يتشبّث فاعلون حقوقيون وثقافيّون بضرورة استثمار فترة الطّوارئ الصحية المفروضة بالمغرب لمكافحة جائحة فيروس "كورونا" المستجدّ كفرصة لإطلاق سراح مجموعة من المعتقلين السياسيين لتخفيف اكتظاظ سجون البلاد وحمايتهم من خطر العدوى، وهو ما جدّدوا التأكيد عليه في "ندوة رقمية" بُثَّت، مساء الجمعة، على صفحات بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وذكّر المعطي منجب، أكاديمي رئيس جمعية "الحرية الآن"، بأن بعضا من المعتقلين السياسيين المغاربة ومعتقلي الرأي كانوا في إضراب عن الطعام، ونظرا لوعيهم بخطورة هذه الكارثة التي تصيب المغرب والعالم كلّه تقريبا، أوقفوا إضراباتهم تعبيرا عن حسن النية. وقال منجب في مداخلات بالندوة الرقمية حول "دعوات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بالمغرب" إنّ السبب الأساسي الذي دفع هيئات حقوقية وسياسية وثقافية لإطلاق النداء "أسباب صحية متعلقة بالصحة العامة لاكتظاظ وتكدّس السجون المغربية"، وزاد أنّ في إطلاق سراحهم "تخفيضا لاكتظاظ السجون، حتى لا يكونوا ضحايا للاكتظاظ والوباء الخطير"؛ لأن هذا إذا ما وقع "سيزيد من مسؤولية القوى التي ألقت بهم للسجن". ويرى المعطي منجب في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين خلال فترة مكافحة الوباء "فرصة سياسية" لفرض الحل الذي كان مطروحا قبل وباء كورونا، و"مناسبة وطنية"، رغم أنها حزينة وسلبية، لتمرير القرار ضد القوى المحافظة التي دفعتهم للسجن، علما أنّ المعتقلين "نفسيا وعصبيا وفيزيولوجيا ضعاف أمام المرض"؛ فبالتالي الدولة مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من باب ما ينصّ عليه القانون حول "مساعدة شخص في وضعية خطر". وشدّد الأكاديمي والفاعل الحقوقي أنّ الفئات والهيئات الموقّعة على العريضة المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيّين تُمَثِّلُ المجتمع المدني المغربي، وتعرف أنّ ما وقع للمعتقلين أمر خاطئ، وزاد: في أوضاع استثنائية مثل التي نعيشها، لا يجب أن تحتفظ الدولة بهؤلاء الرهائن السياسيين الذين قبض عليهم حتى لا يحتجوا، وإذا خرجوا الآن والحجر موجود فلن يستطيعوا الاحتجاج. ويرى منجب في الإفراج عن المعتقلين السياسيين في فترة العزل الطبي، "فرصة، قد لا تعود في القريب، لتخرج الدولة من هذه الشرنقة التي وضعت فيها نفسها"، متمنيا أن يكون للدولة "عقل وقلب لإطلاق سراح المعتقلين"؛ لأنهم "مظلومون ولا يمكن أن نزيد على ظلم الوباء ظلم الدولة، وهو ما لا يستطيع تحمله المجتمع المغربي". وفي شهادة مؤثّرة طالبت عالية بوغروم، والدة المعتقل في ملف حراك الريف نبيل أحمجيق، بإطلاق سراح ابنها وجميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرّأي، واسترسلت قائلة: أطلب من الدولة أن تنظر لجميع الأمهات، وتعطينا حقنا لنرى أولادنا فهم ليسوا -أشخاصا صالحين- للسجن، و"لا يستهلون هذا"، أي لا يستحقّون كلّ هذا، ونحن "محروقون" على أبنائنا لا ننام، وبعد صلاة الفجر أعود لأنام فلا أرى للنوم سبيلا، والله شاهد على ذلك. وبصوت كسير قالت عالية بوغروم "عشت ثمان أشهر في المحكمة، وسمعت المناكر والزور والمسرحيات وكنا حاضرين ونسمع التّهم التي اتّهم بها أبناؤنا"، وأضافت: "والظلم حرّمه الله على نفسه وحرّمه على عباده"، و"نحتاج تفكيرا بالعقل والحكمة، وملفّ أبنائنا أبيض مثل الحليب"، دون أن يخلو حديثها من أقوال دالّة، من قبيل: "حقوق الإنسان نسمعها في التلفزة فقط"، و"عند الله نحاسب". وطلبت أمّ المعتقل من الدولة والمسؤولين "إطلاق سراح المعتقلين المظلومين والمعتقلين السياسيين أينما كانوا"، وزادت: هذا الفيروس الذي عندنا في بلادنا والعالم، خطير كثيرا، ونخاف على أبنائنا، وكان نبيل مع ناصر مضربَين على الطعام، ومن أجل الفيروس أوقفا الإضراب، علما أنّ إدارة السجون قالت سنوفر لكم مطالبكم، فقط أوقفوا الإضراب، ولم يريدوا واستمروا في إضرابهم المفتوح. وناشدت أمّ المعتقل نبيل أحمجيق الدولة أن تطلق "سراح أبنائنا، الذين لا نريدهم أن يموتوا في الحبس"، مضيفة: "السجن صعب، و-نطلب- أن تطلقهم حتى نكونوا مرتاحين، ونعرف أن الدولة قامت معهم بشيء "مزيان" مثل دول أخرى كثيرة، و"نتمنى من الله أن تطق دولتنا أبناءنا الأبرياء والشرفاء "لي عزيزة" عليهم بلادهم -بلادهم عندهم عزيزة-، ويقومون بكلّ شيء في سبيلها". وذكّرت المتحدّثة بتبرّع ابنها بالمبلغ الذي ترسله له العائلة شهريا ليعيش به لصندوق مكافحة وباء كورونا، مضيفة: "هي مبادرة أعجبت الناس بأكملهم". "والله معنا ونتمنى أن يرفَع البلاء، والدولة تريد مصلحة شعبها وأبنائها، ولا يجب أن "يبقى فينا الحال"، أي لا يجب أن نأسى، إذا أدخلتنا المنازل، وأطلب وأعيد من الدولة أن تفكر جيدا، وبالحكمة، لتطق أبناءنا والمعتقلين السياسيين، ومعتقلي حراك الريف والصحافيين، وجميع المعتقلين المظلومين". وقالت الأمّ إنّ ابنها نبيل أحمجيق يعاني من حساسية الأنف تصل لحدّ النزيف في مرات، ومن آلام في الرأس، وطالب بفحوصات أطبّاء دون أي تفاعل، كما يرفض كلّ ما يطلبه هو ومعتقلون آخرون في السجن، مثل ناصر الزفزافي. وبعين دامعة قالت الأمّ عالية بوغروم: "نحن أناس على قدر حالنا، وظلمونا"، و"نقول للدولة والمسؤولين هذه هي الفرصة فلا تفلّتوها، وإلا ستندمون عليها، ولا نعرف السابق، ونريد أبناءنا قربنا"، الذين "لم يقولوا إلا كلام الحق"، وهم "مظلمون، ونحن مظلومون معهم"، قبل أن تعبّر بكلمات متقطّعة عن تخوّفها من أن "يكتب الله أن..." ترحل قبل أن ترى ابنها مجدّدا خارج السجن. من جهته قال محمد أغناج، محام عضو هيئة دفاع معتقلي حراك الريف، إنّ المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ليست وليدة الظرف الحالي بل هي مرتبطة أصلا بطبيعة التصوّر للاعتقال السياسي والاعتقال من أجل الرأي الذين يجب أن يطلق سراح المعتقلين بسببها فورا، ويجب اعتبار الإجراءات الحادة من حرية هؤلاء المعتقلين "مخالفة للإجراءات الدولية لحقوق الإنسان". ووضّح المتحدّث في مداخلاته ب"الندوة الرقمية" أنّ هذه النداءات حاليا ترتبط بنداء أطلقته المفوَّضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، قالت فيه إنّه يجب على السلطات التفكير في إمكانية الحدّ من انتشار هذا الوباء خاصة داخل المؤسسات السجنية، وتخفيف الاكتظاظ في السجون، وزاد مبيّنا ضرورة إطلاق سراح المعتقلين: مع ما تعرفه السجون المغربية من اكتظاظ، علما أنّ "السجون عقاب لكن لا يمكن إيذاء الشخص وتعريض حياته للخطر". كما ذكّرت سارة سوجار، ناشطة حقوقية، بما يحمله إيقاف معتقلين سياسيين إضرابهم عن الطّعام من "تعبير عن حسن النية، وخوف على صحتهم والصحة العامة"، وعرجت على "مجموعة من