اعتبر مجموعة من الباحثين والخبراء في المالية أن النموذج التنموي الجديد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الدور الجوهري للسياسات المالية والضريبية، مؤكدين أن اختزاله في الجانب الاقتصادي لن يولد سوى نموذج تنموي فاشل. وقال أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمدينة طنجة حميد النهري: "نحن أمام معادلة صعبة، نبحث عن نموذج تنموي، بينما النظام الضريبي حصيلته سلبية"، مضيفا: "يجب أن نفكر في النموذج الذي سنختار وبعدها نبحث له عن نظام ضريبي، بينما نحن نقوم بالعكس". وأورد النهري في مداخلته يوم الأربعاء، في الندوة العلمية التي نظمت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية تحت عنوان: "أي دور للسياسات المالية والضريبية في النموذج التنموي الجديد؟"، وهو يتحدث عن مناظرة الضريبة: "توصيات المناظرة لسنة 2013 لم يتم تنفيذها بالشكل المطلوب، والأمر نفسه سيقع في هذه المناظرة". وبعد أن أكد "تغييب الأكاديميين في المناظرة الأخيرة، حيث كان رجال الأعمال يتحكمون فيها"، دعا المتحدث ذاته إلى "استئجار" المقولة الفرنسية "نحو ثورة جبائية" من فرنسا، "للقطع مع جميع الممارسات السابقة، لأنها أوصلت البلدان إلى اللاتنمية". وأوضح الأستاذ الجامعي أن "الضغط الضريبي لازال يقع على أصحاب المهن الصغرى، حتى إن العديد من تقارير المجلس الأعلى للحسابات توصلت إلى هذه الخلاصات المتمثّلة في كون ما يفوق 90% يؤدون أكثر". وأضاف الباحث في هذا السياق أن "الوعاء الضريبي لازال ضيقا، ما يستوجب توسيعه"، مشيرا إلى وجوب فرض الضريبة على كل المجالات لتوسيعه، بما فيها الضريبة على الإرث، إذ قال: "الضريبة على الإرث مطبقة في العديد من الدول العربية، إلا المغرب الذي يعتبرها حراما، بالتالي فهناك حلول وبدائل لا وجود لمن يفعّلها". وأكد الأستاذ الجامعي أن إسبانيا بعد تعرضها للأزمة أعادت الضريبة على الثروة، والأمر نفسه في فرنسا في عهد هولاند، الذي دعا الأثرياء إلى أن يكونوا وطنيين ويساهموا في تفادي الأزمة بدل الهروب، وزاد: "نحن نطالب بتفعيل هذا الأمر". من جهته، قال جواد لعسري، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية بالمحمدية: "حين نتحدث عن نموذج تنموي جديد يعني أن هناك نموذجا قديما فشل، والحال أنه لا وجود له"، داعيا إلى ضرورة وضع قانون إطار له تفاديا لوضع نموذج سرعان ما يفشل. ولفت مدير مختبر السياسات العمومية بكلية الحقوق إلى أن نجاح المشروع التنموي الجديد "رهين بوضع خارطة طريق يشتغل عليها المشرع الضريبي والتجاري والمدني وغيرهم"، مؤكدا أن غياب الترسانة القانونية سيؤدي إلى فشله. وعرج الأستاذ الجامعي في مداخلته على الإشكاليات الدستورية التي يطرحها الإقرار التصحيحي في قانون المالية لسنة 2016، خصوصا في المادة 221 مكررة، والتي تمنح من يمتثل للإقرار التصحيحي إعفاءات من الغرامات، بينما من قام من تلقاء نفسه بذلك يجد نفسه مضطرا لأداء غرامات. ويرى منظمو هذا اللقاء العلمي أن المشروع التنموي يجب أن يكون شاملا وجامعا ومتكاملا، وإلا سيتكسر على صخرة الواقع مهما بلغت تطلعاته، مؤكدين أنه لا غنى للوصول إلى تنمية حقيقية من تضافر الجهود وتكامل المعارف والمقاربات.