التأويل هو المرجع والمصير إلى مآلٍ ما بدليل يدلّ عليه، يُبتَغى مستقرا وحصنا وملاذا. والتأويل وسيلة وقنطرة نَعبُر من خلالها لبلوغ المأرب والمآل، ومجالاته متعددة يُعدّ تأويل الكلام هو المدخل الطبيعي لها؛ إذ يستحيل جعل جميع لغات البشر حاملةً وجهاً واحداً من المعاني التي تتضمنها، هذا دون الحديث عن المعاني المتعددة الموجودة في الجمل والعبارات بمختلِف أساليبها، ودون المعاني المتناسلة من سياق أو مجموعة سياقات مقالية أو حالية، لا ينتبه إليها كثير من المهتمّين وحتى المتخصّصون. ولا يجادل نبيهٌ واعٍ في مدى أهمية التأويل ومحوريته في حياتنا؛ نستدل عليه مثلا بتنزيل جميع الأحكام شرعيِّها ووضعيِّها، قضائيِّها واجتماعيِّها وغيرها، حيث يشكّل التأويل المنهج الغالب على طريقة أجرأتها وإقامة علاقات الناس وحلّ إشكالاتهم إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل، وحفظا للحقوق وصيانة للحدود. هذا ومن أخطر العنف المُمارَس في الحياة هو الذي يَستنِد إلى استدلالات عقلية تمتح من نصوص الدّين الحمّالة لمتعدّد الأوجه والمعاني، متوهّمة أنها تَعبُد الله وتتقرّب إليه بمنهجها التأويلي الذي أقلّ ما يمكن أن يقالَ عنه هو تأويل بعيد، وإلا فهو منحرف ضالّ. وهذا لا يسلم منه أتباع جميع الديانات وضعية كانت أم سماوية. إن العبور بتأويل النصوص -لتبرير ممارسات وأحكام في حق النفس والغير- ركن ركين في تشكيل كثير من التصورات الضابطة للتصرفات؛ لأن محتوى التأويلات أحكام عقلية لا مناص لنا منها في علاقاتنا؛ فحقُّها حقّ وباطلُها باطلٌ. وما دمنا أحياء نتحرك فتفاعُل عقولنا مع العالم من حولنا مستمرّ ماضٍ في طريقه، تارة يصيب وتارة يخطئ. ومما يدلّ على أساليب التأويل المتعسف: تقطيع النصوص وصرفها عن تكاملها بنصوص أخرى يجمع بينها نفس الموضوع، وهذا منهج عزَّ مطلب مَن يُتقِنه. انتقاء حكم من بين متعدِّد الأحكام الفقهية أو الاعتقادية، وإيهام الناس أنه هو الحُكْمُ الحقّ والفيصل بين جميع الأقوال، في حين لا يعدو أن يكون ذاك الحُكْم رأيا من ضمن الآراء له دليله، قد يكون دليلا مصيبا وقد يكون مخطئا. يتأكد هذا مثلا في ركوب مطية اعتماد المنهج الظاهري الذي خالفه أغلب علمائنا عبر العصور، يتعمّد المغرضون اليوم -بجهلهم البسيط والمركَّب- تجديدَه بعيدا عن المنهج المقاصدي المتجدد المجدِّد، الذي اعتمده علماؤنا قديما وحديثا. نصرة انتماء أو مذهب ما بتجميع ما يصبّ في أهدافه الخاصة به؛ إيهاما للناس أن ذاك الانتماء أو المذهب هو صادر من صميم الدّين والقداسة والطّهر، وأنّ غيره علماني ومدنّس ومنبوذ. إيهام المتعسفين في التأويل بتضليل غيرهم بأنهم مَن تجمّعت فيهم صفات الذّود عن حِمى الدّين والوطن، وكأنّ بلدنا كان وما يزال بدون مؤسّسات تُعنى بهذا الشأن، حتى جاءوا هم ينقذون الأمة من الضلال والتضليل. تقديم المتعسف في التأويل الديني نفسه أنه يفقه في شتى التخصّصات الحياتية ومجالاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وغيرها، ويكفيه