أعراض الإصابة بالتوحد وأسبابه،فحسب جميع المختصين في العالم، يعتبر إعاقة نمائية متداخلة ومعقدة تظهر عادة خلال الثلاث السنوات الأولى من عمر الطفل، وهي ناتجة عن النمو غير الطبيعي للدماغ تؤثر على التفكير والتفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل مع الآخرين ، وعادة تتسبب في قصور في التواصل اللفظي وغير اللفظي والتفاعل الاجتماعي وأنشطة اللعب... هذا الاضطراب يؤثر في قدرات الطفل على التواصل مع الآخرين، وعلى الاندماج في المحيط الاجتماعي، وبالتالي يصعب على أغلبية الأطفال المصابين بهذه الإعاقة التحول الى أعضاء مستقلين بذواتهم. ومما يؤكد خطورة هاته الإعاقة وتعقيدها أن الأعراض والصفات تظهر على شكل أنماط كثيرة ومتداخلة تتفاوت بين درجة الإصابة بالإعاقة، بين الخفيف والحاد، فمثلا قد يوجد طفلان مصابان بالتوحد إلا أنهما مختلفان تماما في السلوك، لذلك يتفق أغلب المختصين على عدم وجود نمط واحد للطفل التوحدي، وعليه، فإن الآباء غالبا ما يصدمون بسماعهم أكثر من تسمية ووصف لحالة ابنهم المصاب، فعادة ما يتم تشخيص الطفل على أنه شبه توحدي أو توحدي كلاسيكي ،أو توحدي من نوع أسبرجير (ينتمي إليه العالم انشتاين)، هؤلاء يختلفون اختلافا كاملا في ما يخص درجة الإصابة بهذه الإعاقة. تظل الأسباب غير معروفة حاليا بشكل نهائي، فبعض المختصين يرجعها الى عوامل بيولوجية والبعض الآخر إلى عوامل نفسية، تتعلق أساسا بارتباطات الأم العاطفية بابنها، إلا أنها تبقى كلها فرضيات لم تثبت بشكل علمي. ومن خلال التجارب الحديثة اتفق جل الاختصاصيين على أن الإعاقة سببها خلل في إفراز المعلومات داخل المخ، وبالتالي، فهذه الإعاقة ليست إعاقة ذهنية، لأن أغلبية الأطفال المصابين بها يختلفون تماما عن المتخلفين عقليا، كما أن هؤلاء الأطفال ليسوا عدوانيين، المشكل الأساسي لديهم هو التفاعل والتواصل الاجتماعي. لذلك وجب وضع برامج تعليمية خاصة بهذه الفئة من الأطفال لإخراجهم من عزلتهم والعمل على دمجهم في المجتمع. منذ التعرف على التوحد عام 1943 من طرف الطبيب الشهير «ليوكانير» ثبت أن بعض المحاولات للبحث عن علاج للتوحد كانت غير واقعية في ظل الفهم الحديث للاضطرابات المتواجدة على صعيد الدماغ، وإذا كان المقصود بالعلاج من منظور طبي هو ضمان الصحة والسلامة، فإنه لا يتوفر حتى الآن علاج للاضطرابات التي تحدث في الدماغ، والتي تنتج عنها الإصابة بالتوحد. إلا أننا اليوم في وضع أفضل من حيث القدرة على فهم هذه الإعاقة والاضطرابات المصاحبة لها، وبالتالي مساعدة المصابين بها على التكيف معها من خلال إحداث تغيير إيجابي في أنماط السلوك المصاحبة لها. ومن بين العلاجات المتوفرة حاليا هناك بعض الأدوية التي ليست خاصة بعلاج إعاقة التوحد، وإنما تستعمل للتخفيف من حالات النشاط المفرط لدى بعض الأطفال أو الاكتئاب والخمول لدى البعض الآخر، وإلى حد الساعة، لم يعط أي علاج بالدواء نتائج إيجابية يمكن الاعتماد عليها للحد من إعاقة التوحد. إلا أن أغلب المختصين يقرون بعلاج واحد وأوحد، وهو التربية والتكوين. ما هي ، في نظركم ، البرامج التربوية التي بإمكانها تطوير سلوك المصابين بالتوحد؟ في دول العالم المتقدم وبعض الدول العربية، هناك عدة برامج تربوية أثبتت نجاعتها لتعليم وتدريس الأطفال المصابين بالتوحد تعتمد بالأساس على الاستخدام الواسع للمثيرات البصرية أثناء عملية التدريس من أجل التركيز كمرحلة أولى وكمرحلة ثانية على إيجاد طرق، وفي بعض الأحيان حيل لتعليم هؤلاء الأطفال، وهناك مجموعة من النظريات التي تساهم في تعليمهم ، ونذكر منها على الخصوص برنامج «تيتش Teach»، وهو برنامج تربوي للأطفال التوحديين ومن يعانون من مشكلات التوصل. وقد طوره الدكتور «داريك شوبلير» عام 1972 في جامعة «كارولينا» بالولايات المتحدةالأمريكية، ويعتبر أول برنامج تربوي متخصص لتعليم التوحديين معتمد من قبل وزارة الصحة الأمريكية وجمعيات التوحد هناك. هذا البرنامج له مميزات عديدة ، بالإضافة إلى التشخيص والتدخل المبكر، فهو يعتمد على نظام ملائم لبيئة الطفل، سواء كان في المنزل أو المدرسة ، بحيث أن هذه الطريقة أثبتت أنها تناسب الطفل التوحدي وتناسب عالمه، وتنظر إلى كل طفل توحدي على انفراد من خلال برامج تعليمية خاصة لكل طفل على حدة حسب قدراته الاجتماعية العقلية، العضلية واللغوية، وذلك باستعمال اختبارات مدروسة. برنامج «تيتش» يدخل عالم الطفل المصاب ويستغل نقاط القوة فيه مثل اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة وحبه للروتين، لأن، كما يتفق على ذلك معظم الاختصاصيين، عالم الطفل التوحدي، علينا نحن الأسوياء أن نكتشفه، وأن ندخل إليه ولا ننتظر من التوحديين الدخول الى عالمنا. ويرتكز هذا البرنامج على بيئة تعليمية منظمة تقوم على المعاينات والدلائل البصرية لكي يتمكن الطفل من التكيف مع البيئة المحيطة به، لأنه يعاني من بعض السلوكيات التالية: التعلق بالروتين القلق والتوتر في البيئات التعليمية العادية (كثير من الأطفال يتم رفضهم داخل الأقسام العادية من طرف المعلمين لعدم درايتهم بهذه الإعاقة) ومن السلوكيات التي يعاني منها التوحديون الصعوبة الشديدة في فهم بداية ونهاية الأنشطة وتسلسل الأحداث اليومية بشكل عام والصعوبة الجمة في الانتقال من نشاط الى آخر، والصعوبة في فهم كلام الآخرين والعُسر في فهم الأماكن والمساحات المخصصة للطفل. وبما أن أغلب الأطفال التوحديين غير لفظيين، فإن التعلم من خلال الإدراك البصري، عوضاً عن اللغة المتداولة، يعتبر من الشروط الأساسية لتعليم عدة مهارات لهؤلاء الأطفال، ومنها مهارة التواصل، المهارات الاجتماعية والمهارات الرياضية، ومهارات الاعتماد على النفس والمهارات الإدراكية والحركية والتعليمية ومهارات الإدماج في المجتمع بسلام. كما أن هناك برامج حديثة أخرى كبرنامج «لوڤاس»، وهو دكتور نفساني بدأ رحلته في عالم التوحد في أواخر الخمسينات من القرن العشرين وبنى تجاربه على نظرية تعديل السلوك، بحيث لا تختلف نظريته كثيراً عن نظرية «تيتش»، ومع كامل الأسف، فإن التجارب المتداولة حاليا في المغرب ترد علينا من فرنسا التي لديها تأخر ملموس في ميدان التوحد، حسب الجمعيات الفرنسية العاملة في هذا الميدان، وهناك دعاوى قضائية في هذا الباب من عدة جمعيات فرنسية ومن الاتحاد الأوربي كذلك، لتخلف المنظور الفرنسي عن بقية الدول الأعضاء في هذا الاتجاه. فقد انضاف مصطلح التوحد إلى سلسلة المصطلحات الطبية المتداولة بشأن الإعاقة التي تصيب الأشخاص، مرض تم رسميا ، في 2 أبريل، تخليد يومه العالمي للسنة الثانية على التوالي. إحياء دق ناقوس الخطر