"يوجد قرب جامع القرويين، ويرجح أن يكون أول معلمة ظهرت في هذا المكان. كان يسمى السوق السوداء خلال فترة طويلة، اعتبارا لأنه كان مكانا مخصصا لتجارة العبيد"؛ هذا ما تقوله يافطة تم وضعها من طرف وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس في إحدى زوايا فندق البرْكَة الكائن بحي القطانين بقلب المدينة العتيقة. وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس، التي قامت بتجديد وترميم هذا الفندق العتيق، تضيف مستحضرة من خلال هذا الشاهد نشاط النخاسة فيه قائلة: "أخذت هذه البناية، ابتداء من القرن 16، اسم فندق البرْكَة، فأصبحت تخصص كل مساء، وإلى غاية سنة 1912، لبيع العبيد، فأدى إلغاء الرق والتخلي عن استغلال هذا الفندق إلى تدهوره". فندق البرْكَة المتكون من ثلاثة طوابق، كان طابقه الأرضي، وفق ما استقته هسبريس من روايات، يخصص لعرض العبيد، خصوصا من الإناث، للبيع في المزاد العلني، حيث يتم إدخالهم إلى فناء البناية من باب جانبي صغير يطل على ساحة خلفية مغلقة يتم الوصول إليها عبر أحد الدروب الضيقة، موردة أن اسمه مأخوذ من كلمة "بْركْ"، التي تعني "اجلس"، والتي كان يؤمر بها العبيد لحظة انطلاق المزاد العلني. عملية ترميم فندق البرْكَة الذي ترتبط به حكايات مظلمة لتجارة العبيد، وتعبق بنايته بحمولة تاريخية غامضة، تهدف، حسب الجهة القائمة عليها، إلى إعادة إدماج هذه المعلمة التاريخية في الحركة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة العتيقة لفاس، وذلك في إطار ما يعرف ب"مشروع الصناعة التقليدية والمدينة العتيقة لفاس"، حيث تم تخصيصه كفضاء للإبداع النسوي في مجال الحرف اليدوية. وما زال من الناس من يتناقل قصص الأجداد عن بيع العبيد السود بالمدينة العتيقة لفاس، كما هو الشأن بالنسبة لحكم التازي موخا، الأستاذ المتقاعد من كلية الطب والصيدلة بالرباط، الذي طالب، في حديثه مع هسبريس، وهو يسترجع في حسرة، بصفته أحد أبناء مدينة فاس العتيقة، تاريخ تجارة العبيد بفندق البرْكَة، (طالب) بوضع شاهد من الرخام بباب هذه المعلمة لكي لا يتم محو التاريخ، ولتذكر من عاشوا تلك المأساة. وقال محسن الإدريسي العمري، أستاذ التاريخ وعلم الآثار بجامعة الحسن الثاني مفتش سابق للمباني التاريخية بمدينة فاس، إن النصوص التاريخية لم تشر إلى فندق البرْكَة، لا من حيث تاريخ البناء ولا من حيث الوظيفة، مبرزا أنه، من خلال البحث، ورد اسم فندق البرْكَة في الحوالة السليمانية، التي هي عبارة عن كنانيش خاصة بالأحباس تم تدوينها في عهد السلطان مولاي سليمان، دون أن تتحدث هذه الوثيقة التاريخية عن وظيفة البناية، مشيرة فقط، يوضح المتحدث ذاته، إلى أنها كانت قائمة في الفترة التي تسبق القرن 18. وأضاف محسن الإدريسي العمري قائلا: "المعروف أن الرواية الشفهية تفيد بأنه كانت تجرى داخل هذا الفندق تجارة العبيد في المزاد العلني، وصحيح أن العلاقات مع جنوب الصحراء كانت سائدة خلال فترة كتابة الحوالة السليمانية وقبلها منذ الفترة المرابطية، لكن السؤال المطروح هو: هل فعلا كانت تجارة العبيد قائمة في تلك الفترة بمدينة فاس؟". وفي معرض حديثه عن غياب معطيات نصية حول تجارة العبيد بفاس، أشار أستاذ التاريخ إلى أن المرحوم عبد القادر زمامة، الأستاذ السابق بجامعة فاس، كتب أيضا في هذا السياق، وتساءل بدوره في تحقيقاته حول فندق البرْكَة عن مدى أهمية اعتماد الروايات الشفهية للإقرار باحتضان البناية المذكورة لتجارة الرقيق. "اعتمادا على شكله المعماري، ففندق البرْكَة لا يختلف نهائيا عن عمارة الفنادق التجارية العتيقة لفاس، التي تتميز بطابقين علويين وطابق أرضي، كما هو حال معظم المراكز التجارية الأخرى بقلب المدينة العتيقة لفاس، كالقطانين والشماعين والصبطريين والعطارين"، يقول الإدريسي العمري، مبرزا أن الفناء الداخلي لفنادق مدينة فاس العتيقة كانت تجرى فيه التجارة بالمزاد العلني بشكل يومي أو أسبوعي، كما هو الشأن بالنسبة لتجارة الجلود مثلا. من جانبه، أكد محمد بوفتيلة، مرشد سياحي بمدينة فاس، أن الروايات الشفهية تجمع على أن فندق البرْكَة كان مخصصا لتجارة العبيد السود، موردا في حديث لهسبريس أن سوق "المرقطن" بمنطقة العشابين المجاورة كان أيضا عبارة عن سوق مفتوح للنخاسة، يعرض فيه العبيد للبيع علنا بمدينة فاس العتيقة. وأورد بوفتيلة أنه يتذكر وجود "أسر ميسورة بمدينة فاس العتيقة ظلت إلى غاية القرن العشرين تملك العبيد والخدم الذين يتم تسخيرهم للقيام بالأعمال داخل منازلها الفخمة وخارجها"، معتبرا إصلاح فندق البركة وتحويله لاحتضان أنشطة حرفية نسائية "فكرة رائعة، ستدفع الباحثين لإماطة اللثام عن تاريخ هذه البناية وعن تجارة العبيد بمدينة فاس، عاصمة المغرب لفترات طويلة".