شرخ تنظيمي داخل حزب العدالة والتنمية بفعل الخلافات الحادة النابعة من المصادقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، أذكتها الخرجات المتكررة للأمين العام السابق للحزب، عبد الإله بنكيران، الذي أعرب عن تفكيره في مغادرة "المصباح"، ما أعاد سيناريو الانشقاقات الحزبية إلى الواجهة، والتي دائما ما تتمخض عن الاختلافات السياسية التي سرعان ما تتحول إلى خلافات يصعب ترميمها. ولعل المتتبع لتاريخ حزب العدالة والتنمية يستشف أن "الديمقراطية الداخلية" كانت الميزة الأساسية التي تسمه، إذ يحتوي النزاعات التنظيمية التي قد تطفو إلى السطح في بعض الأحايين، لكنها لا تصل إلى درجة القطيعة، إلا أن مشروع "القانون الإطار" الذي يُعارضه بنكيران بشكل جذري، ومعه قاعدة واسعة من مناصريه، بدأت تُسائل أفق الحزب بعد المؤتمر القادم، الذي قد يُعوّل عليه بنكيران للعودة من جديد إلى أمانة "البيجيدي". شقير: شرخ سياسي وشخصي بخصوص إمكانية انقسام تنظيمي داخل الحزب ذي المرجعية الإسلامية، قال محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، إن "خصوصية الحزب تكمن في أنه لم ينقسم تنظيمياً بالنظر إلى المشاحنات والتنابز، لكن يتضح أنه منقسم بشريا أو فكريا، إن صحّ التعبير، إذ يوجد شرخ داخله، لن يصل إلى انقسام تنظيمي، وإنما يتعلق الأمر بهوة كبيرة بين تكتلين؛ تكتل أول يتزعمه بنكيران، وتكتل ثانٍ كان يُسمى تيار الاستوزار أو العثماني". وأضاف شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الشرخ الفكري والسياسي والشخصي لن يصل إلى درجة الانقسام التنظيمي، بمعنى الانشقاق، على غرار ما عرفته أحزاب أخرى، مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، وزاد مستدركا: "لكن يمكن القول إن الديمقراطية الداخلية ساهمت في عدم حدوث الانشقاق، أمام الانقسامات الحادة التي كانت بين نخب الحزب، لأنه كان من المفروض، على غرار ما حدث في الأحزاب الأخرى، أن يصل الأمر إلى الانقسام". وأكد الخبير في الشؤون الأمنية والقانونية أن "الانقسام كان يفترض أن يقع في الحزب خلال مرحلة البلوكاج الحكومي، أو الفترات التي تلت مرحلة البلوكاج، لكنه لم يقع إلى حدود الآن، ومع ذلك يوجد شرخ داخلي"، معتبرا أن "أفق الحزب يجب ربطه بانتخابات 2021"، وزاد: "هنالك تنافس حاد وتموقع ما بين التكتلين، إذ تأكدت الرغبة الأكيدة لدى بنكيران في الرجوع إلى الساحة السياسية، ويمكن أن يعود إلى رئاسة الحزب". وتابع الخبير ذاته: "لقد لمّح أحمد الريسوني، في حوار له مع جريدة أخبار اليوم، إلى إمكانية عودة بنكيران إلى رئاسة الحزب، وإن كان لا يحبذها، لكن رهان التنافس بين التكتلين موجود حاليا، إذ يريد بنكيران رئاسة الحزب بشكل مجدد ربما، ومن ثمة الرجوع إلى الساحة السياسية". العلام: الانشقاق مُمكن بعد سنتين في المقابل، يرى عبد الرحيم العلام، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن "الشرخ غير مسبوق داخل العدالة والتنمية"، موردا: "لم نر خلافا بهذا الحجم منذ بداية الحزب، إذ كانت تطفو أحيانا بعض الخلافات إلى السطح وتخفت في أحايين أخرى، بمعنى أنها خلافات محدودة ومُتحكم فيها، لكن الحاصل اليوم أنهم خرجوا من الاختلاف ودخلوا في منطقة الخلاف". ويوضح العلام، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الأمر يُلاحظ بعد تكليف العثماني بمهمة رئاسة الحكومة، إذ وقع خلاف حول الموضوع بين مجموعة من أعضاء الحزب، لكن اصطفت حركة التوحيد والإصلاح إلى جانب العثماني، لأن نَفَسَهَا البراغماتي يسعى إلى الحفاظ على أجواء التطبيع مع المؤسسة الملكية، بغض النظر عمّن يترأس الحكومة". ويؤكد الأستاذ الجامعي في جامعة القاضي عياض بمراكش أن "مجموعة من الأقطاب داخل الحزب بدت تعتقد أنه يؤخذ إلى مكان آخر غير الذي أسس من أجله، ذلك أن الذين كانوا يؤيدون العثماني في التوحيد والإصلاح أصبحوا اليوم مع بنكيران، وعلى رأسهم أحمد الريسوني، الرجل ذو الصوت النافذ داخل الحركة"، مبرزا أن "الحزب قد يتعرض للانشقاق، ليس اليوم، لكن بعد سنتين". وأرجع العلام إمكانية وقوع الانشقاق إلى كون الحزب مقبلا على مؤتمر، "إذ يمكن للقواعد أن تعيد بنكيران إلى الأمانة العامة للحزب، بينما توجد شخصيات اليوم داخل الحكومة مناوئة له، ومن ثمة لن يعجبها أن تشتغل معه، وستفكر بذلك في ملجأ آخر، عبر تأسيس حزبها الخاص". "هل لدى بنكيران الجرأة لتولي رئاسة الحكومة وهو يعلم أن أطرافا في الدولة لا تقبل بذلك؟ ما يجعل من الأمر تحدّيا..هل لدى قواعد الحزب الجرأة لإعادة انتخابه؟"، يتساءل الجامعي المغربي، قبل أن يمضي بالقول: "نظريا، السيناريو الأول وارد جدا، لكن على المستوى الواقعي تتحكم فيه نفسية القواعد وبنكيران وقيادات الحزب، لكن يصعب أن نتنبّأ بمخرجاتها منذ اللحظة".