لاتساع دائرة المصابين به، والذي يتطلب تعاطيا/تعاملا معه من نوع خاص اعتمادا على التشخيص المبكر للوصول إلى نتائج أكثر إيجابية. داء التوحد أصبح هاجسا يؤرق الأسر المغربية، سيما المعوزة منها،بالنظر إلى المصاريف والتكاليف الباهظة التي يتطلبها، في ظل تعامل صامت مع هذا المرض وعدم وجود توعية تتلاءم ودرجة تطوره، مما دفع ببعض الأسر إلى ترك فلذات أكبادها رهينة مقيدة بين أيدي هذا المرض في صمت، فالتجأت إلى الأضرحة وإلى المعتقدات الشعبية المرتبطة بالخرافات والشعوذة جاعلة منها ملاذا لها في غياب مراكز/ مؤسسات تعنى بشؤون التوحديين، في الوقت الذي تسلح فيه البعض الآخر بالعلم وبالوعي لمواجهة الداء والبحث عن حلول من شأنها منح أبنائها مستقبلا أقل معاناة. أسئلة كثيرة حول أسباب المرض، أعراضه وسبل «العلاج» منه، يتداولها آباء وأمهات الأطفال المصابين بالتوحد فيما بينهم... وتسليطا للضوء على هذا الداء، ارتأت «الاتحاد الاشتراكي» أن تطرحها على لسانهم وأن تنقل شهاداتهم/رسالاتهم التي تعبر عن الألم وعن المعاناة، الموجهة إلى الجهات المعنية بهدف إيجاد حلول من شأنها التخفيف من حدة هذا المرض على المصابين وعلى ذويهم وعلى المجتمع. اغفروا لنا أحباءنا، أقرباءنا، أصدقاءنا وجيراننا .. إن نحن لم نعدكم لحظة مرضكم، ولم نقدم لكم العزاء في وفاة قريب لكم. اعذرونا إن نحن لم نشارككم أفراحكم ولم نحضر لا أعراسكم، ولا أعياد ميلادكم، ولا أية مناسبة من المناسبات، ولم نقاسمكم/نشاطركم أية لحظة من لحظات الحياة، ولم تجدوننا معكم لا في السراء ولا في الضراء،أعذرونا لأننا أحق بالاعتذار. فباعتذارنا نتجنب جهلكم، اندهاشكم، خوفكم وأخطاءكم، فنحن لم نعد قادرين على نظراتكم لطفلنا المصاب بالتوحّد، التي ترى فيه شخصا غير طبيعي وغير سوي، تارة يثير في أنفسكم الشعور بالشفقة وتارة أخرى الرهبة. نعتذر لكم لأننا غير قادرين على التعايش مع «زلاتكم»، وعدم غفرانكم لسلوكات أطفالنا. فإن نحن زرناكم أو أنتم زرتمونا، فلن تقبلوا بشغب أبنائنا، لن ترغبوا في نبشهم، جريهم، صراخهم ، ولن تفهموا سر نهمهم، وقد تردون الأمر كله وتختزلونه في «سوء التربية». قد يأتي وقت يقوم فيه إبننا بضرب إبنكم، فتستشيطون غضبا ، ولكم منتهى الحق في ذلك، لكن لن تعذرونا وستطالبون ب «القصاص»، وإن نحن أخبرناكم بحالته وقلنا لكم إنه مصاب بالتوحّد، ستجيبوننا : إن كان أحمق، فلتغلقوا عليه باب غرفته أو فلتودعوه بمستشفى المجانين، وبقولكم هذا ستزيدون في تعميق جراحنا الكثيرة التي لم تندمل، والتي نحن في حاجة إلى من يساعدنا على تضميدها. اعذرونا إن فرّق بيننا وبينكم إبننا، لأنكم أنتم من اختار ذلك وليس الأمر بيدنا، فالجهل بالتوحد قادر على التفريق بين المرء وزوجه، ما دامت درجة الوعي لاتقاس بالعلم والمعرفة. أتركوا أسفكم لكم فنحن بحاجة إلى ما هو أكبر من الأسف، وأعظم من الشفقة. نحن بحاجة إلى حبكم وتضامنكم، وعيكم ورجاحة عقلكم، آنذاك يمكننا أن نضع يدا في يد، ونتجاوز التوحّد ، ومن خلاله كل الإعاقات الموجودة، فقط إن نحن أزلنا العوائق التي نصنعها بأنفسنا. إنهم أبناؤكم وليسوا بأبنائنا لوحدنا، إنهم جزء لايتجزأ من مجتمعكم، فلتفطنوا للأمر قبل فوات الأوان، لأنه في إعاقة الفرد إعاقة للمجتمع بأكمله. والجانب التربوي تحدد أهدافه من