ينحدر الشاعر الإسباني فيرناندو كينيونيس (1930-1998) من مدينة قادش بإقليم الأندلس جنوب إسبانيا. تفرّغ للإبداع الأدبي منذ عام 1971 وفاز قيد حياته بعدة جوائز أدبية وشعرية. كتب القصة والشعر وكانت أغلب كتاباته في هذين الجنسين الأدبيين بالإضافة إلى أبحاثه عن فن الفلامينكو وسلسلة دواوينه الشعرية على شكل "وقائع". ونذكر من هذه السلسلة ما يلي: وقائع البحر والبر (1968)، وقائع الأندلس (1970)، وقائع أمريكية (1973)، وقائع إنجليزية (1980)، وقائع هسبانيا (1984)، وقائع قشتالة (1988)، وقائع اليمن (1994)... كان فيرناندو كينيونيس يسافر كثيرا حتى تم اعتباره سفيرا لفن الفلامينكو. زار عددا من دول أمريكا اللاتينية كما زار اليمن والمغرب سنة 1987 رفقة الكاتب الإسباني الآخر خوسيه أغوستين غويتيسولو. ونشر الشاعر القادشي فيرناندو كينيونيس (Fernando Quiñones) قصيدته عن مدينة أكادير أول مرة تحت عنوان (Agadir 73)() في المجلة الكنارية "فابلاس" للشعر والنقد سنة 1974. وهي مجلة أدبية إسبانية كانت تصدر من مدينة لاس بالماس بجزر الكناري. ويرسم الشاعر في هذه القصيدة لوحة مجازية يقارن فيها بين نزع مِلكية معمل في أكادير من مالكه الإسباني المنحدر من إحدى المدن الأندلسية (ألمريّة) قبيل الخروج النهائي للاستعمار الإسباني من الجنوب المغربي (1975) وبين استرداد الملوك الكاثوليك للمدن الإسبانية من حكام المماليك الأندلسية مثل أبي عبد الله الصغير() آخر ملوك غرناطة (الذي سلّم مفاتيحها لملوك قشتالة وهو يبكي. وتنقل المصادر التاريخية أن أمه قالت له حينها: «ابكِ كالنساء على مُلكٍ لم تُحافظ عليه كالرجال») والمعتصم() ملك "العامريّة"() (الذي لم يوافق ملوك الطوائف الآخرين على الاستنجاد بالمرابطين لمواجهة النصارى الإسبان فكانت نهاية مُلكه على يد جيوش ابن تاشفين بعد أن تحوّل التدخل المرابطي إلى ما يشبه الغزو). ويصوّر الشاعرُ كيف أنّ التاريخ يعيد نفسه بعد قرون في أكادير بين "موريِّين"() وبين "عامريٍّ" يمكن أن يكون من أحفاد المعتصم وأولئك المرابطين الذين قد انتصروا عليه وكأن الشاعر يرى في الواقعة _وهو شاعر الوقائع بامتياز_ تصفية حسابات بين "إخوة في الدم" و"أعداء في الدين" أبى التاريخُ إلا أن يُعيد المواجهة بينهم في هذه "المدينة الزلزاليّة المنسيّة على المحيط الأطلسي". وفيما يلي ترجمتنا لهذه القصيدة الإسبانية الأندلسية النادرة عن العاصمة السوسية أكادير: أكادير 73 لقد رَأَوا مِنْ قَبْلُ المعملَ والبيتَ والبستانْ بجوارِ الحديقةِ حيثُ كان رَجلٌ يَكدحُ وهو حافي القدمين، وكانَ الغداءُ طبيعيّاً تحتَ شمسِ الشاطئ، متَّكِئاً بكوعيهِ على المائدة، كسكسٌ ونبيذٌ جيِّدانْ. طاقمُ أطباقٍ أندلسيّة وذاكرةُ القصبةِ() الجنائزيّةِ الحديثة، وهي محروقةٌ ومُقْفِرةٌ وعاليةٌ فوقَ البحرْ، ضريحٌ مدمَّرٌ وعلى بابهِ جملانْ. "كيفَ لي أنْ أَخْسرَ كلَّ هذا؟"، قال المالكُ دونَ تمسْرُحٍ وبلا حِقْدٍ كبيرْ، "ثلاثونَ عاماً وأنا أُناضلُ مع هذا المَعْمَل لكي يستردَّهُ مِنّي الآنَ الموريّونْ؟" لا أحد قالَ شيئاً لكنّها دموعُ "أبي عبد الله الصغير" قد خالطَت السِّماط، أو أكثرَ من ذلك، إنّها شكوى "المعتصمِ" الصبورة، مَلِكُ "العامريّة"، حين كان يتنازعُ على الغنائمِ في مضجعهِ أولئك الذين جرّدوه مِنْ كُلِّ شيء: في أقصى جنوبِ المغرب، بمدينةٍ زلزاليّةٍ منسيّةٍ على المحيط الأطلسي، كان صاحبُ معملِ مُصبَّراتٍ مِن "ألمِريّة" يستقبلُ _بعد عشرة قرون_ عودةَ التاريخ رغم أنَّ "المعتصمَ" نفسهُ يُمكنُ أنْ يكونَ ربّما مِن أسلافهِ هو وأولئك الذين قد انتصروا عليهِ. * مترجم وباحث في الأدب الإسباني – الكناري.