موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تل الورد"
نشر في هسبريس يوم 06 - 12 - 2019

بين كشف الحجاب عن الوجه الخفي للحرب والأمل في غد مشرق
عذوبة الحكي
وأنت تقرأ رواية "تل الورد" للروائية السورية أسماء معيكل الصادرة سنة 2019 م يتسرب إلى نفسك نوع من الإحساس الذي يحسه كل شخص من أشخاص الرواية، وكأنك ذبت في مشاعر أبطالها... في الحقيقة امتلكني نص الرواية في الوقت الذي كنت أمتلكه قبل بداية القراءة أو في الصفحات الأولى... مما مكنه أن يفرض على نفسه كنص للقراءة دون غيره؛ فكلما بادرت بعمل ما... إلا وهاجمني نص رواية "تل الورد" ووقف أمامي كصور يحيل بيني وبين أي شيء آخر... حينها أستسلم للقراءة ... والذي يقوي الارتباط بقراءة رواية "تل الورد" حتى آخرها؛ هو ذلك الفضول الذي يمتلكك لمعرفة تطورات الأحداث والوقائع وانعكاسها على الأشخاص... وبأنك تبقى عاجزا على أن تتنبأ من تلقاء نفسك؛ ما ستكون عليه الوقائع والأحداث ومصير الأشخاص في الصفحات القادمة... فبعض النصوص تكون لنا القدرة لنتنبأ ما ستؤول إليه بعد قراءة بعض منها، لنضعها جانبا... وهو الأمر الذي لم يصدق معي على رواية "تل الورد".
وأنت تقرأ رواية "تل الورد" صفحة بعد صفحة وواقعة بعد أخرى وحدثا بعد حدث وشخصية بعد أختها... تمعن النظر في ماهية الأسباب والدواعي الثقافية والاجتماعية والسياسية... التي كانت من وراء احتراق الأرض والإنسان والشجر وحتى الحجر... وكيف تحول فصل الربيع إلى زمهرير من النار ... حينها تدرك يقينا أن الحرب لا ينتصر فيها أحد؛ فهي تعني الهزيمة والخراب للجميع...
وقد يمتلكك شعور من الحزن والأسف، وأنت تقترب من الصفحات الأخيرة في الرواية؛ فيا ترى هل هذه هي نهاية النهايات وكما يقال الأعمال بخواتمها... حينها توقظ فيك رواية "تل الورد" الأمل والطموح وتمنيك بغد أفضل، وهي تحررك مما علق بذهنك طول صفحاتها من مشاعر الحزن والأسى ... فآخر كلمة تودعك بها الرواية هي: "طفل وطفلة دلوعة يسقيان الأزهار" فهذه الجملة لوحدها تعادل كل ما كتب في الرواية... تطرح الرواية جانبا وأنت تتخيل الأزهار والمطر والأطفال من أبنائك أو غيرهم يلعبون ويمرحون ذلك هو الغد المشرق...
فرواية "تل الورد" عمل رائع يستحق أكثر من تقدير وأكثر من جائزة، لأنه من الأعمال التي تدفعنا لنأخذ العبرة من مجريات الواقع... فهي تحيي فينا طعم الحياة والمحبة والسلام... وترفع بدواخلنا صوت العقل والعقلانية... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف تمكنت مؤلفة الرواية أسماء معيكل أن تبلغ هذا الهدف؟
غائية الكتابة والإبداع
فالجواب يعود إلى أن الروائية أسماء معيكل لم تجعل من رواية "تل الورد" رواية من أجل الرواية نفسها؛ أي رواية دون هدف ولا غاية؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى الكثير من المؤلفات الأدبية؛ بل ربطتها بهدف نبيل يتجسد في العمل على كشف وجه الحرب وتعريتها وإزالة اللثام عن وجهها القبيح؛ فليس في الوجود بأكمله شيء أقبح من الحرب وتبعاتها؛ وبالأخص عندما تكون نارها مشتعلة بين أهل الوطن الواحد والبلد الواحد والشعب الواحد؛ فالجديد الذي جاءت به رواية "تل الورد" في هذا الجانب هو أن وجه القبح في الحرب ليس واحدا، بل هو وجه متعدد؛ فكلما أزلت اللثام عن وجه، إلا ووقفت عن وجه أسوأ من سابقه... وهو الأمر الذي لا يتنبه إليه الكثير.
