أعاد العمل الإرهابي الذي نفذه متطرفون بمنطقة إمليل قرب مراكش مسألة انتشار فكر الإرهاب في أوساط شرائح من المجتمع المغربي، رغم كل المجهودات التي تبذلها السلطات ومؤسسات الوساطة والمجتمع المدني على مستوى تربية المواطنين على تقبل الاختلاف الفكري والعقدي، واعتباره مصدر اعتزاز وتبيانا للتسامح، عوض تصنيفه كمصدر للشرور والمآسي. الفعل الشنيع الذي استنكره المغاربة أثار ردود فعل دولية كبيرة ربطت المغرب بغياب الأمان، فيما تسير التعليقات في اتجاه التنديد بالجريمة، مطالبة بإنزال أقسى العقوبات بالجناة، وتجفيف منابع التطرف في كتب التربية الوطنية ومحاصرة كل التنظيمات التي تدعو إلى التطرف، والعمل على مراقبة الخطابات التي تتسرب عبر قنوات التطرف ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بخطاب الكراهية. تراث إرهابي اعتبر محمد عبد الوهاب رفيقي أن "مصطلح "تجفيف المنابع" كان يثير كثيرا من الاستهجان"، مردفا: "كنا نراه نوعا من التطرف المضاد الذي يؤزم المشكل وربما يفرز تطرفا أفظع، لكن الحل اليوم هو تجفيف المنابع"، مشيرا إلى أن الوقت حان للتفكير في هذا الحل بكل جدية. وقال رفيقي، في "تدوينة" على صفحته الرسمية: "كفى من الترقيع، كفى من محاولات التلفيق الفاشلة، كفى من الدفاع عن البيئة الفكرية المنتجة للإرهاب، كفى تساهلا مع التكفير وكل خطاب يستهدف الإنسان، كفى من الادعاء بأننا أنجزنا وفعلنا وقمنا، وفي الأخير التطرف لازال بيننا، ويعشش في أدمغة كثير من أبنائنا"، مطالبا بوقفة حاسمة وقاطعة مع كل ما من شأنه إنتاج هذا "الفكر البئيس". وشدد المتخصص في التراث الإسلامي على "ضرورة تجفيف مناهجنا، ومقرراتنا الدراسية، وإعلامنا، وخطابنا الديني بكل قنواته ومنابره، وجامعاتنا ومكتباتنا ومؤسساتنا العلمية، من كل التأويلات والتفسيرات والاختيارات والمناهج البيداغوجية التي تنتج بلداء ومقلدين ومتعصبين"، مشيرا إلى أن "كل هذه العوامل تتضمن تطبيعا مع فكر الكراهية والتعصب والحقد على الآخر، وكلها قنوات نحو التطرف والإرهاب". وأوضح رفيقي: "حين تدافع عن المنظومة التراثية بكل ما فيها من خير وشر، وترفض أي نقد لها أو مراجعة، فأنت تطبع مع الإرهاب، لأن ذلك المجرم يعود إلى تلك المنظومة فيجد فيها أن نساء الكفار حلال، وأن دم الكافر حلال، وأن سبي نساء الكفار قربة وعبادة وجهاد، وأن اليهود والمسيحيين هم المغضوب عليهم والضالون، وأن الولاء والبراء عقيدة لا يصح دين المسلم إلا بها، فكيف تلومه بعد ذلك على اتباع منظومة تنافح عنها؟" وختم رفيقي حديثه قائلا: "إن لم نقم بعملية تجفيف لمنابع كل هذا الفكر، والتأسيس لقيم المواطنة والتربية عليها، بعيدا عن كل الإيديولوجيات الدينية التي أنتجت كل هذا الخراب، فستظل أرواحنا في خطر، وستبقى حياتنا تحت رحمة مجرم يريد أن يتخذ من أمننا وحياتنا طريقا له نحو مضاجعة اثنتين وسبعين من الحور العين". مشكل عالمي أورد ادريس الكنبوري، الباحث المتخصص في السلفية الجهادية، أن "أمر الإرهاب متشابك ومعقد"، مشيرا إلى أن "الدولة تبذل مجهودات كبيرة في هذا الباب، على مستوى القضاء على دور الصفيح، والتنسيق مع الدول الأوروبية لضمان سلامة الوطن، لكن هناك مشاكل عديدة مرتبطة بالإرهاب تتجاوز قدراتها". وأضاف الكنبوري، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "الإرهاب ظاهرة عالمية، وجميع خبراء العالم يشددون على ذلك"، لافتا إلى أنه "لا يمكن القضاء عليها محليا"، وزاد: "في حالة صحة رواية أن أحد المجرمين كان في سوريا، فسيكون قد تدرب في قطر آخر بعيد عن المغرب، ما يوضح طبيعة التشابكات الإقليمية والعالمية للظاهرة الإرهابية". وأبرز المتحدث أنه "في الشق الأمني هناك إقرار دولي بجهود المغرب، فالمملكة طورت منظومتها الأمنية للتعاطي مع قضايا الإرهاب، لكن في ظل غياب تنسيق أمني ودولي لا يمكن أن توقف الجرائم"، مشددا على أن الأسباب تظل عالمية، وزاد: "صحيح أن التربية الإسلامية مسؤولة عن تفريخ الإرهاب، لكن من المسؤول في دول مثل كندا وفرنسا ذات التعليم العلماني". وأوضح الكنبوري أن "الوضع الحالي يستوجب اعتبار الإرهاب مثل ظاهرة التلوث، ويقتضي اجتماعات على أعلى مستوى"، مضيفا: "بروز الإرهاب يتجاوز الإسلام السياسي، فهو مرتبط بشكل كبير بظاهرة السلفية الجهادية، والمسؤول الأول عما يحصل يظل هو الأممالمتحدة، لأنها ترفض إعطاء تمثيلية في مجلس الأمن لمليار مسلم يتواجدون في العالم". مجتمع مريض قال أحمد عصيد، الباحث في الشؤون الأمازيغية، إن "الجهود الأمنية للدولة معروفة، لكنها تتمركز بشكل كبير على مستوى المدينة، والجريمة الإرهابية الحالية وقعت في الجبال، حيث تربص المجرمون بالسائحتين ونجحوا في فعلهم الشنيع، بحكم غياب الحراسة عن المناطق الأخرى، وعزلة المكان". وأضاف عصيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الجريمة ستؤثر بشكل كبير على السياحة وصورة المغرب لدى المنتظم الدولي"، مشددا على أن على العملية الإرهابية أن تجعل الدولة تقوم باحتياطات أكبر على مستوى جميع المناطق، مطالبا بإنزال أقسى العقوبات على الإرهابيين. وأردف المتحدث بأن "العملية تستوجب القيام بحملة وطنية ضد ثقافة الكراهية التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الأسرة والمدرسة"، لافتا إلى أن التيار العام داخل المجتمع يتقبل العنف بشكل غريب، وزاد: "المطلوب هو التحرك لإصلاح مجتمع مريض، والقضاء على ثقافة كره الاختلاف". وختم عصيد تصريحه قائلا: "ما حصل يتطلب مراجعة راديكالية لمضامين المنظومة التعليمية، وفرض رقابة على الإعلام، خاصة الإذاعات الخاصة، والتي تعمل على نشر أمور تدعو إلى الكراهية".