في الحديث الذي أجرته «المساء» مع مجموعة من المعاقين، توحّد الرأي على أن النظرة التي يُنظَر بها إلى الشخص في وضعية إعاقة هي نظرة «إحسانية» يغلب عليها إحساس «الشفقة»، غير أن أغلب المعاقين لا يُحبّذون هذه النظرة على اعتبار أن الشخص ذا الإعاقة، مثله مثل المواطن العادي، لديه حقوق وعليه واجبات، فالإعاقة في نظر هؤلاء لا ترتبط بالجسد بقدر ما ترتبط بالشخص، كيف يفكر وكيف يعيش. بدأ «عبد اللطيف» الحديث عن معاناته مع ابنته ذات العشر سنوات وهو يتألم ويبكي لحالها، بسبب ضيق ذات اليد، فهو لا يستطيع تحمُّل مصاريف علاجها، من ترويض وأدوية وغير ذلك. لقد أصبح مشكل الإعاقة في المغرب من المشاكل التي تؤرق العديد من الأسر، التي لا تستطيع مواكبة تكاليف ومصاريف علاج أبنائها من الذين أصيبوا بإعاقة. «أمينة»، نموذج حي لإنسانة عاشت الإعاقة منذ الصغر وعايشت معها وضعية المعاق في سنوات الخمسينيات والفوارق التي كانت تطبع تلك المرحلة التي تحكي على أنها لم تنصف المعاق: «لقد عانيت كثيرا، خاصة في الدراسة، ولكنْ رغم ذلك، حاولتُ تخطي كل المصاعب واستطعت إتمام دراستي، حيث عملت الأسرة على إدخالي إلى مدرسة خاصة، ورغم مشاكل النقل والولوجيات، استطعتُ الحصول على الإجازة في القانون والاشتغال في الوظيفة العمومية».. تعد «أمينة»، التي تشغل منصب أمينة المال في الودادية المغربية للمعاقين، من القلائل اللواتي ساعدتهن الظروف وفتحت أمامهن الأبواب من أجل تخطي الصعاب، بالنظر إلى الطموح الذي تتمتع به هذه السيدة التي لم تُخْفِ أسفَها على وضعية المعاق في المغرب، وتقول «لم تمنعني الإعاقة من أي شيء، المشكل فقط في الولوجيات، هي التي تعرقل لنا حياتنا»، أما في مجال العمل، تضيف «أمينة»، فإن «على المعاق أن يكون جيدا جدا حتى يحصل على ثقة مدرائه». . النظرة الإحسانية في الحديث الذي أجرته «المساء» مع مجموعة من المعاقين، توحّد الرأي على أن النظرة التي يُنظَر بها إلى الشخص في وضعية إعاقة هي نظرة «إحسانية» يغلب عليها إحساس «الشفقة»، غير أن أغلب المعاقين لا يُحبّذون هذه النظرة على اعتبار أن الشخص ذا الإعاقة، مثله مثل المواطن العادي، لديه حقوق وعليه واجبات، فالإعاقة في نظر هؤلاء لا ترتبط بالجسد بقدر ما ترتبط بالشخص، كيف يفكر وكيف يعيش. يجلس «طارق» (اسم مستعار) على كرسيه المتحرك وعلامات الحزن لا تفارق محياه، وهو يدخل من الباب الرئيسي للودادية المغربية للمعاقين، آملا في الحصول على كرسي متحرك يشتغل بالكهرباء. في حديثي معه، لم يُخْفِ حزنه وأسفه على الوضع الذي يعيشه، والذي لا يد له فيه، ف«طارق» وُلِد بالإعاقة وعاش بها وتأقلم معها.. ويتابع دراسته في التكوين المهني، ولكنه فقد الأمل ولا يشعر بطعم الحياة وتسيطر عليه تخوفات من عدم اشتغاله بعد حصوله على الدبلوم، فهو يقول إنه ينتمي إلى عائلة فقيرة لا تملك قُوت يومها، فالأب متقاعد عن العمل والأخ يقوم يبيع السجائر أمام سجن «عكاشة»... وليس «طارق» الحالة الوحيدة التي التقتها «المساء»، بل هو نموذج لحالات كثيرة في مجتمعنا المغربي، تحتاج من يمد إليها يد العون، خاصة في ظل غياب قانون يضمن حقوق الشخص المعاق. وإذا كان هناك أشخاص ولدوا بالإعاقة وعاشوا بها واستطاعوا التأقلم مع الوضع الذي تستتبعه، فإن هناك آخرين أصيبوا بها في منتصف حياتهم، وتعد حالة هؤلاء، نوعا