أن يستدل بآية أو حديث في التخصص الذي يناقشه حتى يتصدّر التوجيه والإرشاد والنصح. إقصاء المتخصصين في الشأن الديني بكيل الاتهامات الجاهزة لهم، من ضمنها بدعية التأويل خصوصا ما يتعلق منه بالصفات الإلهية، المفضي إلى الكفر بالله في نظرهم، أو موالاتهم للسلطة وعدم الصدع ب"الحق"، المفضي إلى "أحقية" هجران الناس لهم وعدم الأخذ بأقوالهم. الاستناد إلى منهج التعميم في مواطن التفصيل، وهو أغلب الخطاب الديني؛ إذ يتوهم الموجّه دينيا أن نصوص الوحي التي ورد أغلبها بمبادئها العامة -الصالحة لمختلف الأزمنة والأمكنة- تكفي ظواهرها لتصنيف الناس والحكم عليهم، وتكفي لتوظيفها في اقتراح حلول لِما جدَّ من أقضية وإشكالات معاصرة. تعميم أدلة وردت في شؤون خاصة بأصحابها، كالنصوص الخاصة بالمنافقين مثلا، وجعل عامة الناس مقصودين بها. اعتماد أدلة من الوحي مختَلَفٍ فيها، وإلزام الأتباع بفهم واحد منها؛ لإنشاء معارضة مثلا، بل تأطيرهم ليوم الزحف والجهاد المبارك بذاك الفهم. وعلى النقيض من هذا يَعْلَمون هم أنفُسُهم -قبل غيرهم- أنّ مِن بديهيات القواعد العلمية سقوط الاستدلال بالدليل المختلَف فيه؛ ف"الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال". وهذا يفيدنا في التنبيه على تعسف إطلاق حكم سلبي على من التزم الفهم المخالف للمتأوِّلين بفهم واحد فقط، فتأويلهم ليس حجّة على المخالف. قياس تديّن الآخرين -بل مطلق ممارساتهم اليومية- بما توصّل إليه المتعسّف في التأويل من درجة الالتزام والإيمان وممارسة شعائره التعبدية. أقل ما يمكن قوله هنا هو السقوط في مَطَبّة التّكبّر بتزكية النفس والغفلة عما ورد من التوجيه النبوي في صحيح البخاري التالي: "... فوَاللهِ إنّ أَحَدَكُم -أو الرَّجُل- يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتّى ما يَكونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها غَيْر باعٍ -أَوْ ذِراعٍ-، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلها، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتّى ما يَكونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها غَيْر ذِراعٍ -أَوْ ذِراعَيْنِ-، فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتابُ فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ فَيَدْخُلها". إيهام الأتباع بأن قائدَهم الموجِّهَ لهم محبوبٌ لدى مسؤولي الدولة؛ وهذه خطة ليكون تأثيرُه فيهم أقوى وأجدى. وعليه، فمما نلاحظه من نماذج التأويل التي يتَوَهَّمون أنها مُبرَّرةٌ دينيا ما يلي: تكفير مَن استعمل التأويل في العقيدة بحجة أن الإمام مالك كفّر المتأولين، في حين يغفل هؤلاء -بِعمدٍ وبغيره- أن المسألة مُختَلَفٌ فيها، بين مطلق المذاهب وداخل المذهب المالكي نفسه؛ مما يَسْقُطُ بهذا الاختلافِ الاستدلالُ بها، على أنّ مِن المالكية مَن وجّه تكفير الإمام لهم بأنه يقصد الجاحد منهم، أو أنه أدَبٌ لهم، وهذه منهجية للموجّهين والمربّين آنذاك