اتهم الناقد والمخرج السينمائي المغربي حسن بنشليخة مديرَ المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل بإفساد الصناعة السينمائية بالبلاد، من خلال نشر الجهل والفساد والأفلام الهابطة، وحمَّله مسؤولية السماح لكل "حقير" أن يصبح مخرجا قديرا وجميلا في أعين البعض. وقال صاحب فيلمي "الحلم الأمريكي" و "مرحبا بكم في هوليود" Welcome to Hollywood، في حوار مع هسبريس، إن موجة الأفلام السينمائية المغربية الأخيرة، التي تلصق صفة الدموية والتطرف بالإسلاميين، تدخل في سياق ما سماه "سينما الاغتراب"، التي تمولها شركات "إسرائيلية" توجد في أوروبا، لخدمة الحركة الصهيوينة ودعم أطروحاتها الإيديولوجية والسياسية. ووصف بنشليخة هذا الصنف من الأفلام المغربية بكونها شكل من أشكال الغزو الثقافي المُنظم، وبأنها فقيرة من الناحية الإبداعية، وتنقصها أبسط التقنيات الاحترافية، فضلا عن امتلائها بالكلام الساقط، والعري الفاضح، والأفكار الخبيثة. وجدير بالذكر أن حسن بنشليخة، من مواليد 1955، هو ناقد ومخرج سينمائي، وكاتب ومحلل سياسي أيضا، يتميز بثقافة واسعة قَلَّما توجد لدى المشتغلين في المجال السينمائي، وقد قضى فترة زمنية طويلة من طفولته ومراهقته في المغرب، قبل أن ينتقل إلى أمريكا من أجل الدراسة الجامعية، حيث حصل على شهادة عليا في العلاقات الدولية من جامعة أوهايو الأمريكية، وشهادة تخصص في الإخراج السينمائي من أحد المعاهد مدينة بوستون. حضرت، أستاذ حسن بنشليخة، قبل أيام المهرجان الوطني للفيلم في دورته 13..ما الذي تركه هذا المهرجان من انطباعات رئيسية في ذهنك على الصعيد الفني والسينمائي؟ كانت الصدمة كبيرة، حيث تفاجأ الحضور في المهرجان في دورته الثالثة عشرة بالمستوى الهزيل والضعيف للأفلام المعروضة رغم الدعاية الرخيصة ل"تفريخ" عدد الأفلام المنتجة في السنة الفارطة حيث يدعي المركز السينمائي أنه أنتج 23 فيلما، وهذا لا يمت إلى الحقيقة بشيء. ونعتقد أن 15 فيلما لا تصلح للعرض في المهرجان بتاتا، من بينها فيلم "السيناريو" لمخرجه عزيز سعد الله، وفيلم BenX "، وفيلم "المغضوب عليهم" لمخرجه محسن بصري، وفيلم "الأندلس يا الحبيبة" لمخرجه محمد نظيف، وفيلما "الطريق إلى كابل" لمخرجه إبراهيم الشكيري، و"نهار تزاد طفا الضو" لمخرجه محمد الكغاط، اللذان لا يصلحان إلا للأطفال الصغار دون الثانية عشرة من العمر. ولم يقتصر الأمر على مستوى السيناريو الرديء فحسب، بل طال ذلك أداء الممثلين والإخراج، ولا يوجد في هذه الأفلام ما يستحق لا القراءة ولا الكتابة. إنه مهرجان يستهين بعقول الناس الذين يعتبرهم قاصرين نظرا لقصر الإمكانيات والقدرات الفنية والثقافية لمعظم المخرجين المغاربة؛ ولا تتوفر في هذه الأفلام إلا عناصر الفشل من ذوق متدني، وغياب التقنيات والرؤى الفنية، والحوار المترهل. بذكرك لهذه الأفلام، كثرت أخيرا موجة من الأفلام المغربية التي تطبل وتغرد للعولمة بكل مساوئها ومفاسدها، دون تمحيص بين الصالح والطالح،..كيف يمكن تقييم هذا الصنف من السينما المغربية، وما هي خلفيات أجندتها الحقيقية؟ لا يحتاج المشاهد إلى خيال واسع لفهم نية المخرجين المغاربة المبيتة من أجل التشويه المقصود، والخلط عن جهل بهدف الدعاية لجرافة العولمة، لتبرير أنماط التفكير الشعبوية المنتشرة؛ فتُلثا الأفلام التي شاهدناها في المهرجان عالجت موضوع التطرف الديني على حساب الحداثة، ونعتقد أنها كتبت تحت تأثير الجهل العميق ولا تحمل هذه الأفلام في جوفها إلا الزيف، حيث أغرقتنا في عالم الأساطير والخرافات وتزوير الوعي والسلوكيات الخاطئة، وطفيليات الأسلوب ووقاحة منهجية الآراء التي يتقزز منها الإنسان. ويشعر المشاهد بالانهيار الكامل أمام هذه الأعمال الغبية واليائسة التي لا تحمل شيئا من المعرفة ولا القيمة الثقافية، بل على العكس تغتصب الضمير المغربي بخطاب دون عمق، تقوده الحماسة والاندفاع أكثر من العقلانية والواقعية. ظهرت أفلام مغربية تصور الإسلاميين كأنهم همجيون بعيدون عن الحضارة، محبون للعنف والدماء..برأيك، لماذا هذا الهجوم الضاري على الإسلاميين في هذه الأعمال السينمائية؟ هذه السينما أسميها "سينما الاغتراب"، تمولها شركات صهيونية مستقرة في أوربا تعتمد سياسة الإنتاج السينمائي المشترك لاستقطاب المخرجين العرب أو المغاربة على الأخص لتبني طموحات وسياسات الغرب عموما، وسياسات إسرائيل خصوصا.. وهذا بالضبط ما نحن بصدده حيث قصفتنا أفلام نرجس النجار، وفوزي بنسعيدي، وإسماعيل فروخي بأفلام دعائية فارغة المحتوى، وهي في حد ذاتها تحريف وشكل من أشكال الغزو الثقافي المنظم الذي يداهمنا في عقر دارنا لخدمة أهداف الحركة الصهيونية ودعم مقولاتها ومزاعمها. والخطير في الأمر أن هؤلاء المخرجين يفكرون بلغة وبعقلية أجنبيتين، ويتبنون خطابا يتحكم فيه مبدأ الاستغلال من أجل الربح المادي. ونحن نعي جيدا أن هؤلاء المخرجين يخافون ويخشون أن توصد أبواب شركات الإنتاج الصهيونية في وجههم، أكثر مما يتطلعون إلى إيصال الصورة الحقيقية عن العرب والمسلمين. هل ترى أن للمركز السينمائي المغربي، ومن ورائه نور الدين الصايل، جزء من المسؤولية في إنتاج وخروج مثل هذه الأفلام المسيئة لصورة الإسلاميين؟ مما لا شك فيه أن معظم الأفلام التي عرضت هذه السنة في مهرجان طنجة للفيلم الوطني تنقصها أبسط التقنيات الاحترافية من سيناريو، وتمثيل، وصورة، ويطبعها الكلام الساقط، والعري المفضوح، والنمطية الخبيثة التي تتقيأها النفوس المريضة.. وبالتأكيد يتحمل المركز السينمائي المغربي، وعلى رأسه مديره نورالدين الصايل كما ينص على ذلك القانون، المسؤولية كاملة عن إفساد الصناعة السينمائية بنشر الجهل والفساد والفنون الهابطة؛ كما أن الصايل يتحمل مسؤولية إتاحة الفرصة لكل حقير أن يتحول إلى مخرج جميل في أعين البعض. تيمة الجسد الأنثوي تحضر أيضا بقوة في عدد من الأفلام المغربية الأخيرة، حيث يُصور بأنه مثار شهوة وإثارة للغرائز حتى الشاذة منها..ألا ترى أنه في هذا التركيز على جسد المرأة وعلى موضوع العري، إساءة لكرامة المرأة المغربية التي ليست جسدا فقط، وإنما هي الأم الفاضلة، والزوجة الحافظة، والأخت الحانية، والعاملة والمعلمة والطبيبة والمهندسة والوزيرة..؟ صرح نور الدين الصايل، في أكثر من مرة، ولا سيما في ندوته الصحفية الأخيرة يوم اختتام المهرجان الوطني بطنجة، أن الذين يعانون من الكبت الجنسي هم الذين يرون في تعرية المرأة على الشاشة السينمائية نوعا من التصوير البورنوغرافي.. وبذلك يتناقض مع نفسه عندما صرح في مقابلة مع جريدة الصباح المغربية أنه تعمد عدم اختيار الأفلام التي تتميز بطاقة لا تُحتمل، ومنها التصوير البورنوغرافي. ولا نعرف هل شاهد السيد المدير فيلم "موشومة" للمخرج لحسن زينون بنفسه أم لا، والذي نعتبره شكلا من أشكال البورنو الذي سيتسبب لا محالة في المزيد من إضعاف المهرجان الوطني، والسمعة السيئة للسينما المغربية التي صبت اهتمامها كاملا على تصوير بضاعة كاسدة وفاسدة في تحد للقيم والأخلاق المجتمعية، والإساءة للمرأة المغربية بالدرجة الأولى. قال الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي لي يوما إن سؤال الإبداع يُطرح بحدة لدى مخرجي مثل هذه الأفلام، لكونها لا تتوفر على المقومات الفنية التي تجعل منها أفلاما تحظى بالقبول، وبأنها أفلام للنسيان فقط..ما رأيك؟ الأستاذ احمد سيجلماسي ناقد متمرن ومحترف، ونشاطره الرأي في أن السينما المغربية في خطر، حيث يدرك الجميع ما آلت إليه الأفلام المغربية من أزمة ثقافية باتت تعتقد أن في وسعها تخطيها بعرض سيقان العاهرات السمينات اللواتي جُلبن من الحانات الليلية، والتنافس على مواضيع الهجرة البغيضة، والخوض في النمطية المقيتة بالتهجم على التراث الإسلامي. 90 في المائة من الأفلام التي يمولها المركز السينمائي المغربي لا تصلح للعرض في القاعات السينمائية، ويجب أن يلقى بها مباشرة في القمامة. بالمقابل، رغم الاستياء الحاصل من هذا الصنف من الأفلام، قد تكون هناك مفارقة غريبة أستاذ بنشليخة..وهي أن الجمهور يحضر بوفرة وكثرة إلى مثل هذه الأفلام التي تتناول مواضيع العنف أو الإثارة الجسدية، وغيرهما..ما تفسير ذلك برأيك؟ الجمهور المغربي وطني حتى النخاع ويحب السينما المغربية، لكنه كلما شاهد فيلما مغربيا يتقزز من هذه السينما الرديئة والتافهة. والحقيقة الصادمة أن هذه الوفرة والكثرة التي تتكلم عنها غير موجودة، فعدد المترددين على السينما المغربية تقلص إلى حدود المليوني شخص فقط سنويا، وهو رقم مخيف. هناك من صار يتحدث عن سينما ما بعد الربيع العربي..كيف ترى شروط انبثاق مثل هذه السينما في المغرب مثلا؟ لا أعرف ماذا تقصد بالضبط ب"سينما ما بعد الربيع العربي"، لكن الأكيد أن جو الثورات العربية لم ولن يخترق السينما المغربية في الأجل القريب، ولا أعتقد أن السينما المغربية لديها القدرة اللازمة أو الإمكانيات التقنية لإنتاج أفلام روائية عن الربيع العربي، مثلا، لأن الأفلام المغربية في غالبيتها ترفيهية وبميزانيات ضعيفة، ومخرجوها ليسوا مؤهلين، نظرا لضعف تكوينهم أو انعدامه، للمغامرة في أعمال تفوق حجمهم الثقافي والمهني. ما هو جديد حسن بنشليخة على صعيد الإخراج، وإبداعاتك السينمائية؟ إنني أضع اللمسات الأخيرة لإخراج فيلم روائي عن الطفولة المشردة بمدينة مراكش.. آمل أن أبدأ بتصويره مع طلوع شهر ماي من هذه السنة إن شاء الله.