لم تتوقف رواية" تل الورد" عند الصورة النمطية التي يعرفها الجميع عن الحرب؛ وهي تلك الصورة التي تقفز إلى أذهانا ونحن نتخيل جبهتين من العساكر يدمر بعضها بعضا؛ كما أنها لم تتوقف عند الصورة التي خلقتها وسائل الإعلام عن الحرب والمصحوبة في كثير من الأحيان بطعم التشويق ونوع من التسلية والفرجة وتحليلات المنجمين والمحللين، والذين يرقصون على جراح الموتى وكلامهم عمن سيتمكن من حسم المعركة لصالحه؛ فصورة الحرب من خلال ثنايا وطيات رواية "تل الورد" لا هي تلك الصورة النمطية المعروفة عند الجميع، ولاهي تلك الصورة التي رسختها كل الفضائيات والقنوات الإعلامية التي خلقت تطبيعا نفسيا بين المشاهد ومشهد الموت والدم والأشلاء... صورة الحرب في تل الورد ليست صورة برانية وسطحية كما هي في الإعلام؛ بل هي قراءة وتحليل يسعى جاهدا ليقف عند الحالة النفسية الداخلية التي يكون عليها الفرد والمجتمع لحظة الحرب وبعدها؛ سواء تعلق الأمر بفرد ما أو جماعة من الفصائل المتناحرة، أو تعلق الأمر بالنسبة إلى مختلف المدنيين كبارا وصغارا رجالا ونساء؛ هذا فضلا عن أن الرواية تصف عن قرب الطبيعة والكيفية التي تتشكل من خلالها شبكة العلاقات الاجتماعية والأسرية من جديد زمن الحرب؛ إلى درجة يمكن القول معها إن مساحة الحكي والسرد على طول صفحات الرواية فيها تشخيص سيكولوجي وسوسيولوجي للحرب ووقودها؛ من كل مكونات المجتمع.
الرواية، وهي تشخص الحالة النفسية والاجتماعية للحرب؛ فهي تربط ذلك بالسياق الفكري والثقافي والسياسي والحالة الذهنية التي عليها العالم العربي؛ وبالأخص جمهور الشباب المتعطش للحرية والكرامة...(ما اصطلح عليه بالربيع العربي) إذ من الغرابة ومن العبث أن تقطف الأصولية الدينية من داعش وغيرها زهرة الربيع العربي، ويتحول الكثير من الشباب إلى صفوفها ليشهدوا بأنفسهم على اغتيال الحرية والكرامة التي خرجوا من أجلها؛ بمعنى أن تصورات الكثير من الشباب لموضوع الحرية والكرامة مستمدة من الماضي، وتستعدي الحاضر والمستقبل. وهذه معضلة فكرية ومعرفية في نظرة الإنسان المسلم لذاته وللآخر وللماضي وللحاضر.
التشخيص لا يشتغل على جميع العينات كلها؛ فهو يعتني بدراسة عينة واحدة من بين العينات المتشابهة الكثيرة جدا؛ ولهذا من البديهي أن تتكون أهم شخصيات رواية "تل الورد" من أسرة واحدة، باعتبار أن الأسرة هي أصغر عينة في المجتمع؛ وهي أسرة تتكون من الأب" معراوي" والأم "حسيبة" وثلاثة أبناء منهم عمران وربيع وأختهم باهرة وزوجة عمران "كافي" وابن عمران "حيان". فمن الملاحظ أن هذه الأسرة تشمل ثلاثة أجيال؛ الجيل الأول يمثله الأب والأم، والجيل الثاني يمثله الأولاد، والجيل الثالث يمثله حيان؛ فقد عصفت الحرب بكل هذه الأجيال من الأسرة الواحدة، وفككت العلاقة الاجتماعية والنفسية ما بين كل أفرادها وبين كل أفراد المجتمع.
