بمناسبة الذكرى السابعة لرحيل «الكاتب» المغربي الوحيد «المعترَف» به ككاتب، ما دام أنه كان «الأوحد» بين كل «عشيرة» الكتاب المغاربة الذي كان يحمل في بطاقة تعريفه الوطنية «صفة» كاتب، استحضرت إذاعة طنجة، ليلة الأربعاء -صبيحة الخميس 11 /11 /2010، ذكرى رحيل أحد كبار المبدعين المغاربة، عبر برنامج «أنيس المتحاورين، الذي يعده محمد صابر وسعيد كوبريت ويقدمه الأخير على أمواج الإذاعة المذكورة... محمد شكري، الذي كان بمثابة «منارة» للعديد من الأسماء الأدبية التي كانت تحل بمدينة طنجة، التي صارت تعيش، بعد رحيل «بلزاك الرواية العربية» حالة من «الغبن» والفراغ الثقافي... الذي، كما «توزَّعته» دروب الحياة، توزَّعتْه، أيضاً، دروب الإبداع الأدبي من القصة إلى الرواية إلى المسرح إلى الشعر فالسيرة الذاتية... كان يحيى بن الوليد أولَ المتدخلين في ليلة الوفاء لذكرى رحيل شكري السابعة، حيث تحدّث عن حوار له مع محمد شكري تكلَّفت بطبعه وزارة الثقافة وسينزل إلى الأسواق خلال الدورة المقبلة لمعرض الكتاب، وهو يتحدث إلى الإذاعة في الذكرى السابعة لرحيل الأديب المغربي الأشهر في الأدب المغربي... وقد قال ابن الوليد إن «أهم احتفاء بالراحل شكري هو قراءة في الأدب الذي خلَّفه بعد أن ودّع الحياة قبل سبع سنوات من الآن». كما تطرق ابن الوليد ل«مؤسسة محمد شكري»، التي لم يُكتَب لها، لعميق الأسف، أن ترى النور إلى يومنا هذا، «حالت مجموعة من الاعتبارات دون تحققها إلى حد الآن، ويمكن أن يخلقها فقط أفراد مهتمون بإبداعات ومخلفات شكري الأدبية، أكثر مما تستطيع فعلَ ذلك أجهزةٌ رسمية»... وتابع يحيى بن الوليد قائلا إن «الأمكنة التي كان يرتادها شكري تحولت إلى ما يشبه النادي الثقافي.. وهذا تقليد افتقدناه مع رحيل محمد شكري، الذي شكل خريطة ثقافية في طنجة، والذي كان مهموما بسؤال الهوية الثقافية المغربية ولم يكن فقط كمرشد سياحي كما حاول البعض أن يقولوا عنه!»... أما الناقد الأدبي محمد الداهي فقال، في استحضار علمي أكاديمي لمنجز شكري السردي إن الأخير يعتبر «معلمة من معالم الثقافة المغربية، إذ خلف إرثا ثقافيا كبيرا (الخبز الحافي.. زمن الأخطاء.. وجوه...) كما أن تحفته «الخبز الحافي» تُرجِمت إلى أزيد من 38 لغة، مما يدل على إشعاع شكري على الساحة الثقافية العالمية»... وتابع الداهي قائلا إنه «يجب الاحتفاء بكتابنا ويجب استحضار أن الوطن فخور بكل هؤلاء المبدعين، ويندرج الراحل في هذا الإطار، حيث إن كتاباته خلفت صدى طيبا في كل مكان، بإبداعه الرزين وقدرته على تحويل ما يزخر به المجتمع وتقديمه بحلة أدبية رفيعة»... وذكر الداهي أن شكري كان «أديبا يقتات على تفاصيل حافلة بالمتناقضات ليس فقط على الصعيد العربي (كانت هناك كتابات تندرج ضمن «الأدب الشطاري» في إسبانيا وفرنسا) ويندرج شكري ضمن هذا