لردع المتلاعبين بغير علم بعقائد الناس، وهي من بين مناهج التّربية والتهذيب المشتركة بين جميع الموجِّهين والمربّين قديما وحديثا. استقطاب الناس حيثما كانوا بمبدإ عالمية الإسلام الرائع لتوهيمهم بإمكان توحيد المسلمين عمليا تحت حكم واحد ممثل في نظام الخلافة، فتمضي الأعوام وتنقضي الأجيال تلو الأجيال ولا شيء يتحقق واقعيا من هذا. وعليه فعموميات تنزيل التطبيق العملي للشريعة الإسلامية تأويل تعسفي باختزال أحكام الدين في مبادئه الإجمالية وشعاراته العامة. ولعل قصيدة "مسلمون مسلمون مسلمون" التي أطّرت حركاتٍ إسلاميةً عالمية وما تزال تدخل في هذا الإطار، ذلك أنه يستحيل وجود دولة إسلامية واحدة موحدة في جميع بقاع المعمور؛ فاختلاف استنباط الإمام الشافعي مثلا بمصر عما استنبطه بالعراق لم يكن اعتباطا ولا تملصا من الأحكام الدينية أو تحريفا لها في تأطير علاقات الناس. وهذا مثل ادعاء أن لا حدود للوطن إلا ب"لا إله إلا الله" كما في كتابات منظري الحركة الإسلامية العالمية في القرن الماضي. وهذا بطبيعة تحليلي يهمّ حركة الإخوان المسلمين العالمية التي اقترح بعضُهم حَلَّها، وأنا أخالفهم الرأي لأقول بالإبقاء عليها، لكن بشرط اندماجها في مجتمعها لخدمة مقاصد بلدها الحضارية، انطلاقا مما تُجيدُهُ من ضبط القيم الإسلامية المتوافقة مع باقي القيم الكونية. فعوض تشتيت الانتباه في مبادئ عامة، وانشغال الأتباع عبر العالم بأمور نظرية أكثر منها عملية، ولا يُعرَف بالضبط مَن يتحكّم في دواليب تسيير الجماعة عالميا، وفي مختلِف الفروع المنتشرة هنا وهناك، ينبغي العمل ضمن مؤسسات البلد المنتسب له هذا الانتماء وفروعه للإسهام في رصّ الجهود وتركيز العمل للنهوض الفعلي بالبلد وتخصصاته، ولعل انفصال فرع الأردن عن الحركة الأمّ في سنة 2015 دليل على هذا. تسويق نمط معيّن لشكل "المجتمع المسلم" و"الدولة المسلمة" من خلال جلسات إيمانية أو تربوية خاصة، بعيدا عن التشخيص الشمولي محليا وعالميا، والاعتراف بجهود السابقين المؤسّسية من شتى التّخصّصات في إقامة حضارتنا وتطويرها، وهم في هذا لا أهلية لهم في اكتساب تجارب حياتية متنوعة تمكّن من اقتراح نماذج حضارية مناسبة. اعتماد منهج الظاهرية الذي سوّقت له "السلفية المعاصرة/الوهابية" وتشبّعت به الحركات الإسلامية بوعي وبغير وعي، بسبب التأويل البعيد لبعض النصوص، وأسوق مثالا يعدّ أرضية أساساً للاستقطاب وتكثير الأتباع، من خلال الحديث النبوي المخرج في صحيح البخاري وصحيح مسلم التالي: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقامُ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمُّ النّاسَ، ثُمَّ أَنْطَلِق بِرِجالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلى قَوْمٍ لا يَشْهَدونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيوتَهُمْ". وبظاهر هذا الحديث وغيره عمدوا إلى نشر حُكم وجوب الصلاة في المسجد جماعة المخالفِ لرأي غالبية علماء السُّنَّة المختَلِفين إلى