في خطوة استفزازية جديدة، خصصت مجلة الجيش الجزائري، في عددها الشهري لشتنبر الجاري، ملفاً خاصاً عن قضية الصحراء المغربية أبرزت من خلاله موقف المؤسسة العسكرية من هذا النزاع المفتعل. وأفردت مجلة العسكر ست صفحات للموضوع، إضافة إلى سؤال حول الموضوع موجه إلى صبري بوقادوم، وزير الخارجية الجزائري؛ ما يعكس أولوية ملف الصحراء المغربية بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية الجزائرية. واعتبرت مجلة الجيش أن الأقاليم الصحراوية هي "آخر مستعمرة في إفريقيا" و"لا توجد روابط تاريخية وقانونية بين المغرب والصحراء"، وفق تعبيرها، إذ هاجمت أيضا المنتظم الدولي والأممالمتحدة متهمة إياه بتعطيل مسار التسوية وتأخيره. وجدد صبري بوقادوم، وزير الشؤون الخارجية الجزائري، موقف بلاده العدائي من الوحدة الوطنية للمملكة، قائلاً إن "موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية يتماشى ومبادئ سياستها الخارجية، حيث تدعم الجزائر حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقا للشرعية الدولية وطبقا لقرارات الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ذات الصلة"، على حد قوله. ودعا بوقدوم، في حوار له مع "مجلة الجيش"، إلى ضرورة تعيين مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بهدف "العودة إلى المفاوضات المباشرة بحسن نية ودون شروط مسبقة، بين طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو". وفي موقف متناقض من الممارسة على أرض الواقع، أكد وزير الخارجية أن موقف الجزائر بخصوص الصحراء يندرج "في إطار حرصها الراسخ على سياسة حسن الجوار والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة". أولوية للجيش نوفل البوعمري، الخبير في ملف الصحراء، يرى أن تخصيص ملف متكامل لقضية الصحراء المغربية ضمن مجلة الجيش، التي تعتبر الخط الذي يعكس توجه العسكر الجزائري والملفات ذات الأولوية له، يؤكد مرة أخرى أن الجيش الجزائري يعتبر نزاع الصحراء ملف حيوي له ولجنرالاته. وأضاف البوعمري أن مجلة العسكر أكدت، من خلال هذا العدد، أن ملف الصحراء "يحظى بأولوية كبرى داخل المؤسسة العسكرية التي لم تغير عقيدتها وما زالت تعتبر نزاع الصحراء ملف داخلي تتحكم في دواليبه وتريد توجيهه بالشكل الذي يخدم مصالحها السياسية والعسكرية داخل الجزائر وفي المنطقة". وأوضح المتحدث أن الحيز الكبير الذي أخذه الملف داخل المجلة (ست صفحات) يؤكد "ما ظل المغرب يعلن عنه؛ وهو أن الجزائر طرف أساسي في النزاع، خاصة مؤسستها التي تمتلك الدولة الجزائرية وتتحكم في دواليبها والتي ظلت لسنوات تنهب خيرات الشعب الجزائري وتنفق من الخزينة العامة أموال طائلة على نزاع سياسي كمحاولة ل"وضع حجرة في حذاء المغرب" كما قال بومدين". ويشرح الخبير في شؤون المنطقة أن توقيت نشر العسكر لهذا الملف وبالحمولة العدائية هو بمثابة رد أولا على الأممالمتحدة بالضبط الأمين العام الذي أصدر تقريره حول تقييم عمل الأممالمتحدة في نزاعات عديدة من بينها نزاع الصحراء، والذي خلص تقريره إلى دعم الخيار السياسي المتوافق بشأنه ممثلا في الحكم الذاتي، وحدد مسؤولية النظام الجزائري بوضوح عن هذا النزاع المفتعل حيث أقر التقرير بمسؤولية الدولة الجزائرية وبمحورية دورها في الملف. ثم الرسالة الثانية حسب البوعمري هي تلك الموجهة إلى الداخل وإلى الأصوات التي بدأت ترتفع من داخل الحكومة الجزائرية التي صرحت برغبتها في الاستجابة لليد الملكية الممدودة في إطار المبادرة التي اقترحها المغرب لطي الخلاف بين البلدين. وتابع المصدر ذاته أن هذا الملف هو "تذكير وتأكيد لهذه الأطراف المشار إليها بأن مواقف النظام الجزائري والفاعل الأساسي فيه - العسكر- لم تتغير بعد من النزاع وأنها ثابتة ولن تكون موضوع أي نقاش، وهو ما يجب على المغرب أن يلتفت إليه في أي انفتاح محتمل للعلاقة بين البلدين". تزوير الحقائق شدد الباحث في شؤون الصحراء على أن مضمون التقرير يحمل الكثير من المخالطات والحقائق التاريخية، وقال إن الملف هو "تزوير لتاريخ المنطقة ولتاريخ النزاع، إذ اكتفى بتقديم تاريخ مشوه للملف وتحريف لبعض قرارات مجلس الأمن وانتقائية في تعاطيه مع مختلف التطورات، سواء القضائية على المستوى الأوروبي أو على المستوى السياسي". وأبرز المتحدث كمثال على ذلك حديث الملف عن إلغاء المحكمة الأوروبية الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي؛ في حين أن محكمة الاستئناف الأوروبية كانت قد ألغت مختلف القرارات التي صدرت ابتدائيا، وكانت قد قدمت أحكاما سياسية سرعان ما تم التراجع عنها في المرحلة الاستئنافية، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي استنادا إلى تلك الاتفاقيات إلى توقيع وتجديد الاتفاقيات التجارية سواء ما يتعلق بالصيد البحري أو التبادل الفلاحي مع المغرب. وتابع نوفل البوعمري، في تصريحه، أن "التقرير قدم وقائع مغلوطة ومحرفة لقرارات مجلس الأمن، ولم يكتف فقط بتزوير التاريخ بل بتزوير هذه القرارات (التي يمكن الرجوع إليها بموقع الأممالمتحدة ومجلس الأمن)، التي أكدت أن قرارات مجلس الأمن اتجهت إلى دعم صريح للحل السياسي ولحل يتم التوصل إليه بروح ودينامية جديدة التي يترجمها الحكم الذاتي"، مشيرا إلى أن الملف لم يتطرق إلى المحادثات التي جرت في جنيف وتجاهلها عن قصد؛ "لأنها تؤكد على إقليمية النزاع المفتعل وعلى الدور الجزائري في الملف".