قد تبدو بروكسل بعيدةً عن الأندلس، لكنها تعجّ بالأندلسيين من إسبان ومغاربة. فهؤلاء، وفيهم بعضٌ من حفدة الموريسكيين، لم ينسوا طردهم من أندلس لم تعد عربية منذ عام 1492 وعادوا إلى أوروبا يحملون حنينهم وما تبقى من أزجالهم ونوباتهم. وأولئك عمّموا الفلامنكو، ذا التأثيرات العربية الأندلسية منذ أغاني الموريسكيين الحزينة والمستعطفة خوفاً من محاكم التفتيش الإسبانية، على جمهور بروكسل إسوةً بغيره من جمهور العالم المأخوذ برقصة "الفلاّح المنكوب". وفي إطار احتفائه بهذا التراث العربي الأندلسي، ينظّم المركز المتنقل للفنون "موسم" بقصر الفنون الجميلة (بوزار) ببروكسل مساء السبت 7 ماي المقبل سهرة فنية مزدوجة للموسيقى الأندلسية بالاشتراك مع "بوزار" وبدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج. سهرة هي الأولى، يقول محمد إيقوبعاً المدير الفني لموسم، في سلسلة "أندلسيات" يكرّسها للاحتفاء بالموسيقى العربية الأندلسية. سهرة "أندلسيات" يصدح خلالها الصوت الذهبي للفنانة الجزائرية المقيمة بفرنسا بهيجة رحال بالإضافة إلى الثنائي المغربي/الإسباني عمر المتيوي وبيكونيا أولافيدي. الفنانة الإسبانية بيكونيا أولافيدي المهتمة بالموروث الأندلسي الوسيطي وجدت في تجربتها مع الموسيقي والباحث في الموسيقى التقليدية الأندلسية عمر المتيوي شكلاً من أشكال العودة إلى إحدى مصادر التأثير الفني على الموسيقى الشعبية في جنوبإسبانيا. أما الجزائرية بهيجة رحال، فستقيم الدليل على أن هذا التراث الفني العربي الذي حمله الأندلسيون معهم عند مغادرتهم للأندلس تلوّن بلون الأرض المغاربية التي احتضنته دون أن يفقد من شكله الفني العربي الأندلسي المميّز. فهذا المورث الغنائي بنصوصه الأدبية، وأوزانه الإيقاعية، ومقاماته الموسيقية ورثته بلدان الشمال الأفريقي عن الأندلس وطوّرته وهذّبته ليسافر عبر التاريخ والأجيال. وتتكوّن مادته النظمية من الشعر والموشحات والأزجال مع ما أضيف لها من إضافات لحنية أو نظمية محلية جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع مع انفتاحٍ على نصوص وألحان مشرقية تعطيه بعداً عربياً أصيلاً. موسيقى عابرة للقرون والجغرافيات، لتحمل المتلقي عبر بساط النغم إلى أجواء الأندلس العربية الزاهرة.