لم يكن إبراهيم، الرجل الخمسيني ذو العينين الغائرتين المتعبتين والثياب الرثة التي بالكاد تخفي جسمه النحيف، يعتقد أنه في يوم من الأيام سيعود إلى دفء المجتمع بعدما قضى أزيد من ثلاثين سنة تائها، مشردا بشوارع أفورار بوابة إقليمأزيلال. كان إبراهيم يجول باستمرار شوارع أفورار، وكانت عائلات تتعاطف معه بحكم أنه أضحى واحدا منها من كثرة التردد على أبوابها، إلا أن ذلك لم يتجاوز حدود ما تفرضه العلاقات الاجتماعية مع كافة الأشخاص في وضعية صعبة، رغم أن الأمر استمر قرابة ثلاثة عقود ببردها وسلامها، حسب تعبير الفاعل الجمعوي محمد صواب. إبراهيم (أ) والحسين (ح) وحماد (ر) ومحماد (خ) وغيرهم من الأشخاص في وضعية صعبة، الذين تم إيواؤهم بعدما قضوا زمنا طويلا متسكعين في شوارع أفورار، ليسوا سوى نماذج لحالات متعددة كانت ولا تزال تحبل بها مدن وقرى المغرب، البعض منها قضى نحبه، والبعض الآخر لا يزال يقاوم من أجل فرصة عيش حتى لو كانت بطعم العلقم. يقول محمد صواب: "كان محماد (خ)، المزداد في الستينيات والمتحدر من فم الجمعة بأزيلال، يفترش الأرض ويلتحف السماء في رحبة بيع الدجاج بالسوق الأسبوعي لأفورار. كان الكل يعرفه، لكن لا أحد بادر يوما الى إيوائه، على الرغم من أنه لم يكن منبوذا ولا ممسوسا". وأضاف "كانت وزارة الداخلية قد حثت السلطات المحلية على إيلاء الاهتمام اللازم بالفئات الهشة، خصوصا الأشخاص بدون مأوى، واتخاذ جميع التدابير الضرورية، وفق منهجية تشاركية مع كل المتدخلين، لمساعدة هذه الفئات وتوفير الإيواء والتغذية والتطبيب لها". وبأزيلال كان محمد عطفاوي قد بادر، بعد تعيينه بمدة وجيزة عاملا على الإقليم، وفق ما ذكرته بعض وسائل الإعلام الالكترونية، إلى إحداث مركز للإيواء بالمدينة بمعايير وُصفت بالجيدة، حيث لا يزال المشروع يستقطب عشرات الحالات سنويا، على الرغم من أن طاقته الاستيعابية تتسع لعشرين سريرا فقط. وبمراكز الإقليم وبعض القرى الأشد فقرا، لا يزال الأشخاص الذين يوجدون في وضعية صعبة والمشردون يعانون ضنك العيش وقساوة الطبيعة، في غياب مقاربات شمولية كفيلة بإعادة إدماج العشرات من هؤلاء الأشخاص في المجتمع. والقليل من الفعاليات الجمعوية بأزيلال خاصة هي التي تهتم بإيواء الأشخاص في وضعية صعبة، وتحاول تغيير نمط حياتهم، عبر تهيئتهم وجدانيا ونفسانيا للتواصل مع محيطهم، وإدماجهم في المجتمع من خلال البحث عن فرص عمل لهم. وفي هذا الإطار تندرج المبادرات الجمعوية بأفورار، التي استلهمت تجربة عامل إقليمأزيلال، وأبت، حسب الفاعلين الجمعويين محمد أوحمي ومحمد صواب، إلا أن تسهر على شن حملات لإيواء المشردين بدور الإيواء، بتنسيق مع رئيس الدائرة وعدد من الشباب المتطوع. وتروم مبادرة أفورار إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص في وضعية صعبة، حماية لهم من تأثيرات موجة البرد التي تجتاح المنطقة بين الفينة والأخرى. وتتوزع خدمات هذه المبادرة بين توفير الملبس والتغذية والاستحمام، فضلا عن الإيواء والمعاينة الطبية والمتابعة والمرافقة من أجل إدماج سلس لهؤلاء الأشخاص. ولإنجاح هذه العملية، يضيف أوحمي، تّم التواصل مع عدد من المؤسسات والمحسنين لتقديم الدعم، وقد وافق البعض منهم على تقديم منزله لإيواء مشردي المنطقة، فيما سارع البعض الآخر إلى توفير الأغطية والدعم لانتشال حالات أخرى من براثن الفقر وقساوة الطبيعة. وأوضحت نورة حساني، وهي فاعلة جمعوية بأفورار، أن التجربة المحلية أسهمت في اندماج المشردين بسهولة مع واقعهم الجديد، خاصة بعدما علموا أن لهم الحق في مغادرة المركز ودور الكراء وقتما شاؤوا، وأن الغرض من "إيوائهم" هو تقديم خدمات إنسانية لهم، ضمنها الفحوصات الطبية الضرورية والبحث لهم عن عمل. وقال أوحمي إن محماد (خ)، الذي قضى سنين في الشارع، تمكن عند حصوله على عربة مدفوعة من تحصيل ما قدره 80 درهما. وأضاف أن شخصا آخر ذهب الى السوق ونجح في إحضار المؤونة لزملائه، مشيرا إلى أن جهودا أخرى تبذل من أجل تمكين واحد من المجموعة من العمل بإحدى الضيعات. وهذا يعني، وفق الفاعل الجمعوي ذاته، أن نسبة مهمة من الذين تم إيواؤهم، باستثناء المصابين بالأمراض المزمنة، يتوفرون على العزيمة لتغيير نمط حياتهم، تبقى فقط الحاجة الماسة إلى مبادرات جادة من مؤسسات الدولة.