صدر للأستاذة الباحثة أم كلثوم المدني كتاب "دمج الأطفال التوحديين في المدرسة المغربية"، عن دار القلم (2018)؛ وهو كتاب يعالج أحد اختلالات منظومة التربية والتكوين، ويقف على المشاكل التي لم تنجح الوزارة في معالجتها بشكل ناجع في مجال إدماج الأطفال ذوي الإعاقة، على الرغم من الجهود المبذولة على الصعيدين النظري والقانوني، متخذة من مشكل دمج الأطفال التوحديين في المدرسة العمومية مثالا على ذلك. ويشير الكتاب إلى أن "الواقع يكشف هوة صارخة بين حجم الترسانة القانونية المعنية بحق الشخص في وضعية إعاقة في مزاولة حقه في التمدرس، وواقع الدمج المدرسي الذي لم يرق بعد إلى مستوى الطموحات المنشودة لا على مستوى الكم ولا الكيف". وبرزت الحاجة لدى الباحثة أم كلثوم إلى "التساؤل عن الصعوبات التي تعيق نجاح سياسة الدمج بشكل عام، سواء تعلق الأمر بالمتدخلين أو البرنامج في حد ذاته أو نوعية وخصوصية الإعاقة. وهذه التساؤلات التي أضحت تقلق بال المسؤولين والباحثين والمهتمين بمجال الإعاقة عموما، خاصة مع التزايد المهول لهذه الفئة، والتي جعلت من موضوع الدمج حاجة مجتمعية ملحة وآنية". وارتأت الباحثة الاشتغال على موضوع اتجاهات الأساتذة نحو دمج الأطفال التوحديين في المدرسة العمومية، يقينا منها ب"دور الأستاذ المهم والمحوري في احتضان هذه الحالات داخل الفصول الدراسية العادية وتسهيل اندماجهم وسط أقرانهم عاطفيا ومعرفيا"، محاولة خلال بحثها التركيز على "دراسة اتجاهات الأساتذة وعلى العوامل المؤثرة فيها، انطلاقا من السؤالين الإشكاليين: ما هي اتجاهات أساتذة التعليم الابتدائي نحو دمج الأطفال التوحديين في المدرسة العمومية؟ وما هي العوامل المؤثرة فيها؟". وانطلاقا من التساؤلين المذكورين، تم تفريع الموضوع إلى أسئلة فرعية وتبني فرضيات "هل عدم معرفة الأستاذات والأساتذة باضطرابات التوحد يؤثر سلبا على اتجاهاتهم نحو دمج الأطفال المصابين به داخل الفصول الدراسية؟"، و"هل عدم معرفة الأساتذة باستراتيجيات التعامل مع الأطفال التوحديين يؤثر سلبا على اتجاهاتهم نحو دمج الأطفال التوحديين؟". ولمعالجة المشكل المطروح وصياغة والتحقق من الفرضيات، تشكل البحث من جانبين، جانب نظري تضمن أربعة فصول وهي "الاتجاهات النفسية"، و"أطياف التوحد وأشكال التدخل المبكر"، و"دمج الأطفال التوحديين في المدرسة العمومية"، و"تقديم بعض الدراسات السَّابقة"؛ فيما تكوّن الجانب الميداني من ثلاثة فصول وهي "الأهداف والإجراءات المنهجية للبحث"، و"عرض للنتائج وتفسيرها"، و"تحليل ومناقشة النتائج". يشار إلى أن الدراسة أجريت بالمديرية الإقليمية لطنجة أصيلا، وتضمنت عينتها 60 من الأطر التربوية؛ من بينها 30 أستاذة. ومن أهم الاستنتاجات التي خلص إليها البحث، أشارت الباحثة إلى أن "اتجاهات الأساتذة الذكور نحو الدمج التربوي للأطفال التوحديين في المدرسة العمومية أكثر إيجابية من اتجاهات الإناث؛ والمعرفة بخصائص التوحد لا يؤثر على اتجاهات الأساتذة نحو الدمج التربوي للأطفال التوحديين، على الرغم من أن أفراد العينة ذوي المعرفة الجيدة لديهم اتجاهات سلبية قليلا فإنهم لا يمثلون إلا 10%. كما بينت الدراسة أن غالبية الأساتذة ليس لديهم علم بإستراتيجيات التعامل مع الأطفال التوحديين، وبالتالي لا يمكن التحقق من كون العلم بالإستراتيجيات يؤثر على اتجاهات الأساتذة نحو الدمج". وانطلاقا من نتائج البحث، قامت الباحثة بتقديم جملة من الاقتراحات والتوصيات التي من شأنها المساعدة على تجاوز المشكل؛ ومن ضمنها "دمج مجزوءة خاصة بالتربية الدامجة ضمن التكوين الأساس للأساتذة"، و"تنظيم ندوات وأيام دراسية حول موضوع الدمج لفائدة الأساتذة في إطار التكوين المستمر"، و"أجرأة ما ورد في الهندسة المنهاجية للتربية الدامجة"، و"العمل على تكييف الامتحانات بشكل تشاركي بين الأطر التربوية والمختصين في التوحد"، و"تطعيم اللجان المكلفة بدراسة ملفات الدمج بأخصائيين نفسيين وأخصائيي النطق..."، و"تزويد المؤسسات التعليمية بالتجهيزات والولوجيات اللازمة لاستقبال هذه الفئة".