أعلنت وزارة الثقافة المغربية عبر بلاغ لها بداية شهر مارس من السنة الجارية، على عهد الوزير السابق حسن عبيابة، دعت من خلاله إلى ضرورة توقيف كل الأنشطة الثقافية والفنية والمهرجانات التي يفوق عدد الحضور فيها المئة شخص، وتلاه إعلان وزارة الداخلية لحالة الطوارئ الصحية، والتي قضت بتقييد الحركة في البلاد كوسيلة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، وشدد البلاغ على أن حالة الطوارئ الصحية لا تعني وقف عجلة الاقتصاد، ولكن اتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين من خلال اشتراط مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة وفق حالات محددة ذكرت بالتفصيل في البلاغ نفسه، على المستوى الثقافي والفني تم توقيف كل المهرجانات والعروض الفنية والملتقيات وغيرها من الأنشطة، التي تخلق حركية ثقافية في البلاد وتساهم في خلق فرص شغل للفنانين المغاربة ويزدهر بها الاقتصاد الوطني، امتثل الفنان المغربي شأنه شأن باقي المواطنين إلى تعليمات الدولة، التزم بالحجر الصحي وساهم في التوعية بخطورة وباء كورونا عبر مختلف الوسائط الإعلامية، وفي وقت غير بعيد عن إعلان حالة الطوارئ في البلاد عبرت مجموعة من الهيئات المهنية الفنية عن سخط كبير ورفض تام للطريقة التي كان الوزير حسن عبيابة يسير بها قطاع الثقافة والاتصال، وصفوها بالعشوائية والارتجالية في اتخاذ القرارات والمواقف تجاه بعض الهيئات المهنية دون غيرها، بالإضافة إلى التماطل في صرف مستحقات الفرق الفنية من دعم 2019. ونحن ملتزمين بالحجر الصحي، نتابع نشرات الأخبار من منازلنا وننتظر تقرير مديرية الأوبئة بوزارة الصحة للحالة الوبائية اليومية ببلادنا، تابع المغاربة قاطبة يوم 7 أبريل 2020 مباشرة من القصر الملكي بالدار البيضاء مراسم تعيين الملك محمد السادس لعثمان الفردوس وزيرا للثقافة والشباب والرياضة، خلفا للحسن عبيابة، فور توليه حقيبة وزارة الثقافة والشباب والرياضة باشر الوزير الجديد مهامه وكانت أول خطوة قام بها هي الأمر بصرف الدعم المالي المخصص لقطاع الصحافة والثقافة، وبعدها شهدت المديريات الجهوية والإقليمية للثقافة بمختلف ربوع المملكة حركية رقمية بإطلاق مجموعة من الأنشطة الثقافية -عن بعد- من خلال تنظيم ندوات فكرية وورشات تكوينية، كما قام الوزير بإعداد دليل لاستئناف الأنشطة كمرحلة تدبيرية للقطاع بعد رفع حالة الطوارئ وقد جاء في توطئة الدليل ما يلي: "وفي إطار التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية لمواجهة وباء كورونا "كوفيد - 19 وطبقا لمقتضيات منشور وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 2020/04 بتاريخ /22 ماي 2020 المتعلق بإجراءات وتدابير استئناف العمل بالمؤسسات العمومية، ومن أجل ضمان سلامة الموظفين والمستخدمين والمرتفقين بمختلف القطاعات والمؤسسات تحت الوصاية، التابعة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة على المستوى المركزي والجهوي والمحلي، وكذا التنظيمات العاملة بمجالات الثقافة والرياضة والاتصال، تم إعداد دليل يتضمن الإجراءات الوقائية من أجل تدبير مرحلة ما بعد حالة الطوارئ الصحية". هذا الدليل يضم أولا تدابير خاصة بالفضاءات الثقافية تهم الفاعلين العموميين والخواص في القطاع الثقافي والجمهور الواسع، ثانيا تدابير عامة تخص الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة، الدليل موجه بالأساس إلى الفنانين والفاعلين في الحقل الثقافي وإلى المدراء والموظفين، يضم تفاصيل عن الممارسات الفضلى الواجب إرساؤها في مختلف المؤسسات والأنشطة الثقافية، وعلى وجه الخصوص المعالم التاريخية والمواقع الأركيولوجية والمتاحف العمومية والخاصة ومراكز التعريف بالتراث والمكتبات والخزانات الوسائطية العمومية والخاصة، وفضاءات العرض المفتوحة والمغلقة والتي تهم المسرح، الموسيقى والرقص، المهرجانات، السيرك وفنون الشارع، وفضاءات العرض والأروقة الفنية العمومية والخاصة، ومعاهد الموسيقى والرقص، والمؤسسات الخاصة للتعليم الفني، وفي الأخير إدارة الحفلات التي اشترط الدليل فيها أن أي تنظيم للتظاهرات الثقافية رهين بالتقيد بالتعليمات والشروط الموضوعة من طرف السلطات العمومية في ما يخص التجمعات. وقد تم إعداد هذا الدليل بتشاور مع