باب أبي الجنود يعد باب أبي الجنود من أهم بوابات السور المحيط بفاس البالي ، كما تعتبر هذه البوابة الأكثر شهرة سياحية للمدينة ، والمدخل الرئيس إلى أهم معالمها ، يقع في الجهة الشمالية الغربية ، في زمن مضى ، كان يفضي إلى "ساحة الباشا البغدادي" على عهد سلطات الحماية الفرنسية والذي حمل اسم ساحة القصبة ، وهو يفصل بين فاس المرينيين وفاس الأدارسة ؛ يتلون خارجيا باللون الأزرق وبالأخضر من الداخل ، كما حمل اسم "باب النصارى" للسخط الذي غمر ساكنة فاس تجاه سلطات الاستعمار الفرنسي ، لكن هذا الأخير سرعان ما أمر بمسحه من الذاكرة الجماعية ... الباب هذا يدخل في محور باب محروق القريب منه ، وبوجلود والنجارين والطالعة الكبرى والطالعة الصغرى ، كما اعتبره بعض المؤرخين من أبرز أبواب التجارة . إلى عهد قريب تحول إلى باب رئيسي بمدخلين يفضي إلى ساحة ملتقى الطالعة الكبرى والطالعة الصغرى ؛ الأولى عبارة عن شارع يمتد إلى ضريح المولى إدريس "بقلب" المدينة النابض ، كانت تنتشر على جنباته فيما مضى قصور ورياضات لعائلات فاسية مرموقة ، لكنها تحولت بفعل الجشع السياحي إلى دور الضيافة وإقامات سياحية فخمة ، يمكن معاينتها بدءا بحي ازْربطانة وسويقة بن صافي وحي صالاج وزقاق الحجر ... أسواق فاس القديمة هي من التعدد والانتشار حتى لا يكاد يخلو منها حي من أحيائها ، كما تجدر الإشارة إلى أن هناك فرقا بين السوق والرحبة ، الأول يعني موقعا قارا بحوانيته وأبوابه كسوق العطارين والصفارين والصباغين والحدادين ... أما الثاني "الرحبة" فهو يقتصر على الفضاء العام وهو أقل مساحة من الأول كرحبة الزرع لكيل الحبوب ورحبة الدجاج لبيع الدواجن ورحبة الزبيب ورحبة السمن ورحبة القيس .. الساعة الدقاقة الفريدة من نوعها في طريقنا مشاة بالطالعة الكبيرة ، ونحن نذرع أبنية قديمة ، سيستوقفنا جامع (مدرسة) البوعنانية ، نسبة إلى أبي عنان المريني ، وهو جامع بنقوش وزخارف أندلسية فخمة ودقيقة على واجهتين الطالعة الكبرى والطالعة الصغرى ، يتخلل صحنها جدول صغير بمياه عذبة ؛ ترجح إحدى روايات تشييده أن المجتمع الفاسي أعاب عن أبي عنان زواجه بخادمة كانت فاتنة الجمال ، فلما بلغ ذلك السلطان أبى عنان بحث عن خلاء كان مطرحا للنفايات والقاذورات فابتاع أرضه وأمر بتشييد مسجد عليها .. فجاء آية في الزخرفة والإتقان ، فجعله نكاية لمن كان من رعيته ما يزال يعايره بزواجه بالخادمة ، ويعني الفرق بين "الزبالة" التي كانت "والمسجد" الذي صارت له ! جامع أبي عنان هذا كان يشتمل على مرافق خاصة كإقامات لأهل تحصيل العلم والفقه من الطلبة الآفاقيين ، وهو نفس النظام الذي كان يسري على جميع المساجد والمدارس العنانية مثل جامع النحّاس المحاذية لجامع الأندلس ، بيد أن أعظم ما اشتهر به هذا الجامع كانت الساعة النحاسية المائية الدقاقة الضخمة ، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 1357 على يد الفلكي الطبيب والعالم الرياضي ابن البنا المراكشي ، وهي تحفة فنية جمعت بين الهندسة والحركة الآلية والرياضيات ، تعمل وفق نظام دقيق يتآلف مع صبيب الماء وتحريك "عقارب الساعة" بواسطة حبال ينتج عنها سقوط كرة معدنية ضمن 13 جفنة نحاسية مع منافذها المائية ، يقال إن دوي دقاتها كان يتردد في كل أنحاء المدينة ، كما كان جبل زلاغ يردد صداها عند مواقيت الصلاة . لكن الملاحظ أن وجودها أصبح أثرا بعد عين للإهمال الذي أصاب اختلالها وأيادي العبث والسطو التي امتدت إلى بعض أدواتها ومكوناتها .