منذ 25 نونبر 2011 تاريخ أول انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد،أصبح إسم عبدالإله بن كيران يتكرر على كل الألسن والصفحات والمواقع والمحطات الإذاعية والتلفزية بشكل كبير جدا،لم يسبق أن حصل مع أي وزير أول في تاريخ المغرب.وهذا مرده بدرجة أولى إلى ثورة التواصل التي يعرفها العالم كله،والمغرب جزء من هذا العالم،كما يرجع إلى طبيعة المرحلة واختلافها الكبير عما سبقها من مراحل،ليس في تاريخ المغرب وحده ولكن في تاريخ المنطقة العربية ككل. ربما نكون أمام شخصية استثنائية ،قدر لها أن تلعب أدوارا بارزة على مستوى الساحة الوطنية.وهذا ما تشهد عليه سيرة الرجل،خاصة بنظر المقربين منه.لكن ما هو أهم،وما يجعل الحديث عن هذه الشخصية بكل هذه الكثرة والتكرار،هو طبيعة المرحلة وخصوصياتها وتطوراتها المتسارعة. لا أحد كان بإمكانه قبل نهاية السنة الفارطة أن يتنبأ بموجة الأحداث التي غيرت كثيرا من ملامح منطقتنا العربية.حتى أكثر المتفائلين لم يكن يخطر بباله أن تكون هذه الشرارة التي انطلقت من تونس قادرة على اجتثاث أكثر الأنظمة تسلطا ودموية واستبدادا في ليبيا وتونس ومصر. كان منتهى منى الناس في مصر مثلا أن يقفز عمر سليمان لمنصب الرئيس بدلا من جمال مبارك، وأن يؤول الأمر،بعد شيء من العقلنة والتصحيح، بعد القدافي لابنه سيف .وأن يثبت هذا الأخير ،تنازلا منه ، أنه إصلاحي يريد تطوير النظام الحاكم في ليبيا، وأن تزهد سيدة قرطاج في منصب زوجها ،وتتنازل لرجل من حاشية الرئيس ،بشرط أن يبقى تحت قبضتها هي وأسرتها الحاكمة فعلا،وليس سيادة الرئيس الهارب.. كانت الآمال صغيرة جدا،وكان التفاؤل غير وارد. إلا أن يعفو الحاكم العربي الذي يجلس على كرسي الحكم ويجثم فوق أنفاس الجماهير،أو يقدم على شيء من الإصلاحات الشكلية تكرما منه وإحسانا ورفقا بالرعية. ووقع ما لم يكن في الحسبان.انطلق المارد من قمقمه.وعصفت الثورات برؤوس كبيرة،وأصابت بنارها تلابيب قوم آخرين.حتى من بدا متماسكا منهم أو من أراد أن يوقف عجلة التاريخ. في مثل هذه الظروف الاستثنائية والتغيرات الكبيرة يتسلم الأستاذ عبدالإله بن كيران منصب رئيس الحكومة بالمغرب.وأمام مشاهد الغليان التي مازالت تعرفها بعض الأقطار العربية،وخاصة في سوريا واليمن،يصبح الإصرار على السرعة في تنزيل الإصلاحات التي وعد بها الدستور الجديد حديثا يوميا ... بل حديث كل ساعة من اليوم . فهل بعد خيبة الانكسارات ،ومرارة الانتظارات،أمل في شيء من الانتصارات؟ هل آن الوقت لجني بعض ثمار الربيع العربي في جنان وبساتين المغرب،وتكون الغلة لكل المغاربة،لا فرق بين عربي وأمازيغي،ولا بين مقرب أو ساكن في المغرب غير النافع؟ أم لا بد من الصبر وشد الحزام ( لمن مازالت عنده هذه القدرة) في انتظار أن تنضج القدر على نار هادئة، وبالتالي تكون النتائج مرضية وسارة في نهاية المطاف ؟.لنتأمل وننتظر. أولا : لنترك الوقت للوقت ... لكن ؟ كون الشارع المغربي متلهفا إلى التغيير الإيجابي والإصلاح في أسرع مدة ممكنة،مرده إلى الأوضاع غير المرضية في كثير من المجالات والقطاعات الحيوية،خاصة تلك التي لها صلة بالحياة اليومية للمواطن.فقطاع الصحة مثلا يعرف تدهورا كبيرا،وأصبح العلاج نوعا من "البريستيج" ليس في متناول كافة المواطنين المبتلين بالأمراض.لقد ولى زمن العلاج المجاني أو حتى بمقابل معقول.الآن لا فرق بنظر المواطن، ذي الدخل المحدود ،بين المستشفيات والمراكز الصحية العمومية وبين العيادات الخصوصية.لأنه في نهاية المطاف مطالب أن يدفع تكاليف العلاج .وهو لا يجد ما يدفع.وقس على هذا أوضاع باقي القطاعات الأخرى. المواطن المغربي،خاصة من له إلمام بالواقع الحالي،رغبته عارمة في إصلاح يرفع عنه هذا الغبن ويجعله يأمل في مستقبل سعيد له ولأبنائه.لكنه يعرف أن هذا الإصلاح غير وارد بين عشية وضحاها.ويعرف أن مخلفات عقود من سوء التدبير لا يمكن تجاوزها بسرعة مهما تكن الإرادة قوية والنية صالحة. بعبارة أخرى،إن الإصلاح يتطلب وقتا كافيا ليعطي نتائج مضمونة.وهي بديهية لا تحتاج إلى كثير بيان.لكن ما ينبغي أن يتأكد منه المواطن هو وجود نية حقيقية وإرادة صادقة واقتناع تام بالإصلاح.وهو ما يعني أن يقدم رئيس الحكومة الضمانات التي تجعل الانتظار ذا جدوى ،وتجعل الأمل في الغد مبنيا على أساس صلب،وليس مجرد حلم أو سباحة في بحر الخيال. فالمواطنون الذين صبروا على قساوة ظروف حياتهم قادرون على مواصلة صبرهم. بشرط أن يروا بوادر إصلاح حقيقية.وأن يصارحهم السيد رئيس الحكومة الجديدة بالضمانات والرهانات وبالأرقام الحقيقية التي يبني عليها من أجل إصلاح الأوضاع الراهنة في كافة المجالات. ثانيا : خيبة الانكسارات ومرارة الانتظارات. كل انكسار في مسيرة الأمة يولد انتظارا جديدا في نفوس الجماهير المسحوقة أو المغلوبة على أمرها.الأصل أن يكون الانكسار حافزا لليقظة والتغيير نحو الأحسن.فالتاريخ يعلمنا أن أمما كثيرة استخلصت دروسا وعبرا عديدة من انكساراتها أكثر مما فعلت مع انتصاراتها ( اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية نموذجا ).فكثيرا ما تؤدي بعض الانتصارات إلى غرور يشبع خيال القادة ويعلي من نرجسيتهم وأنانياتهم،فيركنون إلى الدعة والسكون اقتناعا بأن يد التاريخ لا تنالهم ،ومكر الحوادث لا يتخطفهم.حتى وهم في انحدارهم إلى الهاوية،يعتقدون أنها طريق أخرى لنصر آخر.تصبح انتصاراتهم وهمية.وتصبح بطولاتهم خيالية.كما هو حال كثير من المسؤولين والمضطلعين بالشأن العام في العالم العربي. إذا كان التاريخ لا يسلك دائما خطا مستقيما تصاعديا كما يقال،فما يؤسف له أن يتوقف التاريخ بقوم -أبد الدهر- بين الحفر.