مجالات الخلل عند الطفل التوحدي. فكل تدخل لابد أن يراهن على تعديل السلوك وترسيخه عند هذه الفئة من الأطفال، والعمل على تحسين التواصل، سواء على مستوى الإرسال أو الاستقبال بلغة إذا توفرت أو مقاربات أخرى، إذا لم تتوفر، أما الجانب الاجتماعي، فإنه يتوخى إدماج هؤلاء الأطفال بتوفير ظروف التعامل مع الآخر وإقامة علاقات ذات بعد اجتماعي كالعمل الجماعي أو اللعب ضمن مجموعات... فمجالات التدخل متعددة ومتشعبة تستدعي فضاء مكيفا ومجهزا بوسائل ديداكتيكية خاصة تراعي ما هو معرفي وما هو حركي وما هو تواصلي، فضلا عن فريق متعدد الاختصاصات التربوية: أخصائيون نفسانيون، أساتذة مختصون، مروضون حس حركيون... وكلما كان التدخل مبكراً كلما كانت النتائج حسنة. التكفل بالطفل التوحدي يستدعي إشراك كل الفرقاء التربويين طبقا لاتفاقية الشراكة الرباعية بين وزارة التربية الوطنية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة الصحة وكتابة الدولة في الأسرة والتضامن والأطفال المعاقين الموقعة يوم فاتح أبريل 2006 تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك . وبالفعل، لقد قامت وزارة التربية الوطنية بتفعيل بنود هذه الشراكة من خلال الدعامة 14 المادة 142 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتم تجسيد ذلك على أرض الواقع من خلال إبرام عدة شراكات مع عدد من الجمعيات العاملة في ميدان التوحد، ومع ذلك، تظل المجهودات مبعثرة والنتائج دون المستوى المطلوب، مما يستدعي توفير الفضاءات الملائمة والأساتذة المختصين، مع تفعيل الدعامة 14 المادة 142 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وعلى وزارة الصحة أن توفر أخصائيين نفسانيين ومروضين للنطق ومروضين حسيين حركيين مع العمل على تنظيم حملات تحسيسية لأطباء القطاع العام والخاص للتشخيص المبكر لهذا النوع من الإعاقة للتدارك المبكر، أما مؤسسة محمد الخامس للتضامن وكتابة الدولة في الأسرة والتضامن والأطفال المعاقين فدورهما ينحصر في تجهيز الفضاءات وتوفير الوسائل الديداكتيكية والتربوية مع صرف أجور المربيات التابعات لجمعيات المجتمع المدني وضمان حقوقهن الاجتماعية. إن تنظيم الحقل التربوي لهذه الفئة من الأطفال يتطلب وجود إطار قانوني تتحدد فيه مهام واختصاصات جميع الفرقاء والمتدخلين بموازاة مع التأكد من مصداقية الجمعيات النشيطة في هذا المجال لحماية الأطفال والآباء من كل استغلال مادي أو معنوي، وكذلك التأكد من أهلية الأخصائيين النفسانيين الوافدين من الخارج، لكي لا يكون الأطفال المغاربة فئرانا للتجارب، مع عدم استغلال هذه الفئة إعلاميا بشكل سلبي بعيدا عن القيم الإنسانية النبيلة. ومن الأهمية بما كان ربط العلاقات مع الدول الرائدة في هذا الميدان من أجل الاستئناس بالتجارب الدولية والعربية في حقل التوحد، كمرجعيات لبناء برامج تراعي الخصوصيات المغربية وفق المقاربات البيداغوجية الرائدة في تربية هؤلاء الأطفال. الدكتور أحمد طليمات ( طبيب أخصائي الأطفال ): نظرة التوحدي للعالم غير محددة بالزمان والمكان،فالمصاب بالتوحد يرى العالم بمنظور آخر غير محدد بالزمان والمكان، وهنا أستحضر مشهدا ضمن شريط سينمائي يحمل إسم «حلقة الشعراء المفقودين» الذي يطلب خلاله الأستاذ من تلامذته الصعود فوق الطاولة لرؤية