تدفع إجراءات الاحتلال تجاه الأطفال الفلسطينيين والحصار الاقتصادي الذي يفرض على عائلاتهم، إلى تصرفات غير طبيعية يستغلها الاحتلال لقتلهم. المشهد الأخير نهاية الأسبوع الماضي والذي تمثل بإطلاق النار على طفل -الشهيد نسيم أبو رومي- لم يتجاوز 14 عاما عند أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، بعد أن استفزه أحد جنود الاحتلال، يؤكد المساعي لقتل الأطفال، إذ كان بالإمكان اعتقاله بكل سهولة أو في أسوأ الأحوال إصابته بأطرافه السفلية عوضا عن قتله. ويشير التقرير السنوي الخاص للأطفال في النزاع والصراع المسلح في العالم، والذي أعلن عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخرا، إلى ارتفاع عمليات قتل الأطفال في فلسطين، إذ سجل العام المنصرم 2018 استشهاد 59 طفلا فلسطينيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، منهم 56 طفلا تحقق التقرير من قتلهم على يد جيش الاحتلال، وأن الاحتلال مسؤول عن إصابة 2674 طفلا "في سياق مظاهرات، ومواجهات وعمليات تفتيش واعتقال". وقالت المحامية فرح بيادسة، وهي محامية الطفل المصاب محمد أبو الشيخ الذي أصيب عند أبواب الأقصى مع الشهيد أبو رومي، إن الاحتلال صعّد من انتهاكاته بحق الأطفال المعتقلين، وتحديدا من أبناء القدس الذين يعيشون تحت الاحتلال، وهي انتهاكات ممنهجة ومنافية للمواثيق الدولية وحقوق الطفل. وفيما يتعلق بالقتل الميداني للأطفال بدعوى تشكيلهم خطرا، قالت إن القتل يتم بزعم حماية أفراد الشرطة بأوامر إطلاق نار فورية تستهدف الأجزاء العلوية من أجساد الأطفال، علما أن شرطة الاحتلال يمكن أن تعيق حركة الأطفال دون قتلهم. وأضافت أنه في حالة الطفلين نسيم ومحمد، قتل نسيم وأصيب محمد في الجزء العلوي من جسمه ما يؤشر أن هدف إطلاق النار عليه كان قتله وليس إصابته، وهذه الممارسات تتم على البالغين أيضا، كما أن تعليمات إطلاق النار باتت أكثر فضفاضة، ولم نعد نفهم ما هي تعليمات جيش الاحتلال لشروط إطلاق النار. استشهاد 11 طفلا منذ مطلع العام الجاري وأظهرت إحصائيات صدرت عن الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال فرع فلسطين، استشهاد 11 طفلا فلسطينيا بنيران الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية العام الجاري، فيما لا يزال 250 طفلا يقبعون في سجونه. وقال رئيس الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال/ فرع فلسطين المحامي خالد قزمار، "تنتهك سلطات الاحتلال وبشكل ممنهج وصارخ، الحقوق الأساسية للأطفال الفلسطينيين، كالحق بالحياة والتعليم والحرية والعيش بأمان وغيرها، من خلال هدم البيوت والإخطار بالهدم، والاستيلاء على حقهم بالتعليم من خلال هدم المدارس أو اقتحامها، أو استهداف الطلبة خلال توجههم للمدارس أو العودة منها، أو خلال تواجدهم على مقاعدهم الدراسية، إما بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، والصوت، نحوهم بشكل مباشر، أو من خلال ملاحقتهم واعتقالهم والتهديد المستمر لهم بإعاقة حياتهم اليومية، سواء من قبل الجنود أو المستوطنين، الأمر الذي يستوجب محاسبتها على هذه الممارسات وتقديم قادتها للمحاكمة على الجرائم التي ارتكبوها بحق الأطفال الفلسطينيين". وأضاف قزمار أن ما حصل مع الطفلين قبل أيام من استهدافهم وقتل أحدهم، يأتي في سياق استمرار لسياسة الاحتلال باستهداف الأطفال الفلسطينيين في القدس، وقد تضاعف عدد الأطفال الذين يجري قتلهم وهي تتم وسط صمت دولي واستمرار لسياسة الإفلات من العقاب. وحمل قزمار "سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية كاملة عن هذه الجرائم والمجتمع الدولي الذي لم يتدخل لوقفها، فالصمت الدولي هو سيد الموقف". وطالب بأن "يكون هناك تسهيل لمحاسبة الاحتلال وتطبيق لاتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الذي يحمي الأطفال من كل انتهاكات، وأن ما تدعيه سلطات الاحتلال من محاولة الأطفال تنفيذ عمليات الطعن إنما لتبرير الجريمة المرتكبة بحق الأطفال، خاصة وأنه يوجد الكثير من الوسائل للسيطرة على الأطفال وليس قتلهم كما يجري". الاحتلال يسعى لكسر عزيمة الأطفال إلى ذلك، قال الخبير النفسي المقدسي المختص في شؤون الأطفال علاء الخروب، "عندما يكون هناك مبالغة في استخدام القوة مع الأطفال واختراق لكل قوانين التعامل معهم، فهذا يؤكد إجرام الاحتلال بحق الأطفال، وما يجري انتهاك لحقوقهم وللقانون الإنساني الدولي". وأضاف أنه "حتى لو خالف الأطفال القانون يجب أن لا يجري التعامل معهم بهذه القسوة وإطلاق النار تجاههم، بل يجب احتواؤهم وتعديل سلوكهم، والاحتلال يستغل أي حادث لإطلاق النار على الأطفال وقتلهم". وأوضح أن "العنف عبارة عن دائرة متواصلة، فالعنف الذي يمارسه الاحتلال في القدس يرتد عليه، ولتبعيات العنف على الأطفال آثار سلبية كثيرة خصوصا الأطفال المراهقين وهذه التداعيات تدفع للعنف تجاه الآخرين". وأضاف أننا "بحاجة لبرامج من أخصائيين نفسيين واجتماعين من أجل التخفيف من أضرار العنف على الأطفال المقدسيين، فما هو موجود في القدس لحماية الأطفال هي برامج حماية ذاتية والتمكين الذاتي للطفل. وفي السياق، قال رئيس مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية المحامي زياد الحموري، إن "حوادث قتل الأطفال في القدس تتواصل رغم إمكان السيطرة عليهم قبل إطلاق النار لكن الاحتلال يصر على قتلهم، وفي بعض الحالات تقوم شرطة الاحتلال بقمع المتظاهرين باستخدام الغاز ولكن ما يجري هو قصد القتل حتى لو لم يكونوا قريبين منهم فهم يمارسون عملية القتل" وأضاف أن "القتل ضد القانون الإسرائيلي نفسه وضد القوانين الدولية وهو إعدام بكل ما تعني الكلمة، وهذا إضافة إلى طريقة اعتقال الأطفال المقدسيين والتعذيب الممارس بحقهم، وكثير من الأطفال يخشون الذهاب للمدارس خشية من ممارسات شرطة الاحتلال وحرس حدوده". وتابع: "لذلك المطلوب منع كل هذه الممارسات، بالأخص القتل المرتكب بحق الأطفال إذ يوجد عشرات الأطفال الذين تم قتلهم في غزة". وبين الحموري "للاحتلال مخطط واضح على المستوى السياسي لكسر الأطفال المقدسيين عبر تحطيم الأسرة المقدسية واستهداف الأطفال بالقتل والاعتقال والتعذيب والترهيب، وهذا يترك آثارا كبيرة جدا على الأطفال، وهو ما يسعى له الاحتلال ليخرج الأطفال ضعافا ومرعوبين، رغم أننا نرى أن الأطفال لديهم تحدٍ في القدس في ظل كل ممارسات الاحتلال الهادفة لكسرهم". وطالب الحموري المؤسسات الدولية بالتدخل من أجل وضع حد لاستهداف الأطفال وتوفير الحماية لهم، "فلا يمكن قبول استهداف الأطفال المتواصل حاليا في القدس، والهادف لتدمير جيل المستقبل وإخراج جيل منهزم". من جانبه، قال الناشط المقدسي فادي المطور إن "المتابع لقضايا العنف الممارس بحق الأطفال يلاحظ أن تعليمات الاحتلال بإعدامهم، تتم بشكل ممنهج بتعليمات من الحكومة الإسرائيلية، وهم من يسيطرون على الأرض ويعدمون الأطفال بشكل ممنهج". وأضاف المطور أن "الاحتلال يدفع الأطفال للعنف باستهدافه لهم وبتأجيج المشاعر الدينية لدى المقدسيين، فالعنف الممارس بحق الأطفال، خصوصا أطفال المدارس بشكل يومي، يولد لديهم أحقادا تؤدي إلى ردود فعل عنيفة". *وفا