تتألم مدينة سيدي سليمان وتأن من الأوضاع البيئية المتدنية التي أصبحت تعيشها، إلى درجة أنها تبدو لساكنيها وزوارها كالعجوز التي أعيتها نكبات الدهر ونالت من تقاسيم وجهها تجاعيد السنين. عند المدخل الغربي للمدينة، تنتصب لوحة متهالكة تستقبل زوارها بعبارة كتبت بخط رديء: "مدينة سيدي سليمان ترحب بكم". نشوة الزائر بعبارة الترحاب هاته سرعان ما تتكسر مع "نسائم" الروائح العفنة التي تنبعث من أكوام الأزبال المنتصبة على طول مطرح النفايات الذي يشكل أحد مظاهر التدهور البيئي بالمدينة. وما يكاد الزائر يفتح رئتيه ليستنشق هواء نقيا حتى يجد نفسه فوق قنطرة متلاشية تنتصب فوق "مستنقع بهت"، الذي يعتبره السليمانيون أحد عناوين تفوق المسؤولين في اللامبالاة وصراع المصالح الشخصية على حساب مستقبل الساكنة التي يظل بعضها صامتا خوفا من دفع تكلفة المطالبة باستنشاق هواء نقي والعيش في بيئة نظيفة. "باريس الصغيرة" في خمسينيات القرن الماضي، أطلق المعمر الفرنسي على مدينة سيدي سليمان اسم "باريس الصغيرة"، لما كانت تعرف به آنذاك من طبيعة خلابة ومجال جذاب شديد الاخضرار، حولها في زمن قياسي إلى مجال منتج بمردودية كبرى، وزاد من جماليتها "واد بهت" الذي يخترقها قادما من جبال الاطلس المتوسط. يحن سكان سيدي سليمان إلى هذه الفترة، لما كان يشكل هذا الوادي فضاء يجمع بين الخضرة والطبيعة والوجه الحسن، فقد كان نظيف الضفاف، رطيب الشجر. ولكن مع مرور الوقت تحول هذا الاختراق الرباني إلى كابوس يقض مضاجع السكان، بعدما تحولت ضفافه إلى "بركاصة" كبيرة ترمى فيها النفايات والقاذورات، وغرقت جنباته في ركام من المتلاشيات والقارورات، وتحولت مياهه الشفافة إلى مياه عكرة تغير لونها بسبب مخلفات مياه الحمامات وقنوات الصرف الصحي؛ وحدها الأشجار العملاقة ظلت قائمة على جنباته تشهد على ماضيه النظيف وتقاوم بقوة بشاعة التدبير السياسي لطبيعة المدينة. من "بحر" إلى مستنقع يروي محمد الوردي، وهو من أبناء مدينة سيدي سليمان القدامى، عن ذكرياته عندما كان يقصد "واد بهت" أيام الصبا رفقة أبناء حيه سنوات السبعينيات للسباحة والاستجمام فيه بكل أمان، والاستمتاع برماله التي كانت أحسن من رمال شاطئ البحر، خصوصا من جهة "دوار اجديد" و"حي أولاد الغازي". ويتذكر الوردي "انتشار الصيادين بشباكهم على طول جنبات الوادي للظفر بغنيمة من أسماكه الطرية اللذيذة التي كانوا يبيعونها للعابرين تحت قنطرة "أولاد مالك" وقنطرة "حي اخريبكة". من جهته قال هشام كريويط، وهو من أبناء المدينة، إن "هذا الوادي شكل في فترة سابقة منبعا لري المحصولات الزراعية من خضر وشمندر وغيرها من المنتجات التي كانت تشتهر بها المنطقة، كما كان موردا رئيسيا لتلبية حاجيات البهائم والدواب من الماء الشروب"، مستحضرا "المخاطر الصحية التي يمكن أن تصيب الساكنة جراء التعفن الذي أصاب ماءه". وناشد المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، المسؤولين "التدخل العاجل والفوري لإعادة الاعتبار لهذه الهبة الطبيعية التي كانت تعتبر في زمن من الأزمان "أيقونة" سيدي سليمان". من جانبه تحسر عبد الله هدا، رئيس جمعية مدينتي للثقافة والتنمية، على "الحالة السيئة التي أضحى عليها الوادي، بعدما انعدمت فيه الحياة، وغابت عنه مقومات النهر، فقد أصبح مجرى للمياه العادمة، ومكانا موحشا تنبعث منه الروائح الكريهة والسموم"، وأضاف أن "هذا الفضاء كان يشكل متنفسا للراغبين في قضاء سويعات من المتعة والاستجمام وممارسة هواية الصيد". وحمل عبد الله المسؤولين ما آل إليه الوضع بوادي بهت، وزاد: "لو تحلى المسؤولون بقليل من الغيرة على المدينة لأصبح منتزها يليق بالساكنة، ولاسترجع جماليته التي كان عليها قديما". عصام واعيس، إعلامي وكاتب رأي قال إن "هذا الوادي الذي كان صافيا وجميلا و"بحرا" بديلا للساكنة في زمن مضى، تحول إلى نقطة سوداء بيئيا، بفعل الكم المهول من النفايات التي ترمى من أعلى القناطر أو تأتي أحيانا من أسواق قريبة ومجازر"، مضيفا أن "مثل هذا الوادي لو وهبه الله لبلاد متقدمة لكانت تعبره الزوارق الصغيرة وتزين جنباته الورود وتربط ضفافه الجسور منمقة البناء". ونبه واعيس إلى أن "هذا الوضع يحتاج إلى حل، والحل يحتاج إلى مسؤولين بحس بيئي عال"، وهو ما يراه "غائبا في زحمة الصراعات الفارغة التي تدور بالمدينة"، وفق تعبيره. المجلس الجماعي يطمئن سعيد قانون، مكلف بمصلحة البيئة بالمجلس الجماعي لسيدي سليمان، أكد في تصريح لهسبريس أن "المصلحة تباشر باستمرار حملات تطهيرية لتنقية جنبات الوادي من الأزبال والقاذورات التي ترمى فيه"، محملا مسؤولية الحالة التي وصل إليها لسكان الأحياء المجاورة له، ومضيفا أن "بعض سكان حي "الغماريين" و "أولاد الغازي" وحي "اخريبكة" و"أولاد مالك" يرمون الأزبال على ضفاف الوادي رغم تواجد حاويات كبيرة يوفرها المجلس الجماعي وشركة النظافة"، ومؤكدا أن "الأوضاع ستبقى على حالها في غياب تعاون من طرف الساكنة". وأضاف سعيد أن "الأشغال في مشروع تطهير السائل المتواجد بحي "أولاد مالك" بلغت مراحلها النهائية، وسيصبح جاهزا في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر على أبعد تقدير"، مشيرا إلى أن "إنجازه سيساهم في تصفية مياه الوادي وتنقيته ليصبح ماء صالحا للشرب". ونوه قانون ب"لقاء جمع بين رئيس مجموعة جماعات بني احسن للبيئة وممثل عن جمعية أمريكية تعنى بحماية البيئة لتدارس مجموعة مقترحات تروم النهوض بالقطاع البيئي بمدينة سيدي سليمان، وفي مقدمتها وضع تصور يتعلق بتهيئة وتزيين ضفاف وادي بهت وحمايته من التلوث".