ما، أصعبَ، لأنهم في الغالب يتأزمون نفسيا. لكن «مصطفى» و»كريم» يمثلان نموذجا لشباب حكمت عليهم الأقدار بالتعرض لحادث شغل كان سببا في إعاقة دائمة. ورغم جلوسهما على كرسيين متحركين، فهما لم يفقدا الأمل مطلقا، وعلى هذا الأساس، التحقا بالودادية المغربية للمعاقين للمشاركة في سباق خاص بهذه الفئة، في محاولة منهما لكسب رهان تحدي الإعاقة، ولو رياضيا. ومن الحالات التي يتحسر القلب على رؤيتها حالة «سهيل»، الذي يعاني من إعاقة منذ أن كان عمره ثلاث سنوات، بعد أن تخلّتْ عنه أمه وتكفلت أختها بتربيته والسهر على راحته، فالأخت (الخالة) تقول إن الأم لم تعر ابنها يوما الاهتمام منذ اكتشفت أنه معاق، خاصة بعد انفصالها عن زوجها، وتضيف أن الابن في وضعية صحية سيئة جدا ويحتاج إلى مصاريف لا تستطيع لوحدها تحمُّلَها. مشاكل لا حصر لها ما يزيد الوضع سوءا بالنسبة إلى الأشخاص في وضعية إعاقة هو جملة المشاكل التي يعانون منها، والتي تُكرّس -على حد قولهم- الإحساس بالدونية والتهميش و«الحكرة».. تقول «عائشة»: «المعاق محروم من الشغل ومن التغطية الصحية ومن الولوجيات»... وهناك أشخاص استطاعوا، رغم إعاقتهم، أن يثبتوا للعالم أنهم قادرون على العطاء والإنجاز، ولكن مثل هؤلاء قلائل في المغرب، لأن الظروف، تضيف عائشة «غير مواتية ولا تساعد على النجاح ولأن العراقيل تبدأ من النقل لتنتهي بالبطالة وانتظار الصدقة والعطف من المحسنين». فالمشاكل التي يعاني من الشخص في وضعية إعاقة لا حصر لها، وهي المشاكل التي تدفع العديد من هؤلاء إلى التسول كوسيلة لكسب لقمة العيش، إما اختيارا من أنفسهم أو يلجؤون إلى ذلك مضطرين ومكرهين، بسبب الضغوطات الأسرية التي قد تجعلهم «غنيمة» سهلة للبعض، يسهل استغلالها في التسول الذي أصبح، في حد ذاته، ظاهرة انتشرت بشكل كبير في المجتمع، إذ في كثير من الأحيان نجد أن أغلب المتسولين إما معاقون فعلا أو يفتعلون الإعاقة... وإذا كان الشخص في وضعية إعاقة في سنوات الخمسينيات لا يستطيع البوح بإعاقته، فإن الحال في الألفية الثالثة قد تغيَّر وأصبح الشخص المعاق فاعلا جمعويا وموظفا وإدارايا ورياضيا ومهندسا... بمعنى أنه تخطى الحواجز لكي يصل إلى رتب تُشرّفه وتُشرّف الفئة التي ينتمي إليها، والفضل في هذا لا يعود للدولة وإنما يعود -حسب مجموعة من المعاقين- للجمعيات التي فتحت الباب أمامهم وعملت على التحسيس بخطورة تهميش الشخص المعاق. إلا أن الجمعيات، حسب هؤلاء دائما، لا تستطيع، لوحدها، حمل هَمّ هذه الفئة، بل لا بد من أن تكون هناك خطة من الدولة لمحاولة إدماج الأشخاص المعاقين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لتفادي ما قد ينجم عن حدة المشاكل التي يعاني منها الأشخاص في وضعية إعاقة، من صدامات بينهم والواقع المعاش، لأنه رغم ذلك يظل الشخص المعاق -حسب المتتبعين- يعاني، سواء داخل الأسرة أو داخل المجتمع، على اعتبار أن أغلب المعاقين ينتمون إلى أسر فقيرة ويعانون من أمراض أخرى إضافية. تقول أمينة المال في الودادية المغربية للمعاقين: «عندما يأتي المعاق إلى الجمعية فهو يأتي مثقَلاً بالهموم والمشاكل، ونحن علينا التخفيف عنه، سواء من خلال مساعدته على العلاج، إذا كان مريضا، أو من خلال البحث له عن عمل، إذا كان عاطلا»، بمعنى -تضيف أمينة المال- أن الجمعية تتكفل بكل شيء، وهذا