أوصت دراسة أنجزتها مديرية الدراسات والتوقعات المالية بإجراء مراجعة شاملة لجميع اتفاقيات التبادل الحر التي تربط المغرب بعدد من الدول لمعالجة التدهور الذي يعرفه الميزان التجاري للبلاد منذ سنة 2007. وحسب الدراسة، فإن "العجز المزمن في الميزان التجاري المغربي للسلع والخدمات يشكل مصدر قلق كبير، حيث يُؤثر على التوازن المالي للبلاد، ويضر بالاقتصاد المغربي من حيث ضُعف النمو وفقدان مناصب الشغل". ويعرف المغرب، حسب الدراسة ذاتها، منذ سنة 2007 تدهوراً حاداً في ميزان التجارة الخارجية للسلع والخدمات. ويرجع هذا المسار، تضيف الدراسة، إلى الآثار الناتجة التي ألمت بالشركاء الرئيسيين للبلاد عقب الأزمة المالية لسنة 2008، إضافة إلى التقلب الشديد في الأسعار الدولية للمواد الخام في قطاعي الزراعة والطاقة. وهذا التدهور له أيضاً عوامل داخلية مرتبطة بأوجه القصور في القدرة التنافسية للعرض التصديري، إضافة إلى الدينامية المرتفعة للواردات، خصوصاً من البلدان التي أبرم معها المغرب اتفاقيات للتجارة الحرة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدةالأمريكية. وجاء في الدراسة، التي أعدتها المديرية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، أن "المساهمة المحدودة للموارد الخارجية في نمو الاقتصاد المغربي ترجع إلى ضُعف دينامية العرض التصديري والنمو غير المتناسب للواردات". وتؤكد الدراسة الطابع الهيكلي لعجز التجارة الخارجية المغربية فيما يخص السلع والخدمات، حيث يُمثل المكون الهيكلي لهذا العجز حوالي 92 في المائة، حسب إحصائيات سنة 2017، وهو ما يعادل 9 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وطالب خبراء وزارة الاقتصاد والمالية، من خلال هذه الدراسة، باتخاذ إجراءات قوية للتصدي لتفاقم الميزان التجاري وضمان استدامته الشاملة، أولها تحسين أداء وسياسة التجارة الخارجية المغربية من خلال مراجعة شاملة لاتفاقيات التبادل الحر المبرمة، واستكشاف أفضل السبل الممكنة لتعزيز إعادة التوازن إلى العلاقات مع الشركات. كما أوصت الدراسة بتعزيز تدابير الحماية التجارية بهدف مكافحة المنافسة الأجنبية غير العادلة، لا سيما من خلال المراقبة الصارمة على الحدود لمنع الاحتيال والتهريب للحفاظ على السوق الداخلية. توصيات الدراسة تضمن أيضاً الدعوة إلى بناء نظام إنتاج وطني تخصصي وتنافسي ومرن ودينامي عبر تسريع التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، من خلال الاستفادة من تراكم رأس المال البشري، وتعزيز قدرات الابتكار والاستيعاب التكنولوجية، والتركيز أكثر على التخصص بالاهتمام بالمهن الإقليمية، وربط الاستراتيجية الصناعية بالسياسة التجارية. كما تبرز الأهمية، حسب الدراسة ذاتها، في الاهتمام برفع معدل الاندماج المحلي على مستوى القطاعات الصناعية الرئيسية من أجل توسيع نطاق خلق القيمة ومناصب الشغل، وحصر آثار تطور النسيج الإنتاجي محلياً. وجاءت ضمن التوصيات أيضاً ضرورة تقوية الجذور الإقليمية للمغرب في إفريقيا، سواء في البعد المغاربي من خلال اعتماد نماذج مبتكرة مبنية على البراغماتية الاقتصادية، بعيداً عن ازدواجية الأجندة السياسية الضيقة، أو على مستوى التكتلات الاقتصادية الأخرى مثل "سيدياو". وتؤكد معطيات الدراسة أن المغرب مطالب بتسريع اندماجه في سلاسل القيمة الإقليمية، والاستعانة بالدبلوماسية الاقتصادية الاستباقية، وتشجيع التعاون بين الفاعلين الاقتصاديين الكبار والشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا، واعتماد سياسة التحفيز القائمة على النتائج، إضافة إلى اعتماد نظام يقظة استراتيجية لاغتنام الفرص التجارية، وتوقع المخاطر التي قد تعترض المقاولات الوطنية.