فوهم الانتصار والتربع فوق القمة هو شبيه بالركون إلى الدعة، والقناعة بالعيش السهل الوضيع في أدنى الدرجات مقارنة مع باقي الأمم. المغرب الذي كان له شأن في يوم من الأيام، وصنع أحداثا كبيرة ،وحاول النهوض من جديد بعد التخلص من الاستعمار،لم يستطع أن يرسم لنفسه المسار المطلوب لتحقيق التقدم والتطور اللازمين. لقد وقع صراع رهيب حول الحكم بعد رحيل الاستعمار.وهو ما أضاع فرصا كثيرة للشروع في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الآني والمطلوب وقتذاك.توالت سنوات عجاف وتواصلت الصراعات وهو ما فوت مناسبة الإصلاح على الجميع. بعد هدوء عواصف الانقلابات والصراعات السياسية،دخل المغرب مع مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ما عرف بسياسة التقويم الهيكلي للحفاظ على شيء من التوازنات الاقتصادية.وهو ما انعكس على المواطن العادي سلبيا.حيث كان مطلوبا شد الأحزمة والتقشف،دون أن تكون هناك بوادر انفراج سياسي حقيقي.وهذه السياسة الاقتصادية التي تولدت عنها برامج الخوصصة بعد ذلك،عمقت الهوة وزادت الفوارق الاجتماعية اتساعا بين من يملكون كل شيء، ومن لا يملكون إلا قوت يومهم بعد جهد جهيد. توالت الانكسارات إذا،وامتد زمن الانتظارات.وأخطر انكسار بنظري هو أن يفقد المواطن كل أمل في الغد.فيقبل على أفعال خطيرة من قبيل الهجرة السرية التي أودت بحياة الكثيرين.أو يركن إلى الأنشطة المحظورة وتبتلعه السوق السوداء،من قبيل بيع المخدرات أو الدعارة ... وما شابه ذلك.أي أن قوت اليوم يكلف المواطن كرامته وحريته وقد يكلفه حياته أيضا.فهل بعد مثل هذا الانكسار انكسار؟ وهل يجدي في شيء طول الانتظار؟ ثالثا : الانتصارات المأمولة مع مجيء بن كيران إن جل المواطنين الآن ينظرون إلى الأستاذ عبدالإله بن كيران ،ليس من خلال عيونهم التي في رؤوسهم.بل من خلال أحلامهم الكبيرة وآمالهم المؤجلة وانتظاراتهم الطويلة. والمؤكد أن كل "خطإ" مهما كان صغيرا من جانبه،سوف يبدو بنظرهم خطأ جسيما.وهذا ما يجعل مهمته صعبة للغاية.لأن المقاييس بعد الحراك العربي اختلفت كثيرا،والتطلعات أصبحت كبيرة جدا.لم يعد المواطنون يرضون بأنصاف الحلول أو أرباعها.ولذلك لا بد من جرعة صراحة إضافية.لا بد من حوار حقيقي وشفاف يصل صداه إلى كل المواطنين ليعرفوا أين نحن الآن كمغاربة في سلم التنمية والتقدم والتطور ،بالمقارنة مع باقي الأمم،وما هو مطلوب منا فعله كي نصل إلى مراتب مشرفة تعيد للمغرب مكانته على المستوى العالمي،أو على الأقل، على مستوى المنطقة العربية،خاصة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وطبعا فإن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية جزء لا يتجزأ منها. إن المطلوب من الأستاذ عبدالإله بن كيران أن يعرف أن كل سلوك منه ،يصل إلى المواطن مضاعفا ومكبرا بشكل جلي،لأنه اختار أن يحارب الفساد ووعد بذلك غير ما مرة،وتصادف مجيءه للحكم أو للحكومة لا فرق مع هبوب رياح التغيير على المنطقة العربية كلها.ومعنى هذا أنه سوف يوقف النزيف الذي يؤثر سلبا على نمو البلاد وتطور اقتصادها.