عندما أنشد المطرب الحسين السلاوي، في أربعينيات القرن الماضي، في أغنيته الشهيرة الموسومة ب"العين الزرقة": "فرقوا الفنيد والسيڭار.. زادوا الدولار.. حتى من العجايز اشراو الفولار.. حتى من هم صغيرات يعقدوا اللسان.. المريكان.. تسمع غير أوكي أوكي.. كامان.. باي باي"؛ فإنه كان يؤرخ لفترة دخول أمريكا للمغرب؛ فالكثير من المغاربة انبهروا بالفرنسيين بمجرد احتكاك المغاربة بهم، وحجم تقدمهم والسلع التي جلبوها، ثم انبهروا كثيرا بالألمان عندما علموا أن ألمانيا استعمرت فرنسا التي استعمرت المغرب؛ لكن صدمتهم كانت أقوى عندما احتكوا بالأمريكيين الذي نزلوا بالمغرب في الثامن من نونبر 1942 وإنشاء قواعد جوية في أرض مغربية وإن كان ذلك بعلم و"موافقة" فرنسية. لقاء أنفا ليس وحده "الحليب غبرة" و"الشوينڭوم" و"الفنيد" وقيما مجتمعية جديدة بشكل وجيز حتى أصبحت "العزيزات يشربو الروم"، بتعبير السلاوي، هو فقط ما جلبه الأمريكيون ووزعوه بالمغرب. لقد وزع الأمريكيون وعودا كثيرا أيضا سوف تحمل للمغرب وللمنطقة برمتها "تغييرا جذريا مباشرة بعد الحرب"، بتعبير روزفيلت الذي كان يتحدث مع محمد الخامس مباشرة بعد لقاء أنفا. كتب الصحافي الفرنسي جاك لاكوتور في كتابه "خمسة رجال وفرنسا" نقلا عن إليوت روزفيلت ابن الرئيس الأمريكي أن هذا الأخير استقبل الملك المغربي محمدا الخامس وعبر له عن استعداد الولاياتالمتحدةالأمريكية مساعدته للتحرر من "الحماية، هذا النظام المتجاوز"، وأنه "يجب أن يحصل المغرب على استقلاله الكامل في أقرب وقت ممكن وفي أبعد الآجال بعد انتهاء الحرب". فبحسب المصدر نفسه، يستطرد ابن زوزفيلت بأن الرئيس الأمريكي تحدث مع العاهل المغربي عن كون "رجال المال الفرنسيين والبريطانيين أسسوا شركات هدفها استنزاف خيرات المستعمرات" وزاد: "يمكن للسلطان أن يطلب المساعدة من الشركات التجارية الأمريكية التي تساعد على إنجاز برنامج استغلال، بثمن جزافي أو بنسبة مئوية". وقبل أن يصف بأن "عينا السلطان كانتا تلمعان وهو يؤكد أن السلطان سوف يطلب مساعدة أمريكا"، أورد أن روزفيلت قال للملك المغربي وقتها: "بهذه الطريقة يمكن لحكومتكم مراقبة جزء واسع من ثروات البلاد والتحكم طال الزمن أم قصر في اقتصاده". فرنسا المنهارة وكتب الجنرال جورج سپيلمان أنه "على هامش اللقاءات المباشرة بين الشخصيات المهمة تم تسخير عدد من السوريين واللبنانيين القاطنين بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وظفتهم الإدارة الأمريكية كمستشارين سياسيين ومترجمين يعملون بتناغم مع المخابرات للاتصال بقدماء كتلة العمل الوطني"، ثم يزيد في كتابه "المغرب من الحماية إلى الاستقلال": "كان لنشاط هؤلاء تأثير سلبي بالنسبة لنا". ويردف العسكري الفرنسي: "كانوا يشيعون إن فرنسا المنهارة والمهانة والضعيفة المنفتحة على نفسها لن تعارض لزمن طويل تحقيق أمنية مشروعة تتمثل في الاستقلال الشامل للمغرب". دور رجال الأعمال الأمريكيين وفي موضع آخر من الكتاب سالف الذكر، أورد العسكري الفرنسي: "تابع المخبرون الأمريكيون حملتهم النكراء ضد فرنسا، فبعد أن استعملت واشنطن الجنود والمجنسين العرب من لبنان وسوريا كخصوم لنا أصبحت تستعمل في هذه المهمة رجال أعمال مدعمين من الغرفة التجارية الأمريكية بالمغرب في شخص رئيسها السيد رودس". نادى رئيس الغرفة التجارية الأمريكية بالمغرب وقتها بضرورة الفصل بين الاقتصادين الفرنسي والمغربي، وركز على أن إلحاق المغرب بالنظام النقدي الفرنسي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب التضخم؛ ذلك أن هذا الغلاء أضعف القدرة الشرائية للمغاربة، ولم يكن الحل بحسب رودس سوى حرية التبادل وفتح السوق أمام جميع القوى الاقتصادية العالمية. ويورد سبيلمان أن "أطروحات رودس لاقت دعم دولة أمريكا، وطرحت القضية أمام أنظار محكمة العدل الدولية، سواء في مسألة تنظيم الصرف، أو كون الإبقاء على معاهدة فاس 1912 يعد خرقا للنظام العام". لم يكن ذلك من أجل "سواد أعين المغرب" طبعا، فكل دولة تبحث عن مصالح لها، وتبحث عن أسواق لسلعها ومصادر غنية لموادها الأولية، وقواعد عسكرية لقصف أعدائها، لكن المغرب أيضا قد استفاد بشكل أو بآخر من هذا التضارب في المصالح بين هذه الدول. قادري: بريطانيا فهمت الدرس مبكرا الجامعي مصطفى قادري، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس، قال عن دور أمريكا في استقلال المغرب، إن لأمريكا دورا كبيرا في استقلال المستعمرات في المنطقة عموما. وزاد المتحدث، في تصريح لهسبريس الإلكترونية، أن "الإنزال الأمريكي بالمغرب في نونبر 1942 لم يكن من أجل تحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي أو الإسباني، وإنما لدراسة الخطة لمحاربة هتلر انطلاقا من شمال إفريقيا، خاصة تونس وليبيا، ثم إيطاليا". وأردف قادري: "تم توحيد القيادة بين أمريكاوبريطانيا وممثلي فرنسا الحرة أي الجنرال جيرو ودوڭول لمحاربة هتلر، حيث تحدث روزفلت في مؤتمر أنفا عن مفهوم العالم الجديد". واستطرد: "بريطانيا فهمت مبكرا أن نهاية المستعمرات أمر قادم لا محالة، فبدأت تمنح الاستقلال لمستعمراتها، ولم تكن هناك أي مقاومة شرسة باستثناء حركات سياسية؛ لكن عندما نتحدث عن حركات التحرر والمقاومة فالجميع يستحضر فرنسا والبرتغال غالبا".