ليس من اختصاصها، فدور الجمعية يكمن في تنظيم اللقاءات والأنشطة للأشخاص في وضعية إعاقة من خلال إنشاء المكتبات وغيرها من النوادي ولكن الدولة، للأسف، «ألقت الحمل بالكامل على الجمعيات وأصبحت الأخيرة تقوم بدور الدولة»... أرقام صادمة أكد محمد الخليلي، رئيس الودادية المغربية للمعاقين، أن ما يقارب 23 ألف شخص مسجلون في الجمعية، التي يؤكد أنها تستقبل ما بين مائة و150 شخصا يوميا. وتعمل الودادية على الاستماع إلى مشاكل الأشخاص في وضعية إعاقة وتحاول، من خلال برنامج معلومياتي، على حل مشاكلهم وترتيبها حسب الأولويات، فهؤلاء الأشخاص، يضيف الخليلي، يأتون إلى الجمعية بمشروع حياة مدمّر، ليست لديهم أي نظرة إلى المستقبل ولا يعرفون حقوقهم ولا الخدمات التي يستحقونها، فبالإضافة إلى معاناة الشخص المعاق من الإعاقة، يتابع الخليلي، هناك الأمية والفقر والجهل، وهي حلقة مفرغة يدور فيها الشخص المعاق، ينضاف إلى المعاناة التي يتجرعها وإلى الإهانة التي يحس بها والتمثلات الاجتماعية التي يعيشها وكرامته التي يحس أنها تداس يوميا، وهذا الإحساس هو الذي يجعل الشخص -حسب الخليلي- يشعر أنه عالة على المجتمع وعلى عائلته، وبالخصوص، أنه إنسان غير مرغوب فيه. من خلال هذه المشاعر والأحاسيس المثقلة بالمعاناة والحرمان، تتبلور علامات الأشخاص الذين تستقبلهم الودادية المغربية للمعاقين، والذين يأتون متمردين، يائسين ومحبطين.. ولكن الخليلي يعتبر أن هذا التمرد ليس في محله، لأنهم يتمردون فقط على المجتمع وليس على الحكومة، فهم يعتبرون الجمعية مؤسسة حكومية تأخذ تمويلا من الحكومة، وكما يقولون «تانمشيو نسعاو باسمهم»... واعتبر رئيس الودادية المغربية للمعاقين أن الأرقام المتوفرة حاليا في ما يخص الأشخاص في وضعية إعاقة فيها «أخذ ورد»، لأن تقديرات الأممالمتحدة، وخاصة المنظمة العالمية للصحة، تؤكد أن 10 في المائة من شرائح المجتمع لديهم إعاقة، لكن البحث الوطني الذي أحصى عدد المعاقين في المغرب سنة 2006 واتخذته الحكومة كأرضية عمل على تحديد النسبة في 5.12 في المائة، مما يناهز مليونا و700 معاق، ولكنْ، يضيف محمد الخليلي، «إذا لاحظنا الفارق بين الأرقام التي قدّمتها منظمة الصحة العالمية وبين التي قدّمها البحث الوطني، فسنجد الفارق هو النصف»، وذلك راجع، حسب رئيس الودادية المغربية للمعاقين، إلى أن الدولة ليس في صالحها أن يكون عدد المعاقين في المغرب مرتفعا. أما بالنسبة إلى تعامل الحكومة مع ملف الأشخاص في وضعية إعاقة، فقد أكد المصدر ذاته أن هناك إهمالا واضحا وعدم احترافية مطلقة، فالحكومة تتعامل مع المعاقين، على حد قوله، بمنظور خيري إنساني، ومردُّ ذلك، في نظره، إلى أنها تتعامل مع الأشخاص المعاقين بمنظور رعائي ولا تتعامل معه بمنظور حقوقي، إذ لا تعتبر هؤلاء مواطنين لديهم حقوق وواجبات ولديهم الحق في الخدمات في جميع المجالات، ويضيف «مع كامل الأسف حضورها وعملها عبارة عن عمل جمعوي». أما في ما يخص الميزانية فقد اعتبرها خليلي «ضئيلة إلى حد لا يمكن ذكرها، فالميزانية المخصصة هي فقط 0.01 في المائة». أما القانون الذي يحمي الشخص المعاق، ف«حدّثْ ولا حرج»، يقول الخليلي، ف«القوانين الثلاثة التي صدرت ذات طابع رعائي، مفرغة من محتواها ولم تُطبَّق على أرض الواقع، لأن هدفها الأساسي هو تلميع صورة المغرب في هذا المجال».