وهو الانتصار الأول الذي يمكن أن يسجله التاريخ له. وقف الفساد هو رديف لبعث الأمل في الأنفس.محاربة المفسدين هو سبيل لرفع الغبن عن الفقراء والمحتاجين. المعادلة الاقتصادية المعقدة جدا، والتي تدخل في مكوناتها كثير من الحيثيات والمعطيات،يمكن اختزالها بشيء من البتر نعم،ولكن لكي يسهل الفهم والاستيعاب،إلى قول الإمام علي بن أبي طالب : ( ما جاع فقير إلا بتخمة غني ).أي أن من يملكون مصادر الثروة،خاصة إن كان ذلك بطرق غير شرعية،هم بشكل آخر يحرمون آخرين – وهم الأكثرية- من أسباب العيش الكريم.فإنصاف هؤلاء،وتوفير العيش الكريم لهم،هو بداية الانتصار. لا نريد بطولات ...ولا نريد فتوحات... ولا نريد إنجازات كثيرا ما تبقى مجرد حبر على ورق،ويراد بها فقط الإلهاء وتمرير الوقت.مطلب مختلف فئات الشعب المغربي هو الحياة الكريمة شأنهم شأن كل مواطن في بلاد الله التي توصف بأنها متقدمة.وهو ما يعني الجرأة في تنزيل الإصلاحات الموعود بها،والتتبع اليومي لنتائجها،والتقويم في حينه لكل خلل قد يظهر.هكذا يمكن أن يحس المواطن العادي بمعنى أي انتصار آخر.وهكذا يمكن عقد صلح جديد بينه وبين السياسة ... بل بينه وبين الوطن. هي مهمة صعبة فعلا،لكنها ممكنة.والأمل أصبح معقودا على شخص الأستاذ عبدالإله بن كيران باعتباره زعيم حزب العدالة والتنمية الذي حاز على المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة،لكن أيضا بالنظر إلى تاريخه النضالي ودبلوماسيته الواعدة ووعوده التي كررها كثيرا. إن مسيرة الانتصارات تبدأ بأول انتصار يتمثل في استعادة كل مواطن للثقة في نفسه أولا،وفي وطنه،وفي المسؤولين بهذا الوطن،وفي باقي المواطنين من حوله.ولسنا في هذا بدعا،ففي كل الدول التي عرفت قفزات كبيرة في اقتصادياتها وسياستها الاجتماعية والثقافية،كانت الانطلاقة من بناء الإنسان والاهتمام به وتأهيله.ومثال تركيا وماليزيا حاضر في الأذهان.أما الدول التي تسحق الإنسان،وتهتم بالبرامج العسكرية لتحقيق انتصارات وهمية،فلا تفلح في أي مجال.وانظروا أحوال كوريا الشمالية وباكستان النووية وما آل إليه العراق وليبيا. لقد مل المواطنون من الوعود الكبيرة والبعيدة وهم يرون أحوالهم لا تتغير.نريد اليوم أن يقع العكس،أن نغير واقع هذا المواطن.أن نهتم بتعليمه وشغله وحريته وكرامته.نريد تأهيل كل المواطنين،خاصة من هم في مرحلة الشباب لاستثمار طاقاتهم وإبداعاتهم وعطاءاتهم.لا نريد وعودا بعيدة ولا زعامات كبيرة ولا قادة ملهمين متصلين بالسماء. إن يفعل الأستاذ عبد الإله بن كيران شيئا من هذا القبيل ... سيكون جل الناس في صفه.وسيكون لحزبه شأن آخر في كل محطة انتخابية مقبلة ... بل حتى إذا اضطر أن يرحل ...فمن حقه،وقد حقق لكل مواطن انتصاره، أن يقول بعد ذلك : إذا لم أكن معكم في غد **** فإني سأمضي وأنتم معي الناس يعيشون على الأمل... رجاء لا تخذلهم ... اجعل الأمل حقيقة. [email protected]