الحياة بالنسبة للإنسان أغلى ما في الوجود عنده، بل إنها أغلى ما يعيش منه كل كائن حي خلال فترة حياته. وفي النظام الاجتماعي من الحياة البشرية، كل إنسان بلغ سن الرشد والإقبال على الحياة الاجتماعية، يستوجب عليه التوفر على بيت يأويه ويستقر منه، لبناء الأسرة التي هي خلية المجتمع. والبيت من السكن كما يجري على اللسان المغربي، قبر الحياة من عالم متحرك، يأوي إليه الإنسان من غدوه ورواحه، بعد الكد المتعب من يومه. وفي الاصطلاح البيت، حجر صحي من الوباء المتفشي بالمجتمع. بيت السكن: هو عنوان الاستقرار ومأوى الإنسان وعمران المكان الذي يقطنه الفرد من وسط الأسرة، يحكمه بالوسط الحضري قانون السكن من تملك، أو تأجير قصد العيش في أجواء اجتماعية لائقة، نابضة بالحياة والتساكن مع الجوار، في بناء يحكمه قانون المعمار والنظام الاجتماعي بالبلد. وبيت السكن له حرمة شرعية وقانونية، خاصة عند الإنسان والمجتمع، يتربى منه الإنسان التربية الاجتماعية الأليفة، ويستقل به من حياته ومعيشه، عند القدرة على أعباء الحياة، والاعتماد على الذات، يتم اللجوء اليه من وقت الراحة والسكينة من الحياة اليومية، والاحتماء به من وقت عوارض الأمراض والأوبئة كالجائحة من كرونة. السكن والاحتماء من العدوى: قبل ظهور السكن القار، مرت الحياة البشرية من السكن المتنقل، زمن الحياة والانتشار من الطبيعة، على اليابسة إلى حدود المتجمدة، حيث كان الإنسان يصاب بالعدوى من أمراض موسمية متنقلة ناتجة عن الدورة المناخية من نقص الغذاء، وتقلبات الطقس التي تضر بالإنسان والحيوان والنبات، من أمطار جارفة، أو جفاف باليابسة، حيث كان المصاب بالأوبئة وقتها، يتخلى عنه من أهله في الخلاء، لعدم القدرة على معالجته، أو حمله، أو دفنه، من الوباء الجاثم عليه. وعهد بناء الحواضر والاستقرار من السكن، كان الساكنة يواجهون الأوبئة بالعزل من الحارات المبتعدة عن الوسط السكاني، للحد من انتشار الوباء المعد، كالجذام، والطاعون، والجدري، والكورونا، من أمراض الجائحة عهد المنظومة الصحية، التي ألزمت الساكنة بالمجتمعات، الاحتماء بالسكن خشية العدوى من المخالطة العامة. الأوبئة من فوارق زمنية: تنسب الأوبئة إلى الفكر البشري من اسم الجوائح التي تجتاح الحياة البشرية من غير معرفة مصدر ظهورهاỊ هل من الجسم ذاته، أم من المحيط الذي ينتشر منه، كما يصعب على الإنسان استحضار طرق علاجه، إذ كان يترك جائحته للطبيعة التي أتت به، إلى أن تفنيه، بعد أن يضرب إلى أن تنهار قواه، ويغيب إلى مثواه. وغالبا ما كانت تصيب تلك الأوبئة الجنود الأولين من تنقلاتهم الحربية الشاقة، وسط تقلبات الأجواء وتغير المناخات، وضربات الطقس، بل وعزلتهم عن الحياة المدنية، حيث يعانون من قساوة الظروف الطبيعة والتنقل المثقل بالمصابين، وبعدهم عن حياة الاستقرار ووسائل العناية اليومية بالصحة الفردية. ومن تم كانت تنشأ الحارات البعيدة عن الحياة المدنية للعزل ومحاصرة الوباء من ساحة معينة، تحت إشراف الطب الإسعافي من فرق الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، أو الشمس والأسد الحمراوين، الذين يشكلون فرق إغاثة وإسعاف يواجهون حالة الأوبئة، من عهود الديانات السماوية، بما يشتغلون عليه من إجراءات وقائية في مقدمتها الحجر الوقائي، وبدل الجهود العملية للبحث عن العلاج. وإنهاء حالة الوباء الذي كان يجتاح الإنسان من تقلبات مناخية، أو عدوى بشرية أو حيوانية. بيت العزل من رواية تاريخية: عهد الصراع بين المرابطين والموحدين من مدينة مراكش أدت المواجهات بينهما إلى ظهور وباء الجذام، ووقتها أقيمت حارة عزل من وسط المدينة نسبت إلى الوباء من عرب الساورة الذين حلوا بالجهة دفاعا عن المدينة، وتم إنزالهم ومقامهم بالحارة. ومن رواية المتصوفة بالمدينة، أن سيدي يوسف بن علي أقمي،- إقامتي بيتي داري -، وعند الإمام البصيري - تقم، تجم – ومن الدار قطني: تقطن، وقتها فرضت على سيدي يوسف الإقامة بالعزل حين الإصابة بالجذام، إلى أن تماثل للشفاء وصار صريح القول تشافين، والتي حملها اللسان التاريخي من اسم تاشفين. وهذا يعني أن أول العلاج من الوباء العزل، وهو ما بقي عليه الحال والحرص منه على المتابعة المناعية كسبيل للوقاية إلى عصر الفضاء من كورونا. الصحة العمومية: عهد تميز علم الكيمياء من العلوم واتساع دائرة العمل الصحي من فوائده في تحسين نوعية الغذاء، وممانعة الأمراض عند