الشركاء المهنيين العموميين والخواص المؤسسة الوطنية للمتاحف، المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مسرح محمد الخامس، أرشيف المغرب، فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، الشركة المغربية للهندسة السياحية، المعهد المغربي للتقييس. بعد إصدار الدليل تم تداوله من طرف الفنانين على مواقع التواصل الاجتماعي وقد فرحوا ببشارات الأمل التي بدأت تلوح في أفق سماهم، مباشرة بعدها بأيام قامت وزارة الثقافة بإطلاق طلبات عروض مشاريع للقطاعات الفنية وفق دفتر تحملات يشبه الدفاتر التي سبقته، وفق برنامج أطلقته الوزارة جاء في إطار الجهود التي تبذلها الدولة المغربية لمواجهة تداعيات وباء كوفيد 19 لدعم القطاعات الفنية والثقافية لفائدة الفنانين والجمعيات والتعاونيات والشركات العاملة في ثلاث قطاعات فنية، المسرح، الموسيقى والأغنية وفنون العرض والفن الكوريغرافي، الفنون التشكيلية والبصرية، وتهدف هذه المبادرة إلى دعم وتعزيز المشهد الفني المغربي وتخفيف الأثر الاجتماعي والاقتصادي لحالة الطوارئ الصحية على الفنانين والفاعلين الثقافيين الذين تأثروا سلبا إثر توقف التظاهرات الثقافية في الفضاءات العامة وتأجيل الفعاليات الفنية. وإلى حدود كتابة هذه الأسطر لم تعلن بعد وزارة الثقافة عن نتائج هذا الدعم، ولا عن أسماء أعضاء اللجن التي ستبت في هذا الدعم، ونحن نعلم أن الأعمال الفنية المختلفة من موسيقى ومسرح وكوريغرافيا ومعارض تشكيلية تتطلب حضور الناس بكثافة وهذا شيء غير مسموح به حسب الحالة الوبائية لبلادنا، غير أن المقاهي والمطاعم والأسواق الكبرى والمسابح والفنادق وغيرها من الأنشطة التجارية الأخرى التي تضم عددا أكثر من العدد المحتمل أن يدخل لصالة المسرح والسينما أو معرض تشكيلي، الازدحام موجود عند أبواب الإدارات العمومية والمؤسسات البنكية والأسواق ومحطات القطار وغيرها، لم يحرك أحد ساكنا في ما يخص قضايا الفنان المغربي وما قد يؤول إليه وضعه النفسي قبل المادي، لم يأبه أحد من المسؤولين للوضع الثقافي ببلادنا متناسين دور الثقافة والفن في تغذية فكر المواطن والترويح عن نفسيته، فبلادنا أساسا تفتقر إلى سياسة ثقافية على الرغم من عشرات الندوات والمنتديات والمؤتمرات التي نظمت سلفا، فأين نحن من اقتصاديات الثقافة والصناعات الثقافية والمغرب الثقافي وغيرها من العناوين الفضفاضة التي شهدت ميلاد تظاهرات ولقاءات فاشلة كان الهدف وراءها هو إلقاء المحاضرات والخروج بتوصيات ونسيانها عند أبواب الفنادق والقاعات الفخمة التي أقيمت فيها تلك المناظرة أو ذاك المنتدى، هل ستكون أزمة كورونا درسا حقيقيا للفنان المغربي والهيئات المهنية لتحسن التصرف مستقبلا وتنهج لنفسها سياسة ثقافية حقيقية؟ أم أنهم سيمرون على الأمر مرور البخلاء؟ منتظرين نتائج اللجن ودريهمات دعم الوزارة عبر دفعاته البئيسة والطويلة المدى؟ أعلم كل العلم أن أسئلتي هذه تخالج صدر عشرات الفنانين عبر ربوع المملكة كما أعلم أن حل مشكل القطاع تلزمه سنوات من الوعي الأخلاقي والفني والنضالي وحوار حقيقي بين الفاعل الفني والسياسي، وكحل لما هو عليه القطاع الآن أقترح على وزارة الثقافة والشباب والرياضة-قطاع الثقافة- "بصفتها الهيأة الحكومية المكلفة بإعداد وتنفيذ السياسات الحكومية المتعلقة بالتراث والتنمية الثقافية والفنية، كما أنها تتولى مهمة النهوض بالثقافة الوطنية وضمان ازدهارها"، أن تقوم بإصدار أوامرها لإعادة فتح المسارح ودور الشباب وقاعات السينما ودور الشباب والمعارض، وأن تعطي الإشارة الخضراء للفنانين والمؤسسات والجمعيات والمقاولات الفنية لكي تنطلق في عملها وفق التدابير الوقائية المعمول بها في جل القطاعات، من تباعد اجتماعي ووضع الكمامات وتعقيم اليدين وغيرها، وهكذا ستقوم كل مؤسسة على حدة بتحديد عدد المقاعد المسموح به حسب الطاقة الاستيعابية لكل قاعة، وتفرض الكمامة على الجمهور وتضع المعقمات عند مداخل المسارح والقاعات ودور العرض وغيرها من الشروط الوقائية المعمول بها. فكيف يعقل أن تعطي الحكومة الأمر بانطلاق الدراسة ولا تعطي أمرها بانطلاق الثقافة، فلا تعليم من دون ثقافة، والمجتمع الذي لا يهتم بالثقافة يجب أن يبحث عن لقاح ضد الجهل قبل البحث عن لقاح ضد كوفيد 19. *باحث في الثقافة والإعلام