قال الحسن فوناني، قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية لسوق السبت أولاد النمة، إن المجال المعلوماتي مجال حديث ومتجدد، وإن أي تعريف يتم وضعه قد يصبح متجاوزاً في ضوء التطور المذهل لقطاع تكنولوجيات الاتصال والمعلوميات، لذا فقد تنبّه المشرع المغربي عند عدم وضعه لتعريف خاص بنظام المعالجة الآلية للمعطيات، إذ ترك المجال للفقه والقضاء. وأوضح قاضي التحقيق، في مداخلته خلال فعاليات اللقاء التواصلي التعبوي المنظم، الخميس، من طرف ثانوية الخوارزمي التقنية بشراكة مع المديرية الإقليمية لقطاع التربية الوطنية حول موضوع: "الجريمة الإلكترونية وسلامة الوسط المدرسي" بدار الشباب علال بن عبد الله بسوق السبت، أن الجريمة الإلكترونية أو المعلوماتية بصفة عامة غالبا ما تتخذ صورا متعددة، ما دفع المشرع إلى سن تشريع لسد الفراغ التشريعي في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم، وهو القانون رقم 03-07 بشأن تتميم مجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالإخلال بسير نظم المعالجة الآلية للمعطيات، وهو القانون، الذي يحتوي على تسعة فصول (من الفصل 3-607 إلى الفصل11-607 من مجموعة القانون الجنائي المغربي). وزاد القاضي: "المشرع عمل على تكييف التشريع الجنائي لكي يتلاءم مع التطور الذي يعرفه مجال المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة، وعمل بذلك على تجريم مجموعة من الأفعال المرتبطة بهذا المجال، نظرا لما تشكله من ضرر بالحقوق المادية والمعنوية للأفراد والجماعات"، مضيفا أن التطور السريع والمهول لمجال الاتصال الإلكتروني يجعل التشريع المغربي يسعى رغم ديناميته إلى تتبع هذا التطور عبر إحداث قواعد جديدة تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الحق في المعلوميات والحق في الابتكار وحماية النظام العام والحقوق الخاصة من جهة أخرى. وأشار قاضي التحقيق ذاته إلى أن المشرع "اضطر إلى سن تشريعات حديثة أو إضافة نصوص أخرى لمجموعة القانون الجنائي المغربي تتلاءم وخصوصية الجريمة الإلكترونية"، مردفا: "شهد العقد الحالي طفرة تشريعية، شملت كل ما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، لمكافحة الجريمة المعلوماتية"، ومذكرا بأن القصور الذي لازال يعاني منه التشريع والعمل القضائي يتجلى في الجانب المسطري المتمثل في وسائل إثبات الجريمة الإلكترونية بسبب قلة عدد الخبراء المتخصصين وصعوبة توظيف الوسائل التقليدية لإثباتها. وعرّف المناوري رشيد، المحامي بهيئة بني ملال، "الجريمة الإلكترونية" بكونها "مخالفة ترتكب سواءً كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، قصدا أو عن غير قصد، ضد الأفراد أو الجماعات بدافع جرمي وبنية الإساءة إلى سمعة الضحية أو لجسدها أو عقليتها، من خلال استعمال وسائل وأدوات إلكترونية ووسائط التواصل الحديثة (هاتف، حاسوب، فايسبوك، واتساب …)، وذلك بهدف السرقة وقرصنة المعلومات والمعطيات الموجودة في الأجهزة، أو بهدف ابتزاز الأشخاص بمعلوماتهم وصورهم وبياناتهم الشخصية". ورصد المتدخل، خلال هذا اللقاء الذي نُظم تحت شعار "ترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني رافعة لتخليق الحياة المدرسية"، مجموعة من الخاصيات التي تميز الجريمة الإلكترونية عن الجريمة