قبل الحرب
كانت أسرة المعراوي تقطن في قرية اسمها "تل الورد" بالقرب من حلب؛ وكانت تعرف نوعا من الاستقرار والعيش الرغيد إلى جانب كل أهالي القرية؛ على الرغم من أن النظام العسكري الحاكم كان مهيمنا على كل جوانب الحياة في المجتمع؛ وكان يشد الخناق على الحريات وبالأخص السياسية منها؛ الأسرة كانت في منتهى السعادة، وتتمنى لحفيدها حيان الذي التحق بالمدرسة أن يكبر ويصبح دكتورا؛ أبوه "عمران" قضى واجب الخدمة العسكرية، وعاد يساعد أباه "المعراوي" في فلاحة الأرض، ويشتغل في الوقت ذاته في حلب في أحد المصانع؛ وأخوه "ربيع" كان سعيدا بأسرته، وإذا بأحد ما يقنعه ليلتحق بالشرطة؛ وسار شرطيا بمكتب الشرطة بقرية تل الورد. أما أخته "باهرة"، والتي لها الفضل في مساعدة والديها في تربية إخوتها لكونها أكبرهم سنا؛ فكانت اسما على مسمى، إذ بهرت كل شباب القرية بجمالها؛ وكثير من تمنى طلب يدها وهي ترفض؛ أما "كافي" زوجة عمران، فهي تنتمي إلى سرة من القرية نفسها؛ وقد أعجب بها عمران، وهو يتجول في أحد الحقول في موسم جني الزيتون، وأعجبت به فتزوجها بعد عودته من واجب الخدمة العسكرية؛ وكان مسكنهم بالقرب من مسكن الأب "معراوي" والأم "حسيبة". اتصفت كافي بالحيوية والنشاط والعناية بابنها حيان وزوجها عمران، والاهتمام بشؤون البيت الذي أشرفت بنفسها على تصميمه وتجميله وإخراجه في أجمل حلة.
هذا الوضع الذي عليه الأسرة قبل الحرب، يعكس بشكل عام الوضع الذي عليه المجتمع؛ بل هو الوضع نفسه الذي عليه الكثير من الأقطار العربية؛ قبل موجة الربيع العربي الذي تباينت نتائجه والتحولات والمسارات التي أخذها من بلد إلى آخر؛ نتيجة اختلاف المقدمات وتباينها من منطقة إلى أخرى؛ ففي الوقت الذي خرجت تونس البلد الذي اشتعلت فيه شرارة الربيع العربي بأقل الخسائر؛ وذلك بالعودة إلى العقل وإلى الاحتكام إلى آليات الاقتراع الديمقراطي بين كل الفرقاء... دخلت فيه ليبيا في حرب شبيهة بحرب أهلية... وعرفت مصر انتخابات رئاسية... أما سوريا، فقد دخلت هي كذلك في حرب شبيهة بحرب أهلية غدتها الحسابات والمصالح الدولية من الشرق والغرب راح ضحيتها الأهالي السورية.
زمن الحرب
"ربيع"
ربيع شخصية ترمز إلى الربيع العربي، وهو شخص لطيف ذو ثقافة سطحية بسيطة لا تؤهله لمعرفة وتحليل مقومات وأسس الثقافة الإسلامية التي ينتمي إليها؛ سواء في حاضرها أو ماضيها؛ فضلا عن أنه لا يملك خبرة سياسية وتجارب كثيرة في الحياة، تجعل منه شخصا يغلب الحكمة والعقل في فهم مجريات الواقع؛ والأكثر من كل هذا أنه شخص لا يملك معرفة علمية تتعلق بشؤون الدين وأصوله التي تحث على الوسطية والاعتدال... وبأن روح الدين تتجسد في الحفاظ على حرية الإنسان وبأن الدين أينما دار لا يتعارض مع روح العلم ومبادئ العقل والنظر والسؤال المفتوح... فربيع لا يملك شيئا إلا عاطفته الجياشة واندفاعه... وقد استغلّه مكتب الشرطة في تزويده بمعلومات شخصية عن الكثير من أهالي قرية بل الورد... عاطفته الجياشة منعته بأن يطلق النار على المتظاهرين من أصدقائه وأهله؛ عندما أمرهم الرئيس الجديد لمكتب الشرطة... وهي العاطفة نفسها التي جعلته يطلق النار على الأهالي، ويجتز رؤوسهم إلى درجة أنه سار يلقب بالبتار؛ بين صفوف المتطرفين الذين التحق بهم لقتال النظام الحاكم، ومن يواليه أو شك في موالاته من أهالي تل الورد؛ وقد تدرج حتى وصل إلى جانب أمير المقاتلين... وقد استغلته مرة أخرى الجماعة المتطرفة بأن يبتز أسرته على أن تدعم المتطرفين الذين ساروا يحكمون تل الورد... أجبر أخته باهرة وأمه بأن يرتدوا ما يسميه باللباس الشرعي... وأجبر أمه "حسيبة" على أن توقع له وثيقة بكونها موالية لجماعته المتطرفة ما سبب لها إعاقة نتج عنها توقف ذاكرتها... أما أبوه "معراوي"، فقد أهانه أكبر إهانة لأنه لا يريد التعاون مع المتطرفين... وكانت الإهانة بحضور أمير الجماعة المتطرفة... ما تسبب للأب في إعاقة جسدية ونفسية نتج عنها توقفه عن الكلام... وبهذا يكون ربيع الذي يمثل الجيل الثاني من الأسرة قد أجهز بشكل معنوي على الجيل الأول الذي تمثله الأم والأب، وقد اختفى وغرق في أوهام وضلالة المتطرفين... الذين جاءوا في ما بعد إلى بيت أهله وأقاموا له حفل تأبين وعزاء دون اصطحاب جثته... والغريب أنه لم يمت، بل انتهى به الأمر إلى أن يجد نفسه في تركيا في مأوى ضحايا الحرب... في حالة يرثى لها، فقد بثرت رجلاه، ولم يعد قادرا على المشي وفقد عضوه الذكري وسار يتبول جالسا... وبقي ينتظر موعد ملك الموت.
