الوقت عند كورونا له أهمية كبرى. فلأول مرة سنشعر جميعا -نحن القابعين في منازلنا تحت سلطة الحجر الصحي- أن "الوقت" استقر في دارنا وحل ضيفا في منزلنا، وأصبحنا نعرفه، نراه، نلمسه بل نتحدث معه. أصبحنا نعرف ساعة الزمان كيف تمر ونعرف مدة الدقيقة والثانية. نعم، الوقت استقر في دارنا وجعلنا نعرف الزمن الحقيقي لليوم، ونعرف مكونات النهار من وشروق وبكور وغدوة وضحى وظهيرة وعصر وقصر والأصيل والعشي والغروب. ونعرف كذلك ساعات الليل من الشفق والعسق والعتمة والسحر والفجر والصبح ثم الصباح ليبدأ يوم آخر نعيشه بكل تفاصيله. فلم يعد اليوم نهارا وليلا فحسب كما كان ونحن نُسابق الزمان للقيام بأشغالنا وإنجاز همومنا والجري وراء مشاريعنا. ولم يعد النهار فطورا وغداء وعشاء، كما الليل لم يعد فترتين فقط، نغمض العينين لننام ونفتح الجفتين لنستيقظ وربما بينهما نستعمل مسكنات لننعم بقليل من النمو العميق. نعم لقد استقر الوقت في بيوتنا، وأصبحنا نعيش الأيام كما هي في طبيعتها، والنهار كما أرادته حركات الشمس، والليل كما رسمه مسار القمر. ونحن نعيش تحت سلطة الحجر الصحي، أدركنا أن المنتوجات الصناعية والأخرى الطبيعية لا تخص الفلاحة فحسب، وإنما تهم الوقت كذلك. لقد انتقلنا من وقت اصطناعي يمر دون إدراك إلى وقت طبيعي نستشعر جميع لحظاته، إنه وقت كورونا، وقت طبيعي بدون مبيدات ولا مواد حافظة. سلبتنا مشاغل الحياة روح التأمل ووقفة التفكر واستراحة التدبر. عمل يدفعنا إلى عمل، وشغل يفتح لنا مشاغل، ومهمة تجعلنا غارقين في مهام كثيرة. فأضحت الدنيا عجلة كبيرة تدور بلا توقف ونسعى -نحن القابعين الآن في الحجر الصحي- بكل ما أوتينا من قوة إلى الزيادة في سرعتها رغم علمنا أن سرعة دوران هذه العجلة قد تتسبب في القضاء علينا. نعرف ذلك جيدا، لكننا لا نُدركه لأننا لا نملك وقتا لا للتأمل ولا للتفكر ولا للتدبر ولا حتى لطرح السؤال: إلى أين نسير؟ الحجر الصحي ليس مكوثا في البيت فحسب، ولا ابتعادا عن المخالطة ولا هجرة للتجمعات، بل هو فرصة لنجعل التأمل وجبة من وجباتنا الغذائية، والتفكر شغل من مشاغلنا اليومية، والتدبر مهمة من مهامنا الأساسية. المرحلة التي نعيشها، يتسيد فيها فيروس كورونا. فهو الذي فرض الحجر الصحي، ومنع المخالطة وأمر بالابتعاد عن التجمعات، وهو الذي بيده قرار تمديد أو تخفيف أو إيقاف الحجر الصحي. لكن الحجر الصحي اليومي هو قرارنا، وتطبيقه بأيدينا لنجعل من التأمل والتدبر من مكونات يومياتنا وأجزاء من أثاث فترات أيامنا. نحن القابعون الآن في الحجر الصحي جعلنا أمسنا نَسْيً منسيا، وحاضرنا قاطرة فقط تقودنا نحو الغد. هذا الغد الذي شغل دائرة همنا كلها، هو عنوان المستقبل بما نطمح له من رفاه وجاه ومال. وكأننا لم نقرأ نظرات أدباءنا كما جاء على لسان لطفي المنفلوطي وهو يتحدث عن الغد "عرفت أني لبست أثوابي في الصباح، وأني لا زلت ألبسها حتى الآن، ولكني لا أعلم هل أخلعها بيدي أو تخلعها يد الغسال؟"