أخضع مبضع برنامج «أنيس المبدعين» على إذاعة طنجة، ليلة الأربعاء -صبيحةَ الخميس، 5 غشت الجاري، الذي قدَّمه عبد الحميد النقراشي، واقعَ الممارسة المسرحية المغربية للتشريح، من خلال مقاربة أهم الإشكاليات التي تُعيق تقدُّمَ الفعلَ المسرحيَّ المغربيّ، عبر طرح أسئلة ترتبط بالحصيلة والآفاق ومدى تحقيق التراكمات المطلوبة؟ ثم دور الدعم في الرُّقي ب«أب الفنون» ومدى مساهمة الفرق المسرحية في الدفع بعجلة هذه الممارَسة إلى الأمام... وقد كان أولَ المتدخِّلين رائدُ «المسرح الاحتفالي» عبد الكريم برشيد، الذي قال إنه لا يمكن الحديث عن المسرح المغربي دون وضعه في الإطار العام، في سياق التغيرات التي شهدها ويشهدها العالَم.. مشيراً إلى أن «الأعمال المسرحية المغربية يطغى عليها الاقتباس ونفور الجماهير و«انقراض» النقد»، الذي كان -سابقا-يواكب هذه الأعمال ويقود خطواتها نحو التجديد والإبداع وصنع التّميُّز.. كما أشار برشيد إلى أنه، في ظل «أزمة» المسرح المغربي، أضحى بعضُ رجال الرِّكح «يستجْدُون» الجماهير من أجل حضور «عروضهم» فقط حتى يتمكّن هؤلاء المسرحيون من «إقناع» وزارة الثقافة بمنحهم مِنَح الدعم الذي أضحت «تتهافتُ» عليه الفرق المسرحية.. وتابع مبدعُ «امرؤ القيس في باريس» و«النمرود في هوليود».. وغيرهما، قائلا إن ماضي المسرح المغربي عرف «تعايُشَ» أنماط وأشكال متعددة من المسرح، مما خلق دينامية وحراكا مسرحاً انعكس على المشهد الثقافي والمعرفي، لتظهر أسماء كبيرة ولامعة رفض بعضُها «ركوب» تجربة الاحتراف، كالمرحوم تيمود، الذي «اختار أن يعيش للمسرح، لا أن يعيش من المسرح».. ومحمد الكغّاط، الذي «فضَّل الاشتغال على تأصيل المسرح المغربي».. وعن دور رجال المسرح في «إعادة الروح» إلى الممارَسة المسرحية، قال برشيد إن المسرح قد «تسلَّل» إليه بعض «الدُّخَلاء».. «وإذا كانت هناك قِلة من المسرحيين ما تزال تُبدع، في صمت، فإن هناك آخَرين «صَنَعهم» الدّعم، ما دام أنه حيثما تكُن «المنفعة» يظهر «المنفعيون»، يقول برشيد الذي قام، يوما، بإخراج مسرحية «السِّي الماضي».. وكأنه كان يعرف أنه سيأتي يومٌ على المسرحيين المغاربة «يتحسَّرون» فيه على «السِّي الماضي»، ما دام «الحاضْر» لا يبعث سوى على الأسى والغيظ، في زمن استحكام الضجيج والفوضى وحتى «العبث» -بمعناه الحقيقي- بزمام «أب الفنون»!... من جانبه، ذكر حميد تباتو أنه «كلما انتفع البعض من سياسة الدعم، طبَّل ل«التراكم» وكلما قُطِع عنه «صنبور» هذا الدعم، انقلب وانتقد».. وذكر تباتو أنه، بدل الحديث عن تجارب انقلابية تستفيد مما راكمته التجربة المسرحية للرواد، يمكن الحديث عن تجارب «انتكاسية»، شارحا بالقول إن «ما يسمى «حركية مسرحية» يرتبط بما يُراكَم في المسرح «المدعوم» وفي مهرجانات «معيَّنة»، إضافة إلى «هجرة» المسرحيين نحو الدراما التلفزيونية والسينمائية، ثم ارتكاز هذه العروض في «المركز»، فنحن نقيس هذا المسرح بالمركز، بينما يعرف المغرب «قحطا» في هذا المستوى ويعيش المغاربة «جوعا» مسرحيا».. يقول تباتو، الذي أشار إلى أنه يجب «إنضاج» الحركة الثقافية، ككل، لإنضاج الحركية المسرحية. كما ذكر أن «الهواة» راكموا تجاربَ نقديةً متميزة، وإن كان الكثيرون منهم قد ابتعدوا. ولم تفُته الإشارة إلى وجود نقد متميز ورفيع، أكاديميا، حاليا، إلا أنه يبدو «مقطوعا» عن المساهمة في تطوير الشأن المسرحي... أما زعيم المسرح الفردي في المغرب، عبد الحق الزروالي، فإنه ألحَّ على أنه لا يمكن الحديث عن نفور الجمهور من المسرح، ما دام أنه ليست هناك علاقة وثيقة ولم تكن بين الاثنين... وتساءل «زكروم الأدب» ما إذا كان المسرح قد ارتقى كي يصير «حاجة» لدينا؟ ليجيب بالنفي، فهذا المسرح «اليتيم، المسكين» ما زال يراوح مكانه، مُصِرّا على وصفه ب»طفل عمره 80 عاما، مازال «يحبو» ويتعثر في «لحيته»... كما اعتبر أن «المسرح نمط حياة و«مدرسة» لتعلُّم السلوك القويم وحسن التصرف في الحياة العامة، يجب أن يَلِجها الصغير والكبير»، في نظره، معتبرا أننا، نكرَه «أب الفنون» ونقف ضده، «لأننا ضد ترسيخ الوعي»... كما عرّج مبدع «نشوة البوح» على التاريخ، ليُذكِّر بأن «أسلافنا مارسوا «لْبساطْ» وطرحوا من خلاله القضايا المستعصيةَ واقترحوا الحلول المناسبة لانشغالاتهم وإشكالاتهم»، يقول الزروالي، ليشدد في الأخير على أنه «ما دام «التهريج» هو السائد حاليا، فلن يكون لدينا مسرحٌ أبدا... فكل من «تْلْفَات ليه الجّْرْية» ويفشل في كل شيء في حياته، يقول: «أشْ نديرْ ما نْديرْ؟ نْدير المسرح!»... ليختم بالقول إن المسرح «صناعة»، ذاكرا في هذا الصدد تجربة الطيب الصديقي، الذي اعتبره الزروالي «ثروة حقيقية وقيمة كبيرة»، وقال إنه يُصنّف ضمن الخمسة الكبار في المسرح العالمي...