الإنسان، انعكس ذلك على الصحة البشرية والحيوانية والنباتية بالفائدة العامة، والمحافظة على منتجات التغذية وتطور منه إنتاج الأدوية والأبحاث المخبرية قصد التخلص من الأوبئة الفتاكة، مما أدى إلى ظهور وانتشار المستشفيات العمومية، ومختبرات الأبحاث الجرثومية والفيروسات المعدية، ونشر وسائل النظافة والوقائية للصحة. وفي الوقت الذي تطورت فيه العلوم والأبحاث الميدانية، لخدمة الحياة البشرية، تكتلت المجتمعات الدولية في وحدة انسانية، وانتهت من الساحة الدولية عدة أوبئة، لم يبق منها إلا الاسم والظرفية التاريخية التي كانت تظهر فيها من أماكن سجلها الإنسان بالاسم، ونطقها باللسان، وتابعها بالعلاج، والعمل على تطوير طرق محاربته إلى أن انقرض ظهوره من الساحة البشرية، كما هو محفوظ من سجل منظمة الصحة العالمية ويبقى وباء كورونا، من أحدث الأوبئة وأخطر ظهورا على الحياة من الساحة الدولية، والذي خلق أجواء فزاعة بالهلع والخوف، داخل المجتمعات، التي تعيش تحت الضغط مختبئة من الوباء، تذكر أجواؤها ساكنة الحاضر بشبح الماضي المتجدد من دورة الوباء. الحجر الصحي من السكن: الحجر الصحي بالبيت لا يعني لزوم الفراش كالمريض في انتظار الاستشفاء من الحالة، بل هو تدبير وقائي يحمي حياة الفرد والمجتمع في منأى ومعزل من الإصابة بالعدوى التي مصدرها الإنسان. وهكذا أقيم في بيتي حفاظا على سلامتي الشخصية، وسلامة المجتمع من انتشار الوباء، أمارس أشغالي كسائر الأيام، وإن توقفت حاجياتي على الخروج أصحب معي الترخيص الإداري من عون السلطة المحلية، إذا ما صادفت في الطريق حاجزا أمنيا للسهر على النظام وسلامة الساكنة إذا ما امتثلت إلى العمل بقانون الحجر الصحي. كل صباح أستيقظ مع أذان الصبح، أتوضأ من حالة النوم، وكذلك الشأن من ربة البيت، حيث نبدأ تحركنا داخل البيت بالصلاة اليومية، ثم نشتغل في طي أغطية النوم وإيداعها من مخابئها، وفتح النوافذ للتهوية الصباحية للبيت. بعدها تتوجه ربة البيت إلى المطبخ لإعداد وجبة الفطور، ثم إيقاظ الأبناء من أوقاتهم اليومية، للدراسة أو العمل. وقبل الحجر كنا نجتمع على مائدة الفطور ومن وقت الطعام، لكن التقيد بالحجر الصحي، جعلنا نتناول كل وجبته على انفراد في صحن خاص به، مع مراعاة التقليل من الطعام لقلة الحركة والتجوال خارج البيت. وبعد أن يلتحق كل واحد بعمله، وواجبات دراسته، يتفرغ المتحجرون داخل البيت إلى تكنيسه وتنظيف أرضيته وأفرشته، في غياب الخادمة التي تلتزم بالحجر من بيتها. وخلال التوجه إلى سوق الحي للتبضع، أصحب معي الرخصة الاستثنائية، قصد التسوق وقضاء الأغراض الملحة. وحين العودة الى البيت أجد سيدة البيت تترقب عودتي بالحاجيات التي يتوقف عليها المعيش اليومي، ثم تشرع في إعداد وجبة الغذاء أما أوقات الراحة فإننا نقضيها في القراءة الإلكترونية من مواقع التواصل الاجتماعية، ومتابعة القنوات التلفازية لمعرفة وتيرة انتشار الوباء من الساحة الدولية والجهود المبذولة وطنيا ودوليا لوقف اجتياحه للمجتمعات، فضلا عن الحديث الهاتفي مع أفراد الأسرة والأحباب من العائلات من مختلف الجهات، خاصة الذين يعيشون في الطبيعة لتقصي الأحوال البيئية، وصدى الحواضر من الجائحة الوبائية. فضلا عن ذلك نقضي جانبا من الوقت في الاستئناس بالقراءات السمعية والبصرية، والاطلاع من هنا وهناك على المتفرقات. ومن جهتها تحبذ سيدة بيتي متابعة المسلسلات الاجتماعية التي تعكس جوانب من الحياة، التي تهم الأسرة. أما صغار الأبناء فإنهم ينشغلون بحصة الأطفال من القنوات أو من الألعاب الإلكترونية بالهواتف الذكية، فضلا عن لعبهم المنزلية، وعن الذين لهم ولع بالرياضة، فإنهم يلتحقون بالغرفة التي تحوي تجهيزات رياضية لممارسة حركات تسخينية تحافظ على مرونة الجسم، وترفع الخمول عن الأعضاء التي ألفت الحركة وتجديد النفس، التزاما منها بالبيت، بعد أن تم إغلاق الفضاءات الرياضية والمنتزهات العمومية الخاصة بشبيبة الأحياء، تجاوبا مع النداء الاجتماعي الخاص بالحجر الصحي من البيوت، الى أن تنفرج الأجواء الوبائية من الساحة الاجتماعية. تنبيه عام: نوجه انتباه المصالح الصحية القائمة على محاربة الفيروس ومعالجة الحالات الوافدة عليها بالمستشفيات العمومية، أن تراجع ولا تقبل من المتبرعين بالأعضاء من حياتهم بعد وفاتهم، ذلك التبرع إذا ما ثبت إصابتهم ووفاتهم من الفيروس القاتل، وتقبلوا التنبيه كما يتقبل الجسم العلاج.