العادية، منها عدم تواجد الفاعل في مكان الجريمة والتكلفة البسيطة لارتكابها، وضيق حيزها الزمني؛ كما قدّم نبذة عن ظهور وتطور الجريمة المعلوماتية، وخلص إلى أن الظاهرة تزايدت في السنوات الأخيرة بفعل تنامي استعمال الأجهزة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي. وأورد المناوري بعض الجرائم الإلكترونية التي يعاقب عليها القانون، وغالبا ما يرتكبها الأفراد دون إدراك منهم، ما يستوجب حسبه اتخاذ عدة تدابير احترازية، من ضمنها التسلح بالنصوص القانونية وتفادي الولوج إلى المواقع التي تشيد بالإرهاب أو تمس أمن الدولة ومؤسساتها، والتركيز على كل ما هو تربوي، وعلمي وتثقيفي.. و أبرز حمادي أطويف، المدير الإقليمي لقطاع التربية الوطنية بالفقيه بن صالح، أهمية اللقاء باعتباره فرصة ومحطة للتداول والتفكير الجماعي والحوار حول موضوع بات يؤرق الأسر المغربية والمجتمع المدرسي، ويهم سوء استعمال الإنترنت ووسائط ومنصات التواصل الاجتماعي من طرف التلاميذ، ما قد يؤدي بهم إلى ارتكاب أفعال يجرمها القانون، مركزا على الدور التربوي التهذيبي الذي تلعبه المدرسة والأسرة ودور القانون والقضاء كمؤسسات مجتمعية وجدت لضمان حقوق الأفراد والجماعات والمجتمع ككل، والحماية من كل اعتداء وتحقير وتطاول. وركز عمر المشاوري، أستاذ مادة القانون بالتعليم العالي، على دور المنظومة القيمية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في الحد من الجريمة الإلكترونية، مبرزا أن المقاربة الأمنية ضرورية لضمان استقرار المجتمع وحماية حقوق أفراده المادية والمعنوية، لكنها غير كافية لوحدها للحد من الجريمة المعلوماتية أو السيبرانية، داعيا بذلك إلى تضافر وتكثيف جهود كل مكونات الأمة والمجتمع ومؤسسات الدولة، ومنها المدرسة، من أجل إيجاد مختلف السبل والحلول واقتراح الصيغ الكفيلة بمواجهة هذه الآفة التي باتت تهدد التنشئة، وخاصة تلامذة المؤسسات التعليمية. ودعا المشاوري إلى الترافع من أجل إحداث مسلك تربوي بالمؤسسات التعليمية، تكون الغاية منه تحسيس التلاميذ بخطورة العالم الافتراضي، وتبيان أهميته في تكوين الفرد في حالة ما تم استغلاله جيدا، مشددا على دور أمهات وآباء وأولياء التلاميذ في التوعية والتعبئة المجتمعية الإيجابية، وعلى أهمية الرقابة الأسرية على الأبناء خلال استعمالهم وسائل الاتصال الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي لتجنيبهم سوء استعمالها. وشهد اللقاء التعبوي الذي جاء في إطار تفعيل أدوار الحياة المدرسية بموجب اتفاقية الشراكة الموقعة بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وفي سياق تفعيل برنامج عمل المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بالفقيه بن صالح برسم الموسم الدراسي 2019/2020، حضور العشرات من التلاميذ والمهتمين بالشأن التربوي والقانوني والإعلامي، إلى جانب السلطات المحلية والأمنية وأولياء التلاميذ، وكان مناسبة دعا من خلالها مدير مؤسسة ثانوية الخوارزمي التقنية كافة المشاركين إلى بذل المزيد من الجهود في أفق الحد من الجريمة الإلكترونية باعتبارها جريمة عابرة للقارات، وتبيان أخطارها على المجتمع والأسرة، مركزا على ضرورة استغلال الوسائط الاجتماعية في التحصيل العلمي، لا في النبش في الحياة الخاصة للأفراد والمس بمؤسسات الدولة.