قضية الإعاقة من أبرز القضايا الشائكة في المغرب، لأنها تطرح إشكالات عديدة في الساحة الوطنية، وتفتح أكثر من قوس في ما يتعلق بمستقبلها في المغرب؛ ذلك أن الواقع المغربي لم يتلاءم بعد مع ما تفرضه هذه القضية متشابكة الأبعاد، والتي تتداخل فيها المجالات. ولعل الإشكال الأساسي يتجلى في كون حقوق الإنسان لم تجد لها مكانا في الواقع المغربي، الذي تحدده إيديولوجيات لا تؤمن بالإنسان كفرد. وبما أن قضية الإعاقة تندرج في صميم حقوق الإنسان، فإن إيجاد حلول لها في المغرب ليس سهلا بتاتا، بل يفرض تغيير البيئة من الأساس، لأن هذه البيئة تتأسس على قواعد ما فتئت تنظر إلى الإعاقة نظرة مختلفة، بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان، وتبقى تمييزية بالأساس، ولهذا يبدو من الصعب أن تصير نظرة حقوقية. لعل المجهودات التي تبذلها الدولة المغربية بخصوص قضية الإعاقة ليست كافية، أو بالأحرى لم تؤت أكلها كما ينبغي، فالتوقيع والمصادقة على الاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة سنة 2009، بالإضافة إلى مضامين الدستور المغربي لسنة 2011، ثم خروج القانون الإطار 97.13، كل هذه المستجدات تؤكد من زاوية ما أن الدولة المغربية تملك إرادة قوية للمضي قدما في قضية حقوق الإنسان عموما، وقضية الإعاقة خصوصا؛ لكن هذه القضية الإنسانية تتجاوز هذه التوقيعات وهذه الخطابات، لأنها تستدعي تدخلا صارما لوضع الخطوط الكبرى على أرض الواقع. كما أن وجود قانون إطار يخص الأشخاص ذوي الإعاقة ليس دليلا على أن قضية الإعاقة أخذت منحى صحيحا، بل لا بد من قيام الدولة بواجبها على كافة المستويات. تتجاوز قضية الإعاقة البعد القانوني في المغرب، لتأخذ منحى آخر إذا نظرنا إليها من الناحية الاجتماعية؛ ذلك أن التمثلات المجتمعية حول الإعاقة لا تسير مع التفكير وفق حقوق الإنسان..هذه التمثلات تبقى سلبية في مجملها، وتضع على المحك قضية الإعاقة في علاقتها بالمجتمع. وبقدر ما تكون هذه التمثلات سلبية، بقدر ما تتعقد قضية الإعاقة، ويصبح البحث عن حلول لها يتجاوز ما تقوم به الدولة في هذا الصدد نحو ما يجب على المجتمع أن يلتزم به لإنجاح هذه القضية، لأنها قضية اجتماعية بالأساس. ومن خلال تلك التمثلات يساهم المجتمع في تعقيد مهمة الدولة نحو إيجاد حلول لهذه القضية، وبالتالي لا بد من نشر ثقافة حقوق الإنسان، وترسيخ تفكير إيجابي ينظر إلى الإعاقة بنظرة حقوقية بالدرجة الأولى، وتجاوز النظرة السلبية التي تكرس التمييز والاحتقار. تتطور المجتمعات من خلال ما تتبناه من أفكار وما تحمله من تفكير إيجابي؛ وبقدر ما تؤمن بمسألة حقوق الإنسان، بقدر ما تنحو منحى صحيحا نحو الأمام. لكن إن كانت هذه المجتمعات ترفض حقوق الإنسان وتطبيق مبادئها، كما هو الحال بالنسبة لمجتمعات العالم الثالث، والمغرب واحد منها، فإن واقع الحال يؤكد أنها ستتقهقر نحو الماضي رغم ما يبدو للعلن من إرادة للسير نحو الأمام؛ فتطور الحضارات رهين بما تقوم به من أجل الإنسان. والإيمان بالإنسان كفرد بات ضرورة ملحة في اللحظة التي وصلت إليها المجتمعات، لكن مجتمعات العالم الثالث لم تصل بعد إلى هذه المرحلة، فلم يعد بعد الإنسان من أولوياتها، وهنا النقطة التي أفاضت الكأس، إذ إن تطور هذه المجتمعات بات مرتبطا بما تقوم به من أجل الأفراد، وما تطبقه من حقوق لهم؛ وبالتالي فمعيار تقدر المجتمعات مرتبط بشكل قوي بمكانة الإنسان، وبحقوق الإنسان، وبالقدرة على القضاء على معاناة الإنسان. تبقى قضية الإعاقة قضية وطنية بامتياز، ومسؤوليتها تندرج ضمن مسؤوليات جميع الأطراف؛ فهي لم تعد منحصرة على جانب الشفقة، والتعامل مع الشخص في وضعية إعاقة على أساس الإحسان، والتعامل معه بدونية، ولا على أساس عدم القدرة، بل أصبحت القضية حقوقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وكل تمييز يتعرض له الأشخاص في وضعية إعاقة هو جريمة يجب المعاقبة عليها، وكل احتقار لشخصه هو تجن على حقوق الإنسان. لم تعد الأمور تستحق التساهل كما تم الاعتياد على ذلك، بل لا بد من وضع النقاط على الحروف في هذه القضية، لكي يتضح للجميع أن الأشخاص في وضعية إعاقة هم بشر مثلهم مثل الآخرين، ولا فرق بينهم في الحقوق والواجبات. وكل الحقوق التي لم يجد إليها الأشخاص في وضعية إعاقة سبيلا وجب تغييرها وجعلها تلائم وضعيتهم على أكمل وجه، حتى يستشعر هؤلاء وجودهم الخالص، ومن أجل أن نلمس مساواة شاملة على أرض الواقع. في المغرب يتعرض الأشخاص في وضعية إعاقة لتمييز مبالغ فيه، يتم النظر إليه من زاويتين مختلفتين، زاوية سلبية تقوم على دونية الشخص، وفي ذلك احتقار لشخصيته وكرامته، ويتم التعامل معه في هذا النطاق على أنه عبء يجب تحمله، وزاوية أخرى يتم التعامل فيها مع الأشخاص في وضعية إعاقة من ناحية إحسانية مبنية على الشفقة؛ وهذه الزاوية تقلل من شأن الشخص، وتضعه في تمييز سلبي رغم النية الحسنة لمن يستخدمونها. هاتان الزاويتان ينبغي تجاوزهما تماما، لأنهما تتناقضان مع مسألة حقوق الإنسان، فاحتقار الشخص في وضعية إعاقة هو تطاول على حقوق الإنسان، كما أن تلك النظرة الدونية التي تؤسس للشفقة لا تساير منطق حقوق الإنسان؛ وهكذا فمسألة حقوق الانسان ترفض بالقطع الطريقة التي يتم التعامل بها مع قضية الإعاقة في المغرب، وبالتالي كان لزاما أن تتغير العقليات المريضة داخل المجتمع، خصوصا تلك التي تحمل تمثلات سلبية..تجب محاربة هذه العقليات وتغييرها بعقليات أخرى مبنية على الانفتاح واحترام وتقدير الآخر. *فاعل حقوقي