شهدت مدينة طنجة على مرّ تاريخها إطلاق إذاعات اختلفت توجهاتها ومشاربها، ولقيت إقبالا حيناً بينما اختفت بعضها في صمت أحيانا أخرى. وتعد أول محطة إذاعية بمنطقة طنجة الدولية هي التي تم تأسيسها من طرف المحامي الفرنسي "هومبورك"، والصحافي "أندري بيير" سنة 1935، تحت مسمّى "إذاعة طنجة"؛ ورغم أنها كانت محطة صغيرة إلا أنه تم منعها في السنة نفسها من طرف المجلس التشريعي للمنطقة الدولية بضغط من فرنسا. يقول هشام البخاري، وهو جمعوي مهتمّ بتاريخ طنجة، إن سنة 1939 شهدت تسليم السلطات الفرنسية لشارل ميتشلسون "1970-1970"، "الذي اشترى تلك المحطة الصغيرة سنة 1936، وحق استغلال الخدمات الإذاعية بمنطقة طنجة، وأسس إذاعة "إمبريال" كمشروع إعلامي سمعي طموح وضخم يكون ناطقا باسم فرنسا الكلونيالية وموجها إلى مستعمراتها عبر التخطيط لإقامة محطات دافعة بمناطق مختلفة من القارات الخمس". ويستطرد البخاري بأن هذا المشروع "أجهض من طرف سلطات حكومة فيشي الفرنسية العميلة مع الاحتلال النازي لفرنسا، التي سوف تقوم بحجز الدفعة الأولى من أجهزة البث من موانئ جنوبفرنسا واعتقال السيد شارل ميتشلسون بتهمة كونه "يهوديا غير محدد الجنسية"، ولرفضه التنازل لحكومة فيشي عن حقوق إذاعة "إمبريال" التي قام بتسجيلها بمحاكم طنجة الدولية قبل أن يستطيع الهرب والالتحاق بالولايات المتحدةالأمريكية؛ وذلك بمساعدة من السلطات الإسبانية". بعد تحرير فرنسا من طرف الحلفاء، يضيف المتحدث، "سوف يتم تعويض شارل ميتشلسون بمنحه حق استغلال الأمواج القصيرة لإذاعة مونتي كارلو بإمارة موناكو جنوبفرنسا". البداية الحقيقية للإذاعة بطنجة الدولية وعن البداية الحقيقية للبث الإذاعي بطنجة يوضح البخاري أنها كانت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالضبط سنة 1946 بتأسيس إذاعة طنجة الدولية من طرف الكاتب والمؤرخ والصحافي الأمريكي هيربيرت سوتوورت "1908-1999"، "حيث بدأ البث بوسائل بسيطة عبر شراء أجهزة تقنية بالية فائضة على الجيش الأمريكي، لكونه اشتغل في فترة الحرب العالمية الثانية كمراسل حرب بكل من الدارالبيضاء، الجزائروطنجة". وزاد المتحدث أن نجاح إذاعة طنجة الدولية كان مبهرا في الأسابيع الأولى من عملها، "ما سوف يشجع على دخول ممولين جدد للمشروع كمساهمين، أهمهم إذاعة "سير" الإسبانية، ليتم تأسيس الشركة الإفريقية للبث الإذاعي". واستطاعت إذاعة طنجة، وفق المتحدث نفسه، أن تحتل مكانة مرموقة في المشهد السمعي بشمال إفريقيا وجنوب غرب البحر الأبيض المتوسط، وليس فقط لدى المستمعين الأجانب، بل حتى لدى الأهالي، وذلك بفضل خطها التحريري، خصوصا لقسمها العربي الذي كان يعكس التطلعات الوطنية ويدافع عن استقلال المغرب ووحدته الترابية. القسم العربي لإذاعة طنجة الدولية يوضح هشام البخاري بخصوص القسم العربي بالإذاعة: "منذ 20 غشت 1953، لعبت إذاعة طنجة الدولية دورا طلائعيا في دعم حركة المقاومة الوطنية من خلال بث رسائل مشفرة موجهة للفدائيين بمنطقة الحماية الفرنسية بأصوات متميزة لمذيعي قسمها العربي، من أمثال المختار الحليمي، محمد بنعمر، محمد الغربي ومصطفى عبد الله القادم من هيئة الإذاعة البريطانية". ووفق البخاري فقد ظلت إذاعة طنجة الدولية تبث لفترة طويلة برقيات ورسائل كان يوجهها مواطنون عاديون من مختلف مناطق المغرب المقسم إلى الإقامة العامة الفرنسي للمطالبة بعودة الملك الشرعي للبلاد جلالة المغفور له السلطان محمد الخامس إلى عرشه، والتنديد بصنيعة الاستعمار السلطان الدمية ابن عرفة. وإلى جانب إذاعة طنجة الدولية، يضيف البخاري في سرد تاريخ الإذاعات بمدينة البوغاز: "كانت هنالك إذاعات خاصة أخرى أهمها مجموعة محطات "أفريكا" المنافس المباشر لإذاعة طنجة الدولية على نسبة الاستماع وسوق الإشهار، وإذاعة بان أميريكان، وهي محطة أمريكية بإدارة وتسيير الإسباني "دون خايمي"، وقد تأسست بداية الخمسينيات، وكان مقرها بنفس بناية بورصة طنجة الدولية، كانت تبث برامجها باللغات التالية: الإسبانية – الفرنسية – الإنجليزية – العربية والهندية". "يضاف إليهما إذاعة صوت طنجة، وهي محطة تبشيرية للمذهب المسيحي البروتستانتي، كانت تبث برامجها بثلاث لغات: الإسبانية والإنجليزية، بالإضافة إلى الغة الفرنسية، وكان مقرها بمنطقة الجبل الكبير، أسسها سنة 1954 الدكتور المبشر الأمريكي "بول فريدتز"، ليستمر عملها إلى غاية سنة 1960، إذ انتقل مركزها إلى إمارة موناكو. ولازالت هذه الإذاعة موجودة إلى حد اليوم تحت اسم إذاعة "ترانس وورد راديو""، يورد المتحدث ذاته. وينهي المهتم بتاريخ طنجة إيضاحاته بالقول: "سنة 1960 سوف يتم إيقاف بث كل المحطات الخاصة الأجنبية العاملة بطنجة بقرار من الحكومة الوطنية للمغرب حديث الاستقلال آنذاك، باستثناء إذاعة طنجة التي سيتم تأميمها وشرائها من طرف الدولة المغربية وبسعر معقول حسب مذكرات مؤسسها "هيربيرت سوتوورت"، الذي قام بإصلاح معداتها التقنية قبل تسليمها لأصحابها الجدد، إذ تم تغيير اسمها إلى إذاعة "صوت المغرب"، ثم سرعان ما استعادت اسمها المعروف "إذاعة طنجة". كما ثم تكليف مصطفى عبد الله بإدارة المحطة بعدما كان سابقا مسؤولا عن قسمها العربي. وواصلت إذاعة طنجة بث برامجها باللغات الأربع، مع منح حيز زمني أوفر للبث باللغة العربية".