لم تنس طنجةُ ذكرى مُحِبِّها صاحب "الخبز الحافي"، ولا تزال بعد ستّ عشرة سنة من رحيله تتذكّر كتاباته وجولاته و"شغبه الجميل". من لقاءاته مع كبار الثقافة والسياسة بالمغرب، وجلوسه لينفث في ذكرياته روحا، إلى توقيعاته على الرواية التي ارتبط اسمُه بها، فتوثيق آخر أيام حضوره الفعلي على أرض الناس هذه، قدّم معرض صور وقّعته المصوّرة الصحافية المغربية زليخة أسبدون، ونظّم بموازاة الدورة الخامسة عشرة للمهرجان المتوسّطي للثقافة الأمازيغية. ويسير زوّار المعرض في جولة عبر السنوات الثّلاث الأخيرة لكاتب "زمن الأخطاء"، منطلقين من مطلع الألفية الثالثة، فسنة 2002 بمنزله وفي شوارع طنجة، إلى عام وفاته في سنة 2003 بقبّعةٍ لم تفارقه إثر تكريمه بمدينة أصيلة. وتغيب صورُ الأيام الأخيرة التي عاشها محمد شكري عليلا، باختيار من المصوّرة التي رفضت التقاطها لأنها كانت تريد أن "تتذكّره بوجهه الباسم الجميل"، "وليبقى سي محمد هو ذلك الشّخص". ويكتشف المتجوّل بالمعرض شيئا من "حميمية" كاتب طنجة الوفِيّ، فيراه مستعرضا عضلاته والزّليجُ المغربي يلوح وراءه، ويراه مدخّنا غليونه وبصره يجول فيما هو أبعد من دخّانه، أو يتأمّل جلسة شكري قرب مكتبته المبعثَرةِ كتُبُها وبيده سمّاعة هاتفه المنزلي. ويقرّب المعرض كاتب "الخبز الحافي" من قرّائه أكثر، بتعريفهم بتقاليد كتابته ليكتشفوا أنّه لا يكتب حصرا بالقلم، بل يهوى نظم المعاني على حاسوبه "الماكنتوش"، كما يدرك أنّ طنجة ليست ملهمَتَه الوحيد، بل ذكرى أمِّه، أيضا، التي تتوسّط صورتها الحائط الذي يستند عليه مكتبه. ويظهر في صور المعرض شكريّان، فإما يجد النّاظر نفسه أمام شكري المبتسم، أو أمام شكري المتأمِّل، إما أمام شكري الذي يغوص في حياته ويفكّر في همومها إلى أن ينطفئ نور سيجارته، وإمّا شكري الذي يبتسم لمرافقيه، ويسرق ضحكاتهم، و"يقرأ كفّهم!". وتحكي زليخة أسبدون قصّة قراءة الكفّ هاته، باسمة، فتستعيد ذكرى اليوم الذي كانت تلتقط فيه صور شكري، فطلب منها أن تعطيه كفّها ليقرأ مستقبلها، ففعلت، قبل أن يأتي الزّمن على تفاصيل ما قُرئ، ولو بقيت هذه الذكرى حيّة. وكان حديث المصوّرة مع شكري دائما باللّهجة الريفية، وكذلك كانت قفشاته، مما سهّل تواصلها مع "الكاتب العالمي" و"ابن البلد"، وحتى بعد رحيله، لمّا زارت مجدّدا ما وثّقته خُيِّلَ لزُلَيخة أنّ محمدا شكري لم يمت، وهو ما تؤكّده بقولها: "رغم أنّه ودّعنا جسدا إلا أنّه لا يزال حيّا بيننا بصوره وكتبه".