شخصية ربيع وما كان عليه... هي دعوة من جديد إلى كل الدارسين والمختصين إلى دراسة وتحليل ظاهرة الربيع العربي التي لم ينته صداها حتى اللحظة الراهنة... والتي تحولت بشكل سريع جدا إلى أصولية دينية في الكثير من الأقطار العربية... فما هي الدواعي والأسباب التي كانت وراء ذلك؟ فضلا عن هذا، فشخصية ربيع كشفت بأن الأصولية الدينية تتعارض مع قيم الدين الإسلامي؛ فربيع شخص عاق لوالديه ولأهله... وباختصار فآفة ربيع تكمن في الجهل؛ الجهل بأمور الدين والدنيا والمجتمع.
"عمران"
عمران رجل جاد تحمل واجبات أسرية وعائلية؛ وهو شخصية ترمز إلى عموم الناس المدنيين؛ فقد ذاق التعذيب في مخفر الشرطة قبل أن يسيطر المتطرفين على تل الورد؛ وعندما سيطر المتطرفون على جزء من تل الورد؛ عانى كثيرا كل يوم في حجوزات التفتيش، وهو في طريقه إلى عمله في حلب؛ إذ كان عليه أن يعترف بافتخار بكونه أخ ربيع عند نقط التفتيش التي أقامها المتطرفون في المناطق التي سيطروا عليها، ثم يتنكر لأخيه ربيع في الحواجز التي أقامها النظام في المناطق التي ما تزال تحت سيطرته... وإذا به يفاجأ بأن النظام يطلب كل من قضى الخدمة العسكرية إلى الالتحاق بالجيش؛ وبما أنه سبق أن قضى شهورا في الخدمة العسكرية؛ فهو من المطلوبين؛ فكر كثيرا وبالأخص في ابنه حيان الذي يدرس حينها في المدرسة، وقرر بأن لا يلتحق بالجيش... وقد استغربت أمه "حسيبة" من سخرية الأحداث؛ فابنها ربيع اختار من تلقاء نفسه أن يكون في جبهة المتطرفين وابنها عمران طلب منه أن يلتحق بجيش النظام؛ فمن العبث أن يقتتل أخوان شقيقان... في الأخير هاجر عمران إلى تركيا مع زوجته كافي وابنه حيان، واستقر في مجموعة من المدن التركية؛ وقد بعث ابنه بعد أن بلغ سن ال11 ليهاجر هجرة غير شرعية إلى أوروبا ليلتحق به هو وزوجته تحت مسمى "لمّ الشمل".