القول بحكم فرض الكفاية أو أن الجماعة سنّة مؤكدة، دون القول بشرطية الجماعة في صحة الصلاة، وذاك بِلَيِّ أعناق النصوص التي نزلت بخصوص المنافقين الذين لم يكن يعرفهم إلا الرسول الكريم والصحابي حذيفة بن اليمان صاحب سرّه. فوجود غالبية النّاس غير المتخصّصين في فهم النصوص بسيطِها ومركَّبِها، خمسَ مرات يوميا بالمسجد، صيدٌ ثمين لتمرير أيّ تأويل ديني مُطعَّم بنص أو مجموعة نصوص مقتطعة من سياقها والغرض المسوق لها، يُوهِمُ مستمعيها أنها الحق وما بعدها إلا الضلال المبين، تستحق التضحية بالسّجَن أو الموت من أجلها. وبثّ هذه الأحكام بين الناس يتمّ في مختلف الدروس الدينية وخطب الجمعة والمحافل العائلية بالمنازل والقاعات والمنتديات والمخيّمات وغيرها. هذا فضلا عن مخالفة "السلفية المعاصرة/الوهابية" كلا من "السلفية التأسيسية/أحمد بن حنبل" و"السلفية الوسيطية/ابن تيمية" في قولها بالخروج على الإمام، ونحن نعلم ما لهذا الحكم من بثّ الفتن وتشتيت الصفوف للتمكين لمغرضي الداخل والخارج من إدامة استنزاف خيرات بلداننا لصالح الاستكبار العالمي، وتطوير ترسانته الحضارية. الإسراع في تخوين الغير بنصوص عامة وردت في الولاء والبراء، والغفلة أو التغافل عن خصوصيات حَدَثٍ ما؛ مثال هذه الخصوصية ما أورده الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" في ترجمته للصحابي حذيفة بن اليمان من قوله: "ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجتُ أنا وأبي، فأَخَذَنا كفارُ قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدا؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة. فأخذوا العهدَ علينا لنَنْصَرِفَنَّ إلى المدينة ولا نقاتلُ معه. فَأَخْبَرْنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: نَفِي بِعهدِهِم ونستعينُ اللهَ عليهم"؛ ولهذا ثبت عن حذيفة قوله: "إنّي لأشتري ديني بَعْضَهُ ببعضٍ؛ مخافةَ أن يذهبَ كُلُّهُ". وإن منهجَ تخوينِ مسؤولين وعلماء ومفكرين حيلةٌ ناجحةٌ في لفت القلوب والأنظار لتوجيهات المتأوّلين التعسّفيّين، وفي تَمَكُّنِها من قناعات الأتباع وإخلاصهم، كل هذا في غفلة من أنشطة المؤسسات الدينية التي يزهد فيها هؤلاء من جراء ذاك التخوين. وقد حصل مثل هذا معي لما حدّثتُ شابا، شكلُه وانتماؤُه يدّعي أنه "سلفي"، كان يؤمّ في صلاة التراويح وصحَّحْتُ له خطأه في صفات بعض الحروف، في 6 رمضان 1437 الموافق 12 ماي 2016، فوصفني بأنني "غير متخصّص". "تشريع" قتل من استهزأ برسولنا الكريم أو أساء إليه؛ وقد كان الصحابي الشاعر حسان بن ثابت ينافح عنه عليه السلام، ويرد الشعر بالشعر، والفكرة بالفكرة؛ إذ الأمر متعلق بالإقناع الفكري والإذعان القلبي والإحياء الروحي، لا القمع الفكري والإكراه القلبي والإعدام الجسدي. ازدواجية التعامل مع أحكام المُكْرَه والرخص الشرعية؛ إذ يتعامل المتأول المتعسّف مع غيره بالعزيمة، فلا يقبل منه إلا الصفاء المطلق والجو الملائكي الطهراني، وتحمّل المسؤولية