تجدّد موعد مدينة سلا مع موسم الشموع الذي يحتفي بالمولد النبوي بشموع ضخمة يتجاوَرُ فيها الأحمر والأصفر والأخضر، وتُقرأ فيها تعابير مثل: "عاش الملك محمد السادس"، "عاش الأمير الحسن"، "تركة محمد"، "الله"، "الله الوطن الملك"، عاشت الأميرة خديجة. ويرجع الاحتفال بموسم الشموع، حسب منظّميه، إلى المنصور الذهبي، الملك السّعدي، الذي راقه استعراض للشموع شَهده بإسطنبول التركية قبل تولّيه الحكم، فقرّر زرعه في أرض المغرب عند اعتلائه العرش، وكذلك كان… مسيرة احتفالية تقود المسيرةَ رايةٌ مغربية يرتدي حامِلُها لباسا يُفصِحُ عن انتمائه إلى الزاوية الحسّونية، وتلوح في الأفُقِ رايات الزاوية الصفراء، والحمراء، والخضراء، والبنفسجية، وشموع ضخمة فاقعٌ لونُها تشُدّ النّاظرين. تختلط في مسيرة الشموع مختلف ألوان موسيقى شمال غرب إفريقيا؛ فمن عيساوة بمزاميرِهم وطبُولهم، إلى غناوة بألبستهم المرصّعة بالأصداف، وشعورهم المستعارة المظفورة، وطبولهم و"قراقبهم" الحديدية، مرورا بمغني وراقصي أحواش بهزات كتفهم، وعازفي آلة "الغيطة" ب"شاشياتهم" المغربية. في مقدّمة المسيرة "جوق ملكي" أنثوي يعزف ألحانا وطنية، تتبعُهُ الشموع، والفرق الموسيقية، وحصانان أسودان مسرّجان يقود أحدهما طفل، ويحملُ الآخَرُ رجلا يجلس أمامه طفل يحمل لوحا قرآنيا. وتتذيّل الاحتفالَ شاحِنتا شرطة، وسيارة إسعاف، تسبقُهُما فرقة من إفريقيا جنوب الصحراء تعزف موسيقاها وترقص رقصاتها وتبدو على مُحيّاها نقوشً بيضاء. اهتمام شعبي تذوب في المهرجان فئات كثيرة من المجتمع المغربي فمن النساء، إلى الرجال، والشباب، والأطفال، وصولا إلى شابات يخشين أن تلتقط عدسات الكاميرات ملامحهنّ لأن آباءَهن ليسوا على علم بوجودهنّ هناك. ورغم وجود حواجز حديدية يرافق الكثيرون الفرق الموسيقية راقصين، ومتأملين، أو فقط مترنّحين بين جنبات الطريق الممتلئة ناسا؛ فيتناغم بذلك صراخ رجال السلطة مع الموسيقى القادمة من مختلف أنحاء المغرب، راسِما بذلك صورة شبه وفيّة عن المملكة كما نعرفها اليوم.. تنهي الفرق الموسيقية جولتها بين الشوارع وتصُبُّ في ساحة "باب بوحاجة" المؤثّث بالنخيل والأشجار والزهور وجزء من أسوار سلا التاريخية، فتسترق النّظرَ إليها عيون أخرى، طفولية ونسائية، من نوافذ وأسطح مبان مجاورة. نشاط احتفالي يحضر في "موسم الشموع" غنى الموروث الثقافي المغربي، ويغيب عنه الاحتفال بعيد المولد النبوي، إلا من إشارات هنا وهناك؛ فتتغنّى بعض الفرق باسم الله ورسوله، ويُحتفى ببعض حفظة القرآن اليافعين في صف دائري ينتظرون فيه دورهم مع باقي "التّمثيليات" الثقافية والفنيّة. تقف الفرق الفنية أمام مدرّجٍ ضاجّة بموسيقاها وألحانها، ومحاكِيَةً إيّاها بتمايُلِها، أمام جمهور قاعد من السياسيين، والأمنيين، والفنانين، والمسؤولين، وبعض الأجانب الذين تبدو في ملامحهم بصمات آسيوية وأوروبية وأمريكية، وجمهور واقف من عموم المهتمّين والفضوليّين. تتوالى عروض الفرق؛ فتعزف الطائفة العيساوية موسيقاها، وتدعو لملك البلاد، فتعلو بذلك التأمينات من المدرَّج، وتليها هزّات الكتف وغناء جماعي: "سلطاننا الله ينصرو ..سيدي محمد"، وتطلب فرقة أحواش النّصر للملك، وتدعو إحدى فرق "عبيدات الرمى" له وعائلته مشيرة إلى مغربية الصحراء، وتغنّي فرقة من زاكورة مع تمثيل مشهد قتالي بخنجرين حديديّين؛ كما تؤدّي فرق قَدِمَتْ من تاونات، ومراكش، ومناطق أخرى دورَها وتغادر "الخشبة الإسمنتية المستوية". وعلى صوت "صلِّ صلّ" يرقص عضو من أعضاء فرقة مصرية رقصة "الدّراويش" الصوفية، بينما يشُدُّ أحد زملائه وثاقَ دمية حصان، يظُنّها النّاظر لأول وهلة دُمية "اجْميلَة" المغربية؛ بينما اختارت فرقة من إفريقيا جنوب الصحراء أداء شقلبات هوائية على صوت دفٍّ وطبول وأغنية تقول بالفرنسية: "نحن أبناء إفريقيا". ينتهي الاحتفال على صوت "الغيطة"، فتَضْحَى المقاعدُ فارغة بعد امتلاء، ويختلط الناس ويصافحون ويحادثون بعضهم بعضا، ويذهب كلّ إلى حال سبيله تاركين الساحة خاويةَ على عروشها كَأَنْ لم تشهد قطُّ هرجا ولا مرَجا..