الأدب... يدافع عن الطبقات الشعبية والفئات المهمَّشة... ففي «الخبز الحافي»، مثلا، نجد أنفُسنا إزاء طفل عاش تجارب مختلفة وتنقَّل بين مدينتَي طنجة ووهران وغيرهما ومارس مهنا بئيسة، في سبيل فرض حقه في الوجود»... وتابع الداهي قائلا إن شكري كان يتمتع بقدرة كبيرة على الإبداع وعلى الكتابة، ما أهَّله إلى أن يتربع على «عرش» الكتابة على المستوى العالمي.. فكان يُستدعى إلى أهم المناظرات، خصوصا باللغة الإسبانية، التي كان يتقنها.. وهو الذي لم يتعلم أبجديات اللغة إلا في العشرين من عمره، فصار معلما ثم صحافيا، قبل أن ينتقل إلى مجال الكتابة.. تعرَّف على بول بولز، الذي كان له «فضل» كبير على شكري، الذي ألَّف أول كتاب له بعنوان «بالخبز وحده»، الذي شاع في الثقافة الأمريكية.. ثم انتقل شكري إلى كتابة رواية «الخبز الحافي»، التي ترجمها الطاهر بن جلون إلى «Le pain nu» ونُشِرت بالفرنسية، قبل أن تُنشر في صيغتها العربية، عشر سنوات بعد ذلك، وعلى نفقة شكري الخاصة... وإن كان القارئ العربي، بصفة عامة، لم «يستسغ» اللغة التي كان يكتب بها شكري.. لكن ترجمة أعماله كان لها دور في إظهار القيمة الفنية لهذه المؤلفات... كما كان ل«صداقة» شكري مع بعض الكتاب، كمحمد برادة، دور في تحمُّل شكري «بؤسَ» حياته الخاصة، وقد كان له برادة «سندا» قويا، خصوصا في الفترة التي أصيب فيها بمرض نفسي.. الذي، عندما خرج من قبضته، أقبل على الكتابة بزخم كبير وظل على ذلك إلى أن أسكت قلمَه القدرُ المحتوم»... من جانبها، ذكرت مليكة نجيب، القاصة المغربية، أن «شكري علامة بارزة في المشهد الثقافي العربي والعالمي ولم تكن كتاباته زخرفة، بل كانت كشفا عن الواقع المُهمَّش البئيس غيرِ المعترف به، إذ إن كتبه شهادات تنطق بصدق الكاتب، بمعاناته وآلامه»... وتابعت نجيب بالقول إنه «قيل الشيء الكثير عن هذا الكاتب الأمازيغي، الخارج من حياة فقيرة إلى عالم فسيح ثري، من خلال كتاباته، التي أسَّس بها لشعرية البؤس وأنطق الطابوهات وكان له السبق والريادة في نقل معالم وخبايا الثقافة الفقيرة المُهمَّشة.. والذي كان يكتب بقوة وصدق.. وحتى بعد أن غاب عنا، فإنه حاضر بقوة -وسيظل كذلك- بفضل كتاباته التي ستبقى شاهدة على جدارته واستحقاقه للمكانة المتميزة التي حازها في سماء الأدب العربي والعالمي»... مزوار الإدريسي -الذي نسج علائق إنسانية وشيجة مع شكري- تساءل في تدخله عما إذا كان شكري قد غادرنا حقا، ف»الأعمال التي تركها تؤكد أنه قد «برمج» لحضور أبديٍّ في هذه المدينة... فقد استطاع أن يخلق لطنجةَ صورة جعلت منها محطة لكل من أراد أن يعرف المغرب.. فمع شكري، أفردت الكتابة السردية جناحيها وانطلقت في سماوات الإبداع.. نحن ندين لمعطفه «الغوغولي» بالفضل الكبير على أدبنا... فكل من حلّ بطنجة، الآن، يستشعر «غياب» شكري عنها»...