كاملة، أما هو فيلتمس لنفسه ولانتمائه -حالة إخفاقهم- كل أدلة الرخصة والاستثناء وأحكام الإكراه والاضطرار. انسلال بعض القادة لمؤسسات الدولة حتى يصيروا مقرّبين، كانضمامهم لِلِجان مؤدّى عنها مثلا، وأخص بالذكر هنا اللجان الدينية. ويوهِمون بهذا القرب أن لديهم "كلمة مسموعة"، يُيسّرون بهذا الإيهام تقرّب السّذّج منهم، على أنّ من هؤلاء السذج مَن لديه شهادات عليا، يُسَخِّرُهُم أولئك القادة لصناعة الرأي العام المعارض مثلا، ويبقون هم متمظهرين بمواقفهم "السلمية" و"أخلاقهم الطيّبة" ونصائحهم "الغيورة"، دليل هذا أنهم يؤلّبون ويحرّضون على مَن عارَضَهُم -أو حتى ناقَشَهُم وخالَفَهُم في رأيٍ ما- جحافلَ "مُغيّري المنكر" ضمن دعوتهم إلى الله "المباركة"، ولا يتورّعون أو يراقبون الله حتى في توظيف وظائف الدولة العمومية ليجعلوها تخدم مآربهم الخاصة، باستنفار أولئك السذّج ليسفّهوا حتى أبحاث المعارضين الأكاديمية، بل يبلغ ببعضهم الأمرُ درجةَ ابتزاز أكاديميين لإرغامهم على الانخراط في انتماء ما لينالوا الرضا المطلق من طرف اللجنة "العلمية" التي "بيدها أمر النجاح والرسوب"... والتأويل المنحرف هنا يتمثّل في ركوب مطية شأن عام لجعله خاصا بهدف معيَّن، يحرّفون به شروط نيل الحقوق المسطَّرة مؤسّسيا؛ ليعوّضوه بشروط تخدم أجندة خاصة بهم وبمن يَرْضَوْنَ عنهم، مما خَفِيَ لدى الغالبية العظمى من الأتباع والناس. ازدواجية التناقض لهؤلاء القادة متوهّمين إرضاء قواعدهم ب"تغيير المنكر" وإرضاء مسؤولي الدولة ليُبْقُوا عليهم أعضاء في لجان رسمية، فسياق الأتباع يقتضي تنفيرهم وتأليبهم للوقوف بكل جهد ضد إصلاح التعليم مثلا، وسياق المحافل العامة يقتضي التحدّث بالإشادة بإصلاح ذاك التعليم، بل هو من صميم ديننا الإسلامي وما كان عليه سلفنا الصالح، كذا سمعتُ بأذنيَّ في إحدى الحفلات السابقة لتخرّج طلبة باحثين غير مغاربة. وليس لهذا من منهج إلا تأويل تنزيل ما في ذهن هؤلاء القادة من مبادئ دينية في سياقٍ بشكلها المعارض، وفي سياقٍ آخر بشكلها الموافق. توظيفهم لمنابر مؤسساتنا الدينية لتخريج وعاظ ودعاة ليقترحوهم مثلا خطباء جمعة، كما حصل لي، حيث رفضتُ وساطتهم لألج مجال الخطابة باقتراح منهم. وأختم بمضمون حوار دار بيني وبين أحد زملائي الفضلاء المنصفين، حيث تبيّن له أن ينصر مؤسسات بلده المغرب بعيدا عن أجندة تُحَرِّكُها أيادٍ خارجية، كان هذا زمن دراستنا الجامعية. وهذا لمّا خاطبني معاتبا لي على عدم انخراطي في عمل سياسي إسلامي أخدم به الدعوة والتهييء للدولة بما أقدر عليه. فرددت عليه بأني لا أرى مسوّغا لا شرعيا ولا واقعيا لوجود فرع أو فروع ببلدنا المغرب لانتماءات مراكزها بالخارج، قادتُها المؤسِّسون منهم مَن هو ببلده ومنهم من هو فارّ بجلده قد ترامى في أحضان الغرب... وبحمد الله تعالى تمضي الأيام تلو الأخرى ويزداد توقّعي وضوحا وتأكيدا. وما زالت الأيام تتوالى حَفِيٌّ بها مَنْ تَعالى.. *جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس