"الخطاب متوالية من الجمل" (هاريس) أيها الأساتذة الأجلاء، يا رسل المحبة والسلام، تحية ودّ وتقدير، تحية الصمود والالتزام. بعد مسار نضالي تصعيدي وتصاعدي وحَّدنا جميعا، وفرَّق شملهم، وأظهر حقيقتهم.. وهذه الحقيقة لا يمكن إنكارها، استطعنا بالعزم والاقتناع إدراك ما يتعرض له التعليم العمومي الخاص بأبناء الشعب (الطبقة الفقيرة) من جوانب متعددة؛ لذلك تأملنا راهن الثقة وما بعد الراهن؛ وطرحنا–نحن الأساتذة على ذواتنا أولا، وعلى آباء أبنائنا التلاميذ ومن يحمل هَمَّ التعليم ثانيا- سؤلين أساسين: إلى أين نريد الوصول بالمهنة الشريفة التي شرفها الله بقوله: "اِقرأ"؟ كيف ندرك ما لنا وما علينا من بناء ثقتنا وتداول خطاب قضيتنا جميعا؟ قبل محاولة الإجابة عن السؤالين، وما يمكن أن يتفرع عنهما من أسئلة لحظية واستشرافية، وجب علينا نحن الأساتذة الأجلاء وحاملي الشهادات، بصدقٍ، أن نعبر عن فخرنا الفعال بوجودكم؛ بل عن وجودنا قوةٌ واثقة بخطابها السلمي، وصوتٌ لصدى صوت يعلو ولا يُعلى عليه في شوارع الوطن ليلًا ونهارًا، فأنتم القضاء والقدر المبرم فتقدموا تقدموا في الشوارع بالشموع والوعود والمواعد؛ لبناء الثقة المشتركة والمتبادلة بيننا وأفراد مجتمعنا كلّه، فأنتم الشموع في الظلام الحالك التي يجب أن تدرك أنها لا تحترق من أجل نفسها، لا، بل من أجل أن ينعم الناس في النور والعلم الآن وإلى ما "لا-نهاية"، وكما يقول إدوارد إفريت ما معناه: إن أهل التعليم يحرسون البلاد أحسن من جيش يحمل العصا مكان القلم. إنكم تمضون قدما في المسار النضالي الذي رسمتموه لذاتكم المشتركة بتعددها منذ أول لحظة والتزمتم به؛ وليشهد التاريخ على هذا البناء المستمر يدا في يدٍ عرفتكم شوارع المدن المغربية وشوارع الرباط بفسيفسائها وسياحها الأجانب متضامنين متآزرين موحدين في ليلة سماؤها ماء وغطاؤها هواء وفراشها إسمنت ونبات؛ بعزم وقناعة ثابتين التزمتم بالكلمة؛ كلمة الحق والحقوق "لا لا للتعاقد" مسهمين في بناء مستقبل من سيأتي خلفكم خلفًا لكم؛ مستقبل تلامذتكم، فليس من طبعكم أن تتركوا نصف الكأس فارغًا، لأن قلوبكم أقسمت سرا وعلنا، والله يشهد، أن خطابكم جاء ليقطع الصلة مع زمن العبودية و"اللا-معنى" ويقضي عليها إلى ما لانهاية بالحرية والمعنى، بحرية العيش ومعنى الحياة؛ اللذين يترجمان المُواجَهَة "لا الصمت" ويؤكدان الحرية "لا القمع". إن بناء الثقة أساس الوحدة الإنسانية المشتركة بيننا والعميقة والمستمرة من الآن إلى "ما لا-نهاية" بوصفه رد فعل على "التعاقد" الذي يريدون فرضه علينا "نحن شموع الحرية"؛ إن خطابنا الاحتجاجي خطاب الحقيقة يستنكر عبارات "اللا-معنى" التي يرددها الوزير المقصود "س.أ" لم تحقق أي نتيجة سريعة وفعالة، فهو المسؤول الأول عن إضرابنا، وإن لم يعترف بأخطائه في حقنا نحن السادة الأساتذة وحاملي الشهادات، وحق أبنائنا التلاميذ؛ فلن يزيد هذا التكبر والتعالي إلا استفحال الشعور بالظلم و"الحڭرة" ويؤدي إلى "الاختناق البنيوي الذي لا تستمر معه التبادلات الاجتماعية بشكل عادي.. الأمر الذي يؤدي إلى صراع طبقي نتيجة عجز (النخبة) الحاكمة عن إقامة عدالة اجتماعية"(1). فلا-مسؤولية المسؤول (الوزير)، لفظا وصورة، تُقِر بأن التعليم العمومي معرض لسياسة ممنهجة خطيرة ومهددة له سواء من حيث المقررات المدرسية الخاصة بالتلاميذ بِعَدِّهم المركز الأساس، أو من حيث استقرار ظروف الأساتذة كلهم النفسية والمادية. إن تصريحاته على القنوات الإعلامية القائلة "تم إلغاء التعاقد" ليست إلا غيضا من فيضٍ خَلَّفَ خلفه (استياءٌ)، عفوا، استياءً واحتجاجا كبيرا. وإن قصفه وأتباعه لنا، مع وجود نيَّة التعالي والسخرية، هو خطأ لن نقبله في منبتنا منبت الأحرار. فقد كنا، نحن السادة الأساتذة حاملي الشواهد، نشعر دائما بما تقوله بعض المقررات المدرسة للتلميذ من "اللا-معنى" (بغريرة) وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على سوء النية في المقررات المدرسة وقرارات الوزير. وبناءً على كل ما تقدم ويقع في مجال التعليم، أدرك كل واحد منا ما يقع..؟لذلك وجب علينا، نحن السادة الأساتذة وحاملي الشهادات كلنا التفكير في طبولوجية (مواقع) الاحتجاجات وإستراتيجية استمرارها (كما في المادة ال22 من الدستور، حيث الحق في الاحتجاج السلمي مشروع) خصوصا وأن المجتمع كله يراهن علينا، بكل فخر، في نضالنا المفتوح والمستمر والسلمي؛ فنحن لم نجد ذواتنا فجأة بساحات المعارك الاحتجاجية هكذا!! ولكن الظلم و"الحڭرة".. من دوافع خروجنا إلى الشارع، ومن ثمة، الإعلان عن الإضراب المشروع؛ ولعل ربط الاحتجاجات والإضرابات بالراهن والمستقبل بمثابة خطوة نحو الإدراك والتداول لمواجهة الافتراض والتوقع -بغض النظر عن أرقام وزارية ومقترحاتها وتحليلاتها الاقتصادية- يدفعنا بكل عزم إلى تسليط الضوء على بناء الثقة بخطابنا –نحن السادة الأساتذة وحاملي الشهادات- بوصف خطابنا "خطابا يتحقق اعتمادا على أطراف تنتجه (تشيده) وأخرى تستقبله، كما أنه يستند إلى إجرائيات في التركيب والبناء والتقديم تهدف إلى إقناع المتلقي وبناء ثقة" (2) بين أطراف الإضراب والاحتجاج قولا وفعلا، لغة وصورة، حتى يكون كل واحد من حاضرًا ببصمته وصدى صوته في هذا المشهد التاريخي الحاسم؛ فمن خلال هذه الثقة وتكونها واشتغالها تصبح لنا سلطة منتجة لمسلك واضح لخطابنا؛ خطاب الأساتذة، نرصده في مراحل الإدراك والتداول الآتية: الأساتذة والتماسك: لا يخفى علينا أن الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد فُرض عليهم مكرهين وليس بمحض اختيارهم، لذلك بدؤوا وبكل الطُرُق السلمية، التي ينص عليها الدستور، الاحتجاجات من مواقع أو طبولوجيات مختلفة بالبلاد، ليس بشكل انطباعي هشٍّ ولكن بأسلوب حضاري متماسك ومُدرِك للغة الوزارة المتعالية، رفضتم لها بصوت جماعي بل جماهيري وصور تتعدد من حيث تعبيرُها لكنها اتفقت على عبارة واحدة "لا لا للتعاقد"، فخطاب الأساتذة خطابنا جميعا بضمير المتكلم باسمنا نيابة عنا صار ضمير الجمع حيث هو صوتنا ونحن صدى صوته؛ إنه ممثلنا ولساننا المشترك الحاضر في خطابنا (نحن- نريد- نقول- جميعا- نرفض- نحتج- من حقنا..) وحاضر بل حاضرون بتوقيعاتهم وإمضاءاتهم في إطار التنسيقيات الجهوية والوطنية بصوت الجمع الموحد الأكثر تنظيمية وتماسكا؛ وهذا في حد ذاته تبئير للثقة بخطابنا الاحتجاجي السلمي. 2. صحافة الأساتذة بكل اللغات: تلعب الصحافة دورا فعالا لنقل المواضيع المتعددة "من.. إلى"؛ من المرسلين (الأساتذة) إلى المتلقين، فهي بمثابة وسيط حامل لصوتنا، على نطاق أبعد، وقائل: "إننا نكتب ليفهمنا العالم"، وتتميز لغة الصحافة ببعض الخصائص من أبرزها: الحرص على مراعاة قواعد اللغة المكتوبة والشفوية الموظفة بها حتى لا يقع لَبسٌ عند القراء أو المتابعين لقضيتنا، إذ عليها أن "تعتمد الوضوح والسلامة النحوية والدقة في تقديم مادتها الإخبارية للجمهور" (3) قصد توجيه القارئ العادي للفهم، ومن ثمة؛ "يفهمها القارئ المثقف دون أن يحتاج أحدهما إلى معاجم، أو يبذل جهدا ذهنيا شاقا لاستيعاب المادة الخبرية المقروءة والمسموعة"(4)؛ ونضرب مثلا على الدقة والوضوح العنوان المتداول الآتي: الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد (كرها وإجبارا) المتعاقدون (بمحض إرادتهم) ويجب علينا أن نتجنب الجمل (المتواليات) المبنية للمجهول بجمل مبنية للمعلوم وواضحة على سبيل المثال: وُقِع إلغاء التعاقد (فعل مبني للمجهول) وَقَعَ الوزير..على إلغاء التعاقد (ضرورة البناء للمعلوم). كما يجب علينا تكثيف البنية المفاهيمية بخطابنا الصحافي بأفعال دالة على قوة موقفنا وثباته مثلا: (نندد- ندعو- نؤكد- نتعهد- نحتج- نشدد- نتفق- نلتزم.. نتفق. إن امتلاكنا لأساتذة لهم لغات متعددة (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية...) سيساعدنا على إيصال رسالتنا إلى الجميع، وهذا هو المدرك المكتسب والرهان الذي يجب أن نتداوله. التلاميذ والأساتذة والآباء: يجب أن نعلم، بداية ونهاية، أننا أساتذة دورنا هو التعليم؛ لكن، وفي الوقت نفسه، لنا دور أكبر هو التربية، فالمعرفة بدون تربية تدمير للتلاميذ. عليه، فنحن بمثابة آباء التلاميذ جميعا، وما يشغل آباء التلاميذ يَشغَلنا، وهذه القضية حسمناها جملة وتفصيلا ولا داعي أن تركب بعض الجهات الوزارية المُتعالية فوق ثقتنا وتقول: (آباء التلاميذ، يخافون على أبنائهم من سنة بيضاء). وقل للتاريخ أن يسجل: إننا –نحن السادة الأساتذة- كنا ولا نزال نقوم، وقت الحاجة، بتقديم حصص دعم إضافية ومجانية للتلاميذ بمجموعة من المواد؛ "من بينها حصص مجانية وإضافية في دراسة المؤلفات؛ كتاب ظاهرة الشعر الحديث ورواية اللص والكلاب وغيرها من الحصص في الآداب والعلوم، والسبب هو أن الوزارة المعنية نفسها لم تخصص الوقت الكافي للتلاميذ لفهم بعض المواد وإدراكها" (4). فنحن لا نناضل من أجل أنفسنا فرادى، ولكن من أجل هذا وذاك الجيل المقبل بعدنا؛ هم تلامذتنا الذين سيصبحون غدا أو بعد غد أساتذة في مكاننا ويحملوا مشعل العلم والنور، ونُؤكد، هنا صدق مسار بناء الثقة في خطاب نضالاتنا، بدفاعنا المستميت عن إلغاء بعض المقررات المدرسة وإعادة النظر في بعضها الآخر (بغريرٌ- بريوات) التي لا تُوافق فهم أبنائنا التلاميذ ولا تسهم في بناء وعيهم فَهُم أساتذة الغد؛ وهي القضية نفسها التي انتبه لها مجموعة كبيرة من المديرين المناضلين بالابتدائي والإعدادي والثانوي وأعربوا عن رفضهم لهذا الاختراق المعتمد بطرقهم المتاحة في السياق نفسه. إذا عدنا وتأملنا بشكل جماعي بداية مسارنا النضالي الذي قطعناه بعزم وثبات والاحتجاجات التي ينص عليها الدستور (المادة ال22)، سنجد أنفسنا قد بَنَينَا الثقة لأول مرة في تاريخ التعليم بالمغرب باستراتيجية أخذت من التجارب السابقة ذاكرةً لفعلها الجماعي النبيل، وكما يقول الشاعر: "إذا الشعب يوما أراد الحياة؛ فلا بد أن يستجيب القدر"، وحتى لا ننسى؛ نؤكد قولنا: إننا ندعو جميع المناضلين إلى تقويم الثقة التي تَقُوم ببناء التقوية بناء الثقة ذاتها في خطاب الأساتذة؛ خطابنا. إن هذا البناء هو "العامل الجماعي..يمكن حسب إستراتيجية الخطاب.. من القدرة المعرفية التي تميزه والقائمة بدورها على مقومات معرفية: المستوى الفكري القادر على التميز" (5) مواكبة القوانين ونقدها (قانون الإطار). تقديم قوانين موضوعية للجميع وبدون استثناء. البعد الوطني ومصلحة الوطن التعليمية والتعلمية. بناء على ما تقدم، نتأكد، إدراكا وتداولا، أن بناء الثقة في خطابنا ليس راهنيًا فقط، بل يتجاوز الراهن وراهنيته عبر علاقات تَدَرج نُسميها هنا؛ رهانات المستقبل بقريبه وبعيده، تضمن امتلاكنا الحرية والحق والنص والقانون امتلاكا معرفيا وتربويا وقانونيا وماديا، وتضمن، كذلك، ثبات موقفنا النضالي السلمي وثَباته؛ وكما يقول الأمير هشام: التعليم لا يتطلب فقط إجماعا أو توافقا بل يستوجب رؤية علمية ثابتة ودقيقة.. ويضيف: نعم، فَقَدَ المغرب محطات في مسيرته، ويبقى التعليم المحطة التي لا ينبغي فقدانها. المراجع: 1.عبد الرحيم العطري: الحركات الاحتجاجية بالمغرب: مؤشرات الاحتقان ومقدمات السخط الشعبي، دفاتر: وجهة نظر، مطبعة النجاح الجديدة المغرب، ص:71 2.عبد المجيد نوسي: بناء الثقة في خطاب الوردة، الخطاب الاشهاري بالمغرب: استراتيجيات التواصل، كتاب جماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، مطبعة النجاح، الطبعة الأولى 2009، ص:65). 3.رحمة توفيق: لغة الصحافة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، العدد: 15، 2014. ص: 149. 4.من حوار من مجموعة من الأساتذة حول الزمن المخصص لتدريس بعض المواد. 5.عبد المجيد نوسي: بناء الثقة في خطاب الوردة، الخطاب الإشهاري بالمغرب: استراتيجيات التواصل، كتاب جماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، مطبعة النجاح، الطبعة الأولى 2009، ص:74.