المحيط بنظرة أخرى تختلف عن تلك التي ترافق الوضع العادي، والتي تنطبق على حالة/نظرة التوحدي، مما يدفع الناس لاعتباره شخصا غير طبيعي، وهو ما يجعل محيطه يحاول حثه على رؤية الأشياء، كما يراها الآخرون. فالناس لايدركون أن الحركات الصادرة عن الشخص التوحدي التي لانستطيع فهمها ولاتعجبنا وتزعجنا كالضرب على الطاولة، إنما هي تصرفات الهدف منها إثارة الانتباه لأمر ما، وإلى حاجة من الحاجيات، التي لانوليها عناية، بما أن التفكير يبقى مقتصرا على الإزعاج في حد ذاته وليسا أمرا آخر. مع العلم أنه تأتي لحظات على المصاب بالتوحد يفكر خلالها تفكيرا يفوق الإنسان العادي، ما يدفعنا للتساؤل إن كان نابغة. علميا لا نعرف أسباب التوحد ، هل هي نفسانية، بيولوجية، أم ترجع لخلل في الدماغ ، حتى أن البعض يتحدث عن أن التوحد لا علاج له ، ومدارس طبية كبرى ربطت ذلك بالجانب النفسي. التجارب أثبتت أن تحقيق تطور في سلوك الشخص التوحدي مرتبط بالبيئة والعائلة ومعالجة الأعراض التي يعاني منها مع منح الدواء لكل عرض على حدة، وهو ما أدى إلى نتائج إيجابية، في حالات كثيرة ، إذ انخفضت حدة العصبية، وتم تحقيق الانتباه والتركيز، النقص في الحركات، مع الاهتمام بالمبادرات الشخصية من خلال إدماج المصاب بالتوحد في عالم الرياضة عبر مزاولته للسباحة، الكراطي...وغيرها ، بل وقيامه حتى بالتبضع. يلزم تكامل تام بين مكونات الأسرة والمجتمع لتجاوز نظرة الآخرين للمصاب بالتوحد التي تصيب الآباء بالإحباط. ويتعين إنشاء مدارس مؤهلة لرعاية هذه الفئة بأطر مكونة وهو الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات الحاملة لهذا الهم والطامحة لخدمة المجتمع من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ما يُعاب أن عددا من الأطباء لا دراية لهم بالتوحد الذي يبقى أمر اكتشافه وتشخيصه مبكراً جد أساسي، وهي المهمة التي تصعب على أطباء الأطفال الذين هم المحطة والوجهة الأولى لآباء وأولياء أمور الأطفال التوحديين، مع الإشارة إلى أن كل طفل توحدي هو حالة فريدة من نوعها والتعامل والتواصل معه يجب أن يكون فرديا لا جماعيا. وللأسف فإن مجموعة من وسائل الاعلام ومعها عدد من القطاعات الحكومية المعنية، لم تعط الاهتمام الكافي لهذا الموضوع، رغم أن المنظمة العالمية للصحة والجمعية العمومية تبنت هذا اليوم العالمي منذ 2007، نظراً للانتشار الواسع لهذه الإعاقة، فحسب الإحصائيات الرسمية العالمية ، تعتبر اليوم من أكثر الإعاقات انتشاراً في العالم وبدرجة تطور جد سريعة تتراوح ما بين 10 إلى 17% سنوياً. فالدول العربية عملت مبكراً على إنشاء مراكز متخصصة في مجال التوحد، تقوم أساسا على رعاية الأطفال المصابين بهذه الإعاقة من خلال عدة وحدات فنية وتربوية يسهر عليها طاقم طبي وتربوي متخصص ومُكون باستمرار للسهر على استمرارية الخدمات المقدمة لهذه الفئة من الأطفال. وتعتمد هذه المراكز على التشخيص المبكر الذي يقوم به عدد من الأطباء الاختصاصيين في عدة مجالات كالطب النفسي وعلاج النطق والكلام، إضافة إلى المتخصصين في مجال التربية الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم ذوي التوحد، وكذلك وحدات تعنى بالتكوين والتكوين المستمر والبحث العلمي في هذا المجال، بالإضافة إلى «نوادي للأسر» من أجل تخفيف