المندوبين الذين ينتخبون في كل منهما محدودا، حيث تتوفر الأولى على خمسة مندوبين والثانية على أربعة مندوبين فقط. وكثيرا ما تميل ولايات محددة إلى التصويت للجمهوريين، وهي الولايات الحمراء كما تسمى، فيما تميل ولايات أخرى إلى التصويت لفائدة الديمقراطيين، وهي الولايات الزرقاء كما يطلق عليها، ومن ثم يتوفر كل مرشح أو على الأصح كل حزب على قاعدة ثابتة من ناخبي بعض الولايات. فقد ظلت، مثلا، ولايات كاليفورنيا وكونيتيكت ومقاطعة كولومبيا وديلور وهاواي وإيلينوي ومريلاند وماساتشوستس ومينيسوتا ونيوجرسي ونيومكسيكو ونيويورك وأوريغون ورود أيلاند وفيرمونت وواشنطن تدين بالولاء الانتخابي للديمقراطيين على الأقل خلال العقود الثلاثة الماضية، بينما استمرت ولايات أخرى وفية للجمهوريين، مثل ألاباما وألاسكا وأركنساس وأريزونا وجورجيا وأيداهو وإنديانا وكنساس وكنتاكي ولويزيانا وميسيسبي وميسوري ومونتانا ونبراسكا وداكوتا الشمالية وأوكلاهوما وكارولينا الجنوبية وداكوتا الجنوبية وتنيسي وتكساس ويوتاه وفيرجينيا الغربية ووايومنغ، دون أن يمنع ذلك هذا الحزب أو ذاك في بعض المحطات الانتخابية من تحقيق بعض الاختراقات في معسكر نفوذ الحزب الآخر، كما أصبح يحدث، مثلا، في ولاية أريزونا، التي صوتت لمرشحي الحزب الجمهوري في جميع الانتخابات منذ 1972 باستثناء انتخابات 1996، لكن ترامب يجد اليوم صعوبة كبيرة في تأمين الفوز فيها، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنها دخلت دائرة الولايات البنفسجية، إن لم تكن أصبحت ولاية زرقاء. لكن الفوز بالانتخابات يمر عادة عبر الولايات المترددة أو البنفسجية كما تعرف، التي لا تكون قد حسمت تصويتها بعد، وهي التي يتم التركيز عليها بقوة. ويتعلق الأمر حسب آخر انتخابات رئاسية، أي انتخابات 2016، بإحدى عشرة ولاية تتوفر على عدد مهم من المندوبين (146 مندوبا أو صوتا)، هي كولورادو وآيوا وميشيغان ونيفادا ونيوهامشر وكارولينا الشمالية وأوهايو وبنسلفانيا وفيرجينيا ووسكنسن، فضلا عن مينيسوتا التي انضافت إلى هذا الصنف من الولايات، مع أن ناخبيها لم يدلوا بأصواتهم لفائدة الجمهوريين منذ 1972. وتبقى فلوريدا أشهر هذه الولايات المترددة، إذ كانت أصواتها حاسمة في أكثر من استحقاق انتخابي، فقد فاز بها جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب، لذلك هناك مقولة مشهورة تقول إن "من يفوز في فلوريدا يفوز بالانتخابات"، لكونها عادة لا تدين بالولاء المطلق لحزب محدد، حيث تحسب على الولايات المترددة أو المتأرجحة، التي ليست لها هوية سياسية ثابتة، سيما أنها تتوفر على عدد مهم من الناخبين الكبار الواجب انتخابهم على مستواها (29 مندوبا)، وهي تعد من الولايات الأكثر حجما من الناحية السكانية، وبالتالي الأكثر توفرا على ناخبين كبار، إلى جانب كاليفورنيا (55 مندوبا)، وتكساس (38 مندوبا)، ونيويورك (29 مندوبا)، وإيلينوي (20 مندوبا)، وبنسلفانيا (20 مندوبا). وبحكم حملة الاستقطاب الكبيرة التي تحيط بالانتخابات الأمريكية، والصراع الخاص الدائر بين الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب، الذين يسعون إلى انتزاع ولاية رئاسية جديدة، والديمقراطيين بزعامة نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذين يهدفون إلى حرمان الرئيس الحالي من تحقيق هذا الهدف بالانتخابات بعدما لم يتحقق مسعاهم من قبل من خلال العزل الدستوري، في عملية تذكر بما نجح فيه الديمقراطي بيل كلينتون حين أخرج جورج بوش الابن من البيت الأبيض