اتسم الأدب الأندلسي- إذا أردنا أن نعطي المثل بالأدب -مثلا- بفضل هذا التبادل الثقافي بالرقة ورفاهة الحس وظهور ألوان جديدة أدبية كالموشحات والأزجال والمقامات والرحلات والنثر الفني نتيجة تأثير البيئة الجديدة، وجمال طبيعتهما وخضرتها ورقتها على الأندلسيين. وقد ازدهر هذا الأدب خاصة لما عاشت الأندلس في ظل المرابطين والموحدين بعد فترة ملوك الطوائف، وقد بدأ أقواله في عصر المرينيين- باستثناء نهضته في غرناطة بني الأحمر، ولو أنهم نجحوا في تأجيل كارثة سقوط الأندلس بنحو قرنين من الزمن. وقد تأثر أدباء المغرب من شعراء وكتاب بأدباء الأندلس، وحدو حدوهم في التعاطي للأجناس الأدبية الجديدة، كالأزجال والموشحات وغيرها. وكان لسان الدين بن الخطيب الذي ينتمي إلى أسرة أندلسية تنقلت عبر عدد من المدن الأندلسية والملقب ب: "ذو الوزارتين" عاش في القرن الثامن الهجري والرابع عشر الميلادي، دار في فلكه كثير من أدباء المغرب، وكان عاملا من عوامل تنشيط الحركة الفكرية بينهم، كما كان له نفس التأثر على الحركة الفكرية الأندلسية، إذا كان له الفضل في التعريف برواد الشعر العربي بالأندلس كالمتنبي والبحتري وغيرهما، كما كان تأثيره واضحا على أشعار بعض الشعراء المغاربة مثل ابن زمرك، والفشتالي والهوزالي… ومن نافلة القول أن هذا التفاعل الأندلسي المغربي لم يشمل فقط ميدان الأدب بل تعداه إلى مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والعلمية، وكان من نتائجه كثرة الهجرات بين العدوتين من المغرب إلى الأندلس، وكان ومن الأندلس إلى المغرب بداية من العهد الإدريسي حيث نزح الأندلسيون إلى "عدوة الأندلس" بفاس و"حملوا معهم علومهم وصنائعهم" إلى أن بلغت هذه الهجرات ذروتها عندما عمل المسيحيون الإسبان على إجلاء المسلمين واليهود من الفردوس المفقود إلى بلدان الغرب الإسلامي. وقد عمت التأثيرات الأدبية وبصماتها- عن طريق الأندلس- الأدب الإسباني بفضل النصوص الشعرية والنثرية الخاصة بالحروف ومغازي الفتوحات، وتعدى تأثيرها عدة مراحل حتى شمل الروائي والفن القصصي الإسباني والإيطالي، وشعر "التروبادور" الفرنسي، وشعر الغزل بصفة عامة، وانتقل إلى الموسيقى الإسبانية وإلى إيقاعاتها. ومن تم تسرب هذا التأثير الموسيقي إلى عدد من الدول الأوربية عن طريق الفلامنكو الإسباني وعن طريق المؤلفات الموسيقية العربية إلى غاية القرن السابع عشر. واكتشفت الاَلات الموسيقية العربية، كالرباب والعود والناي والقيثارة والطبل… ومن الأمثلة التي يمكن أن نسوقها لهذا التأثير الفكري العربي على الفكر الإسباني بصفة خاصة والفكر الأوروبي بصفة عامة أن الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي "دانتي" تحمل أثرا عميقا حسب المستشرق الإسباني "بلاسينوس" لقصة الإسراء والمعراج، وربما حتى لرسالة الغفران لأبي العلاء المعري… يتبع العدد المقبل بحول الله…