المعاناة النفسية والسيكولوجية التي يصاب بها الآباء، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى تصدعات عائلية، ولنا في المغرب أمثلة كثيرة في هذا الباب. كما أن هذه المراكز عمدت إلى خلق أندية رياضية وترفيهية لهذه الفئة من الأطفال ووضعت برامج مستقبلية لإدماجهم في ميدان الشغل، من خلال تداريب تقوم بها عدة قطاعات حكومية ومقاولات لتسهيل عملية الاندماج في سوق الشغل. في المغرب، باستثناء ، حسب علمنا معهد الأميرة للا مريم للأطفال الانطوائيين بطنجة، لا توجد هناك مراكز متخصصة حتى في كبريات المدن ومنها الدارالبيضاء، كل ما هناك جمعيات تعمل جاهدة، كل حسب إمكانياتها المتواضعة، للتخفيف من معاناة هذه الفئة من أبناء مجتمعنا بدون أي تنسيق للجهود المشتتة بين هذه الجمعيات للوصول إلى أهداف مشتركة تعمل كل جمعية على تحقيقها بدون مشاركة فعلية للقطاعات الحكومية المعنية بهذه الإعاقة. ولتجاوز هذه الوضعية، قررت عدة جمعيات تكوين تحالف وطني للتوحد بالمغرب من خلال تكثيف الجهود للوصول إلى الغايات المنشودة، ألا وهي إدماج أكبر عدد من الأطفال التوحديين بالمجتمع.. وليست هناك إحصائيات مضبوطة في هذا المجال بالمغرب، وذلك راجع لعدة أسباب: 1 أن هذه الإعاقة غير معروفة لدى فئة كبيرة من الأطباء والأسر كذلك. 2 هناك عوامل ثقافية وتقاليد مغربية تؤطر التعامل مع الإعاقة، بحيث أن أغلبية الأسرلا ترغب في إظهار أطفالها المصابين، وتلجأ إلى أساليب ومعتقدات خرافية كالشعوذة وزيارة الأضرحة، عوض عرض الحالات على الجمعيات المختصة والأطباء. 3 عدم وجود آليات للتشخيص المبكر. الإحصائيات المتواجدة حاليا هي تلك الخاصة بمنظمة الصحة العالمية التي تقدر عدد الحالات بحالة واحدة من أصل كل 150 طفلا تقريبا، وطفلة واحدة من بين كل أربعة أطفال، وبذلك حسب تقديراتنا لهذه المعطيات يكون عدد الأطفال المصابين بالمغرب حوالي 20 ألف طفل توحدي ، الأغلبية الساحقة منهم بدون تشخيص طبي وبدون رعاية تربوية. ويجب على وزارة الصحة العمل على وضع آليات للتشخيص المبكر من أجل التقليص من حدة الإعاقة من خلال التدخل الأولي. وذلك من خلال إعداد بروتوكول وطني موحد للتشخيص من طرف فريق متعدد التخصصات، حسب ما هو معمول به على صعيد الدول المتقدمة ومجموعة من الدول العربية على وجه الخصوص، والعمل كذلك على تكوين الأطر الطبية والفرق الاستشارية الفنية في مجال الخدمات المقدمة لفئة التوحد، وبالأساس الإعداد لبرنامج وطني للتوعية لاستهداف جميع شرائح المجتمع، وخاصة الأسر لتوعيتها بالأعراض المصاحبة لإعاقة التوحد والقيام بالتشخيص المبكر من قبل المختصين. وهذا المطلب يعتبر أساسياً من طرف الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي اعتمدت يوم 2 أبريل من كل سنة، للتحسيس والتوعية بهذه الإعاقة الخطيرة وجددت التزامها في ثاني أبريل 2009 لحث الدول الأعضاء على توفير المساعدة التقنية والصحية للحد من هذه الإعاقة. لذلك تطالب الجمعيات المختصة بالمغرب تطبيق جميع الإعلانات العالمية والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية والمفاهيم الحقوقية التي تقر وتؤكد على حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم ذوي فئة التوحد في جميع الميادين الصحية، التعليمية، الرياضية والمهنية.