بعد قطع المؤسسة الملكية مع مظاهر البذخ والإسراف التي كانت تُرافق احتفالات ذكرى عيد العرش، أمر الملك محمد السادس بعدم إقامة الاحتفال الرسمي بعيد ميلاده، ابتداء من هذه السنة؛ وهي الاحتفالات التي جرت العادة أن تقام بالقصر الملكي يوم 21 غشت من كل سنة. وكان العاهل المغربي قد شرع، منذ حوالي ثلاث سنوات، في التقليل من مظاهر احتفالات "عيد الشباب"، بحذف فقرة التوشيحات التي دأب فيها على توشيح شخصيات تنتمي إلى مجالات مختلفة بأوسمة متنوعة، قبل أن تصل المؤسسة الملكية إلى مرحلة الإعلان النهائي عن إلغاء الاحتفالات الرسمية ل"عيد الشباب". وعن دلالات إلغاء احتفالات "عيد الشباب"، يلاحظ الباحث السياسي المغربي محمد شقير أن الملك محمدا السادس شرع، منذ عشرين سنة، في التخفيف من العديد من الطقوس المخزنية؛ أبزرها عدم تركيزه على ضرورة تقبيل يده، بالشكل الذي كان في فترة والده الملك الراحل الحسن الثاني. وأشار شقير، في تصريح لهسبريس، إلى أن الجالس على عرش المملكة سبق أن وجّه أوامره، في بداية فترة حكمه، إلى التقليل من مظاهر احتفالات عيد العرش وتحويل مصاريف هذه المناسبة إلى مشاريع تنموية. وأضاف المتحدث أن عدم إقامة الاحتفال الرسمي بعيد ميلاد الملك محمد السادس، ابتداء من هذه السنة، ليس بمسألة ظرفية؛ بل يدخل في إطار مسار التحديث، الذي أسس له الملك الحالي ضمن أسلوب متفرد في الحكم. ويرى شقير أن "طبيعة شخصية الملك محمد السادس تُحاول دائماً أن تبتعد عن مظاهر الفخفخة الزائدة، والتي كان الراحل الملك الحسن الثاني يحرص على تجسيدها بأدق تفاصيلها تكريسا لهيبة السلطان في إطار صراعه مع المعارضة، بخلاف النظام الملكي الحالي الذي يحظى بإجماع أو شبه إجماع ولم يسبق له أن دخل في مواجهة مباشرة مع مكونات المعارضة". ويُشير البحث ذاته إلى عامل آخر مرتبط بترشيد نفقات المملكة، وهو التوجه نفسه الذي عبر عنه رئيس الحكومة من خلال المذكرة التأطيرية لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020، والذي شدد فيه العثماني على ضرورة التحكم في نفقات الدولة والتقشف ما أمكن. "الاحتفالات الرسمية باتت متزامنة ومتلاحقة وتكلف أموالا طائلة، ومن المنطقي أن يلغي الملك محمد السادس الاحتفال الرسمي بعيد ميلاده، خصوصا أن العاهل المغربي لم يعد ملكا شابا كما كان من قبل"، يورد شقير، الذي لفت الانتباه إلى أن "الملك يبلغ اليوم من العمر 55 سنة، وبالتالي فإنه اختار وضع حد لاحتفالات عيد الشباب وتحويلها إلى مناسبة ربما للاحتفال بشكل شخصي مثل ولي العهد أو كافة أفراد الأسرة الملكية". وعلى الرغم من حرص العاهل المغربي على تحديث المؤسسة الملكية، فإن شقير يعتقد أن "محيط الملك محمد السادس غير مقتنع بإجراء قطيعة مع طقوس الماضي ويتشبث ببعض المظاهر السلطانية التقليدية؛ وهو ما يفسر ازدواجية التعامل بين إشارات الملكية المنفتحة، وبين محيطه الذي يقاوم ويفرمل التغيير".