نداءات المعتقلين السياسيين من داخل السجن؛ التي دعت جميع المغاربة للانخراط لإجراءات الوقاية والحماية"، وانتخبت منها قول "المعتقل السياسي نبيل احمجيق نحن مع الصحة العامة حتى ولو اختلفنا حدّ التصادم مع الدولة". وذكرت سوجار أنّ المسؤولة الأممية قالت إنّ معتقلي الرأي أولا، لأنهم لا يتابعون بتهم جنائية، واعتقلوا في سياق سياسي بين الحاكم والمحكوم، كما استحضرت عرائض سابقة كانت من ضمنها مناشدة للملك لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وترى الحقوقية أنّ ملف معتقلي الريف قد حقّق "إجماعا وطنيا عند السياسيين والصحافيين"، وأثبت أنّ "مكانهم خارج السجن لا داخله"، قبل أن تتأسّف مما يحمله هذا الملف من "حسابات سياسية، وظلم سياسي لا ظلم قانوني فقط، واستمرار للمقاربة الأمنية". وقالت المتحدّثة إنّ اللحظة الإنسانية التي نعيشها اليوم نرى فيها الفيروس ذا الحجم الصغير وقد خلق حربا عالمية، وهدَّ دولا إلى وقت كبير كانت تقول إنّها دول قوية، وقادرة في الميدان الصحي. وتعقيبا على تقرير "أحداث الحسيمة" الذي أعدّه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قالت سارة سوجار إنّ "حقبة ما قبل بوعياش كان فيها على الأقل تعاون إنساني، وحضور للجانب الإنساني"، في حين "عاد هذا التقرير إلى الصفر حتى قبل هذه الحقبة"، وتحدّث ب"انتصار للرواية الأمنية، إذا لم نقل بإعادة صياغة لها بلغة حقوقية"، وحمل "تخوّفا من استعمال كلمة الريف، بينما منطقة الريف من خرجت لا مدينة الحسيمة". كما ذكرت الحقوقية أنّ تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حمل إرادة لربط كلّ "حجر" في الحسيمة بنبيل أحمجيق وناصر الزفزافي، ومحاكمة لنوايا المحتجّين، بأن لهم مطالب غير معلنة، وأنّه كان في نيّتهم التّصعيد منذ البداية. مع اعتماد على الرواية الأمنية فقط في أمور، دون الاعتماد على تقارير للمجلس الجهوية، والمبادرة المدنية من أجل الريف، ومداخلات المعتقلين… وتعليقا على تجاوزات مصوّرة باستعمال العنف الجسدي واللفظي لتفريق مواطنين غير ملتزمين بالحجر الصحي، قالت سارة سوجار إنّ "الحقوق والحريات لا تجتزأ، رغم السياق الذي نعرفه، ولا معنى للحياة دون حقوق وبشروط تنزع الكرامة، ومن حقنا التنديد بأي ممارسة تمسّ بالمواطنين". وشدّدت المتدخّلة على أنّ "الانضباط للإجراءات ضروري"، وعلى أنّ "لا حقّ لأي رجل سلطة المسّ بكرامة المواطنين، بل عليهم التعامل دون إهانة المواطنين"، علما أنّ "الحقّ في الانتقاد وإبداء الرأي، وإعطاء الرأي في السياسات العمومية، هو ما يبني الحضارات"، و"حرية التعبير مثل الأكل والشرب والخروج والصّحّة العامّة". وفي ختام كلمتها ذكرت الناشطة الحقوقية أنّنا في الفترة الحالية "نعيش في منازلنا وكلي خوف من فقد أحبائي والمقربين منا، والموجودين في السجن وهم مظلومون"، قبل أن تجمل قائلة: "أتمنى إنسانيا وحقوقيا أن تطلق الدولة هؤلاء المعتقلين السياسيين". تجدر الإشارة إلى أنّ مجموعة من الناشطين الحقوقيين والسياسيين والثقافين قد عمّموا، الأسبوع الجاري، عريضة وطنية تطالب ب"إطلاق مسار جديد من المصالحة الوطنية" بتوقيف محاكمة المدونين وكتاب الرأي والصحافيين والمتابعين لأسباب سياسية، و"إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والحراكات الاجتماعية بما في ذلك حراك الريف".