في هذا الحوار، يؤكد أمين أعزان، الخبير في الجرائم الإلكترونية وأستاذ القانون العام، أنّ الجريمة الإلكترونية أصبحت جد مكلفة للاقتصاد الوطني والعالمي بفعل ما تسبّبه من خسائر مالية ضخمة، مشددا على أنّ هناك جهودا دولية لتنسيق العمل من أجل محاربة الإجرام في العالم الافتراضي.. وشدّد أعزان على أنّ المغرب لا يتوفر على قانون مفصل للأنترنت ممّا يدفعه إلى تكييف القانون الجنائي مع الجرائم الإلكترونية. - ما هي أنواع الجرائم الإلكترونية الممارَسة عبر الأنترنت؟ تمثل الجرائم الإلكترونية مجموعة الأفعال والأعمال غير القانونية التي تتم عبر أجهزة إلكترونية (خصوصا شبكة الأنترنت). وقد أصبحت الجريمة الإلكترونية واقعا له تداعياته السلبية على الاقتصاد الوطني والعالمي بفعل ما تسببه من خسائر مالية ضخمة. فهناك علاقة سببية بين التقدّم العلمي الهائل في مجال الحاسوب وحركية الاتصالات عن بُعد، من جهة، وكذا النمو المتزايد في معدل الجريمة الإلكترونية، من جهة أخرى. وقد اختلف الفقه الجنائيّ المختصّ في تحديد مدلول أو أنواع الجرائم الإلكترونية، بحكم تعدّد الزوايا التي يمكن من خلالها دراستها، أو نظرا إلى تغير وتجدد أشكالها، لارتباطها بتكنولوجيات الاتصال والإعلام المتسمة بالتطور السّريع زمنيا. ومن وجهة نظر شخصية يمكن أن نقسمها إلى فئتين: الأولى، تضمّ الجرائم التقليدية المرتكَبة عبر وسائل الاتصال الحديثة، كجريمة السبّ أو القذف أو الإرهاب أو غسل الأموال.. وتضمّ الثانية جرائم حديثة بالمفهوم الضيّق، كالجرائم المتعلقة بمعطيات الحاسوب أو اختراق المواقع الإلكترونية. - ما هي القوانين التي يُطبّقها المشرّع المغربي على الجرائم الإلكترونية؟ هناك مقتضيات واردة في القانون الجنائي المغربي، وأعني هنا الباب العاشر من الكتاب الثالث، الذي خصصه المُشرّع للجرائم المتعلقة بالمسّ بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، والتي أضيفت بموجب القانون رقم 07- 03. كما أنّ القانون المغربي رقم 03 - 03 المتعلق بمكافحة الإرهاب (الفصول1 - 218 الى 9 - 218 من مجموعة القانون الجنائي المغربي) يستوعب ظاهرة الإرهاب الإلكتروني، فمثلا الفصل 2 - 218 من القانون المذكور يعاقب على استعمال وسائل الإعلام، ومنها الالكترونية، في الإشادة بالأعمال الإرهابية. وقد حدّد الفصل المذكور العقوبة في الحبس من سنتين الى ستّ سنوات وبغرامة بين 10 آلاف و200 ألف درهم.. ومعلوم أنّ وسائل الإعلام الإلكترونية متعدّدة، من أبرزها الشبكة الدولية للمعلومات -الأنترنت. - هل تعتقد أنّ القوانين المغربية التي ذكرتَ سلفا كافية للحد من الجرائم في العالم الافتراضي؟ لا يمكن الجزم بأنّ الرصيد التشريعي المغربي في هذا الصدد كافٍ لمكافحة كل صور الجرائم الإلكترونية، بل لا بد من تكملته، حيث يشمل جرائم أخرى لم تشملها المبادرات التشريعية الجديدة، مثل حماية البريد الإلكتروني، ومواجهة قرصنة أسماء المواقع على شبكة الأنترنت.. كما أن مقتضيات المسطرة الجنائية المغربية وآليات التعاون القضائي الدولي ما زالت قاصرة على أن تكون ملائمة للإجرام المعلوماتيّ، الذي يَصعُب فيه إثبات الفعل المجرم أو ضبط الجاني بسبب طبيعة الدّليل الرقمي، ولكون الجريمة الإلكترونية في أغلب الأحوال عابرة للحدود، لكونها تُرتكَب عبر شبكات الاتصال الحديثة، كشبكة الأنترنت. - لماذا يفتقر المغرب -في رأيك- إلى قانون مفصَّل حول الأنترنت يضمّ الجرائم، عوض تكييف قوانين أخرى؟ صحيحٌ أنّ المغرب لا يتوفر على قانون مفصّل بشأن الأنترنت، لكنْ يلاحظ أنّ المشرّع المغربي سار على نهج العديد من الدول التي استحدثت مجموعة من النصوص ذات الصّلة بجرائم الأنترنت لتتميم القانون الجنائي التقليدي ليستوعب الوضع الجديد. وكما ذكرتُ سلفا، هناك مقتضيات جديدة أضيفت إلى القانون الجنائي المغربي، وما دام هناك حديث جادّ عن قرب مراجعة شاملة للقانون الجنائي المغربي، فإننا نأمل ألا يتم إغفال معالجة الإشكاليات الخاصة بالجريمة الإلكترونية. -ما هي القوانين التي يكيفها المشرّع المغربي حينما يتعرّض الإنسان للسرقة الأدبية، مثلا؟ إن القانون المغربي رقم 2 - 00 حول حقوق المؤلف والحقوق المجاورة (الذي تم تعديله وإتمامه بواسطة قانون رقم 05 - 34) كفيل بحماية كل المصنفات الأدبية، لكنْ هناك مصنفات رقمية حديثة قد لا تستوعبها النصوص التقليدية، وبالتالي يجب استكمال ما قام به المشرّع عندما أدمج برامج الحاسوب وقواعد البيانات كمصنَّفات محمية بموجب القانون المغربي المذكور. -هل هناك تكاثف الجهود الدولية في مجال مواجهة الجريمة الإلكترونية؟ -فعلا، اهتمّ المجتمع الدولي بمسألة مكافحة الجريمة المعلوماتية. وفي هذا الصدد، أشير إلى أنّ منظمة الأممالمتحدة قد أولت مسألة مواجهة هذه الجرائم المستحدَثة اهتماما كبيراً، خصوصا خلال مؤتمر الأممالمتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، الذي انعقد في فيينا أيام 10 - 17 أبريل 2000، وكذلك خلال مؤتمر الأممالمتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، الذي انعقد في بانكوك أيام 18 - 25 ابريل 2005. ومن ناحية أخرى بادر المجلس الأوربي إلى وضع اتفاقية دولية بشأن الجرائم الإلكترونية (اتفاقية بودابست) وقد تمّ التوقيع على هذه الاتفاقية بتاريخ 23 نونبر 2001. - ما هي الدول التي وضعت قوانين متطورة في مجال الأنترنت؟ منذ عقود اتجه المُشرّع في الدول المتقدمة إلى استحداث تشريعات جديدة لمواجهة الإجرام الإلكترونيّ، وأذكر، مثلا، قانون البيانات السويدي لسنة 1973، الذي عالج قضايا الاحتيال عن طريق الحاسب الآليّ وجرائم الدخول غير المشروع على البيانات الحاسوبية أو تزويرها أو تحويلها أو الحصول غير المشرع عليها، والقانون الأمريكي الخاص بحماية أنظمة الحاسب الآلي لسنة 6197، والقانون الفرنسي المتعلق بالغشّ المعلومياتي لسنة 1988.. وعلى المستوى العربي نجد مثلا القانون الإماراتي رقم 2 لسنة 2006 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات. خبير في الجرائم الإلكترونية وأستاذ القانون العام.