"كافي"
كافي امرأة ترمز لكل الأمهات الشابات التي عانت من ويلات الحرب؛ وذاقت مرارة الهجرة والحرمان... وكانت أول صدمة لها عندما اغتصبها أحد أفراد جيش النظام، وهم يتفقدون المنزل بحثا عن دليل يدين الأسرة... مرت الأيام واغتصبها أحد المتطرفين، عندما سيطروا على تل الورد بدعوة أنه يريد أن يتوضأ ويصلي... كل هذا وغيره سبب لها ألما نفسيا كبيرا... وقد رافقتها جراحها النفسية إلى تركيا، وهي في طريق الهجرة مع زوجها عمران وابنها حيان... في تركيا استاءت حالتها النفسية كثيرا... وتعرضت من جديد إلى حالة اغتصاب... مما جعل حزنها وألمها يتضاعف.... وهي لم تخبر زوجها بخبر أية حالة اغتصاب تعرضت لها... وقد فرغت كافي حالة حزنها وغضبها بوشم جسدها بيدها بشكل مبالغ فيه إلى درجة تشويهه باستثناء الوجه والكفين... وفي الوقت ذاته، أقبلت على المساجد والأضرحة والدروس الدينية، لكونها وجدت فيها متنفسا وحلا لمشكلاتها النفسية... وقد تمكنت هي وزوجها عمران من اللحاق بابنهم حيان الذي بعثاه إلى أوروبا؛ إلا أنها لم تستطع الانسجام مع المحيط الأوروبي وثقافته... وحاولت إلى جانب زوجها أن يغيرا من طباع ابنهما حيان، وهي طباع المحيط الثقافي الأوروبي؛ إلا أن ابنهما رفض، وفي الأخير اختفى عنهما وفارقهما... غرقت كافي في حزنها ومرضت وطلبت من زوجها أن يعود بها إلى تل الورد لتموت فيها. استجاب عمران لطلبها وقد لحقها الموت عند بلوغها تل الورد...
"باهرة"
باهرة فتاة جميلة ترمز لكل الفتيات زمن الحرب؛ فقدت شبابها في فترة وجيزة وظهر الشيب على رأسها؛ تعرضت للاغتصاب من شخص مجهول بطريقة محترفة؛ اعتنت بأمها حسيبة وأبيها معراوي بعد هجرة أخيها عمران وضلال أخيها ربيع؛ وقد تعرضت للاغتصاب مرة ثانية، عندما استرجع النظام سيطرته على تل الورد، ولكن هذه المرة من أحد الجنود الإيرانيين؛ ومن الغريب أن أخاها ربيع أوصى أحد كبار المتطرفين معه في الجماعة بأن يتزوجها؛ وبعد أن أقام المتطرفون حفل العزاء لربيع إلى جانب بيت والده؛ جاء صديق ربيع ليتزوجها، وقد اكتشفت ليلة العرس بأنه هو الشخص الذي اغتصبها أول مرة، وتمكنت من أن تنتقم منه وتلقي بجثته في البئر...
"حيان"
يرمز حيان إلى ذلك الجيل الذي ولد ونشأ في الحرب؛ وتشرد في مخيمات اللجوء، وحرم من أبسط الحقوق؛ هاجر هو وأمه وأبوه إلى تركيا وبعدها هاجر لوحده إلى أوروبا، وهو ينتظر أن تلتحق به أسرته، ويكون سببا لهم في الاستقرار هناك؛ احتضنته إحدى الأسر في أوروبا، وقد تأقلم مع الوضع ومع المحيط الثقافي للمجتمع الأوروبي نتيجة صغر سنه ونتيجة التحاقه بالمدرسة؛ إلا أن التحاق والديه وسكنه معهم جعل مسيرة تأقلمه مع المحيط الأوروبي تعرف تعثرا؛ فوالداه ألحّا على قصّ شعره الطويل، وأن يكون لباسه ومأكله بالشكل الذي تعودا عليه، وقد بذلا جهدا ليختناه، غير أنه رفض أوامرهما وغادر المنزل، ليختفي عنهما ويعيش متشردا في شوارع أوروبا.
تضعنا شخصية حيان أمام معضلة جيل كبير من الأطفال الذين نشؤوا لاجئين وأسرهم في أوروبا وغيرها؛ فضياعه يرمز إلى ضياع جل اللاجئين في أوروبا حيث واجهوا سؤال الذات والهوية والآخر؟ وسؤال العودة إلى الوطن أي وطن هذا فقد دمر بالكامل!!! فكيف سيكون حال اندماج الأطفال في المجتمع الأوروبي الذي هاجروا إليه، في الوقت الذي يتعذر على أهاليهم وذويهم الاندماج بالشكل الكافي والصحيح؟ وهنا تعترضنا مشكلة ثقافية صعبة جدا تتصل بطبيعة المحيط الثقافي العربي في نظرته لذاته وإلى الآخر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.