يضيق الخناق، في الآونة الأخيرة، بشكل متسارع على "البوليساريو"؛ فإلى جانب الانتصارات التي حققها المغرب على المستوى الدولي، وتوسع دائرة الدولة الساحبة لاعترافها بالجبهة الانفصالية، فإنّ عُزلة هذه الأخيرة تشتدّ، مع بروز توتّر في علاقتها مع موريتانيا، خاصة بعد التهديدات المبطنة التي وجهها غالي إلى نواكشوط قبل أيام. ويسود غضب كبير داخل موريتانيا بعد التهديدات الصادرة عن غالي، والتي انتقد فيها الحياد الموريتاني إزاء النزاع في الصحراء، وقال إنّ اندلاع أي حرب ستكون موريتانيا ضحيته الأكبر، حيث شنّ عدد من النشطاء الموريتانيين هجوما على غالي، معتبرين أن تصريحاته غير لائقة، كما دعوا إلى عدم السماح له بتجاوز حدوده وانتهاك كرامة الموريتانيين. ووصف بشير ببانة، في تدوينة عل صفحته في "فيسبوك"، رسائل التهديد الصادرة عن زعيم "البوليساريو" إزاء موريتانيا بأنها "أصبحت أكثر وقاحة وجسارة مما يمكن تجاهله"؛ بينما قال حبيب الله أحمد إن موريتانيا "ليست مشجبا يعلق عليه إحباطات "البوليساريو" الأمنية والدبلوماسية". السخط السائد في موريتانيا تجاه قيادة "البوليساريو" تجلّى، أيضا، في الرسالة التي وجّهها محمد يسلم هيدالة، الأسير الموريتاني السابق الذي نجا من معتقل سجن الرشيد بمخيمات الصحراويين المحتجزين بتندوف، إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الموريتانية، قصد التدخل لكشف المقابر التي دُفن فيها الموريتانيون ضحايا التعذيب على يد ميليشيات "البوليساريو". وقال محمد يسلم هيدالة، في رسالته، إنّ مجموعة من الشباب الموريتاني تعرضوا لعملية تصفية على يد ميليشيات "البوليساريو" سنة 1982، بعد أن كانوا قد قَدموا إلى الجبهة وأيدوها، بعد توقيع اتفاقية السلام مع موريتانيا، نظرا لتشبعهم بالفكر الثوري الماركسي، وبعد سنوات من عملهم في التعليم والتمثيلية الدبلوماسية والصحافة جرتْ تصفيتهم. وحسب ما ورد في رسالة هيدالة، فإنّ الشباب الموريتانيين، الذين جرت تصفيتهم بعد اعتقالهم في سجن الرشيد من بين سنتي 1982 و1991، وُجهت إليهم تهم التخابر والتجسس مع موريتانيا وفرنسا، ليقتلهم جلادو الجبهة الانفصالية، ويدفونهم في سبخ الملح لإخفاء معالم الجريمة. وكان محمد يسلم هيدالة واحدا من الشباب الموريتانيين الذين ذاقوا شتى أنواع التعذيب داخل سجن الرشيد بمخيمات تندوف؛ غير أنه نجا من أن يلقى مصيرهم، مطالبا رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الموريتانية بالتدخل العاجل للكشف عن مقابرهم، والوقوف عند الأسباب التي جعلتهم "يُقتلون ويخفون بتلك الطريقة البشعة". وضمّن صاحب الرسالة رسالته أسماء بعض الشباب الذين صفّتم "البوليساريو"؛ ومنهم بونا ولد العالم وعبد العزيز ولد هيدالة ومحمد مولود ولد تاجدرت وتاغرة ولد باباه ولكهيل ولد الحيدب واعمر ولد ابيطات ومحمد ولد الأزغم وأحمد فال ولد باهاها والشيخ ولد يرعاه الله... وكان الأسير الموريتاني السابق قد وجّه رسالة إلى الأحزاب السياسية الموريتانية، حثها من خلالها على عدم حضور المؤتمر الأخير ل"البوليساريو"؛ وهي الرسالة التي كان لها وقع، حيث لمْ تَفد الأحزاب الموريتانية سوى تمثيلية ضعيفة لحضور مؤتمر الجبهة الانفصالية.