بعد ولاية رئاسية واحدة، كما تذكر بإنجاز ديمقراطي آخر هو جيمي كارتر، الذي فعل نفس الشيء مع الجمهوري جيرار فورد، هناك تخوف من أن تلجأ بعض الولايات إلى تجاوز إرادة الناخبين وتعيين ناخبين عنها في المجمع الانتخابي. وهو إجراء لم يسبق أن طبق منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث ظلت جميع الولايات تربط تعيين مندوبيها بنتائج الاقتراع الشعبي. لكن لا شيء يمنع من الناحية الدستورية من إمكانية تجاهل المجالس التشريعية في بعض الولايات لهذه النتائج، والإقدام على تعيين ممثليها في المجمع الانتخابي بالطرق الأخرى التي تراها مناسبة، سيما أن الدستور الأمريكي في مادته الثانية يسمح بهذه الإمكانية عندما ينص على أنه يدلي الناخبون الكبار بأصواتهم في المجمع الانتخابي، وتقرر المجالس التشريعية في الولايات كيفية تعيين هؤلاء الناخبين. أضف إلى ذلك أن قضاة المحكمة العليا الأمريكية يقرون بأنه ليس للناخبين حق أصيل في إبداء رأيهم بشأن كيفية أصواتهم في المجمع الانتخابي. ولئن كان العامل الاقتصادي عادة ما يكون محددا في الانتخابات الأمريكية، وفي حسم من سيظفر بكرسي الرئاسة، فلا يبدو أن هذا المعطى سيتغير خلال هذا الاستحقاق، بل إن بعض التحليلات تذهب إلى حد القول إن أهمية هذ العامل ستزداد في انتخابات 3 نونبر الجاري. فالعديد من المؤشرات تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي يمر بمنعرج خطير، حيث كان من تداعيات جائحة "كوفيد- 19" جيش من العاطلين عن العمل، كليا أو جزئيا، سيما في ظل التدبير السيئ للجائحة من طرف الرئيس، الذي يحاول خصمه المرشح الديمقراطي التركيز على ذلك بقوة في حملته الانتخابية. لكن هذا لن يقلل من معطيات أخرى مثل الدور الذي يمكن أن تلعبه الأقليات في هذا الاستحقاق، من جهة أولى في ارتباط بما شهدته الولاياتالأمريكية خلال هذه السنة الانتخابية من أحداث دامية أعادت موضوع الأقليات، والسود بالتحديد، إلى واجهة الأحداث السياسية الأمريكية، وإن كانت بعض استطلاعات الرأي تفيد أن هذه الأقلية هي أميل اليوم إلى التصويت لفائدة دونالد ترامب لأسباب اقتصادية بحتة. ومن جهة ثانية في ارتباط بالمواقف والمبادرات العدائية المعلنة من طرف الرئيس ترامب تجاه المهاجرين، والتي كانت قد وجدت أكبر تعبير عنها في عزمه بناء جدار عازل مع المكسيك، بما خلفه ذلك من عداء لذوي الأصول الأمريكية اللاتينية، التي تشير استطلاعات الرأي إلى تفضيلها خلال هذا الاستحقاق التصويت لفائدة الديمقراطيين. وإن كان السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح خلال هذا الاستحقاق، الذي يبدو أنه سيعرف ارتفاع نسبة المشاركة الانتخابية، يتعلق بما إذا كان الرئيس المنتهية ولايته سيستطيع ليس فقط الاستفادة من أسلوب الخروج عن النص السياسي والأخلاقي الذي يميز عادة خطاباته، بل أن يعبئ من خلاله البيض الأمريكيين الذين يشعرون بالتهميش، ويقنعهم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وبالتالي تعزيز حظوظه في البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة. فهذه الفئة هي التي كانت حاسمة في انتخابات 2016 لأن الخطاب القومي المعادي للأجانب وللأقليات الذي تقمصه دونالد ترامب وجد صدى كبيرا لديها، وسمح له في آخر لحظة بأن يكذب استطلاعات رأي ظلت إلى حدود يوم الاثنين السابق للثلاثاء الكبير تتوقع فوزا مؤكدا للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. (*) أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط