توطئة: من المعلوم أن المغرب غني بالرقصات الفلكلورية الشعبية ، ولاسيما الأمازيغية منها. وقد ارتبطت أيما ارتباط بالأشعار والألحان والأغاني والكوريغرافيا، وكان يشارك فيها الرجل إلى جانب المرأة، وذلك بطريقة فردية أو ثنائية أو جماعية. وتقترن هذه الرقصات الشعبية بالأعياد والحفلات والأعراس ومواسم الفلاحة والسمر، وترتبط أيضا بفترات المقاومة والنضال العسكري ضد الأعداء الغزاة. ومن هنا، فقد اقترن الرقص بالمقاومة وتحدي العدو، والانسياق وراء نغمات الرياح و الكثبان الرملية ، والانسياق وراء تحركات الطبيعة مدا وجزرا. وهذا ما جعل أحد الباحثين الغربيين يقول عن الرقص الأمازيغي:” إنه من إيحاء تموجات السنابل…أو الكثبان في الصحراء، أو أعراف الجبال في الآفاق”.[1] ويلاحظ أن الرقص الأمازيغي غالبا ما كان يتخذ طابعا جماعيا في أشكال هندسية متقاطعة أو متقابلة أو متوازية أو دائرية أو أنصاف دائرية. كما أن هذا الرقص أنواع عدة، فما هي هذه الأنواع يا ترى؟ وماهي خصائصها ومميزاتها الفنية والجمالية والدلالية وأبعادها الوظيفية؟ q رقصة إمذيازان: ظهرت رقصة ” إمذيازان” بمنطقة الريف انسجاما مع المقاومة الريفية وشعر النضال والاستماتة. ويسمى الذي يمارس هذا النوع من الرقص ” أمذياز” (الفنان)، بينما المرأة تسمى “ثامذيازت”(الفنانة). ويعني هذا المصطلح أن أمذياز فنان راقص ومبدع شاعر . بيد أن إمذيازان خرجوا عن نطاق الفن المحترم ليحولوا شعرهم ورقصهم وسيلتي استجداء وارتزاق وتكسب، فنزلت مكانة الشاعر ” أمذياز” إلى مهاوي الذل والحضيض؛ فأصبح منبوذا ومرفوضا في المجتمع الأمازيغي الريفي . ومن أسباب النبذ كذلك أن ” إمذيازن” كانوا يعيشون في منطقة الريف في مداشر منعزلة خاصة بهم، وكانوا لا يتفانون في العمل. بل كانوا يرتزقون بالفن والرقص والاستجداء. ومن ثم، كانوا منعزلين عن باقي المجتمع أيما انعزال؛ وذلك بسبب خصوصية عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم. وكانوا لا يتصلون بالمجتمع إلا في حالة الاستجداء وتنشيط الحفلات والأعراس، ويشبهون في ذلك حياة الغجر المنتشرين في بعض بقاع العالم أيما تشابه. ومن ثم، ترتبط صورة ” أمذياز” في كثير من الأحيان بالرجل الخامل والفنان المتكسب المتملق.كما تقترن صورة تامذيازت بالميوعة والخلاعة والدناءة الأخلاقية ؛ لأنها تستثير عواطف الحضور، ولاسيما في الحفلات والأعراس والمناسبات الوطنية والولائم . ومما زاد الطين بلة، أن تراجعت مكانة إمذيازان كثيرا في منطقة الريف في السنوات الأخيرة، وهمش فنهم تهميشا كبيرا، واستبدل بالفنون الغنائية العربية والأمازيغية المعاصرة. و في الأخير، نرى أن ظاهرة ” إمذيازان” في الريف باعتبارها ظاهرة فلكلورية ستضمحل في السنوات القليلة بشكل نهائي، إذا لم نسرع لإنقاذ هذا الفن الموروث، وتدوينه علميا ، وتوثيقه بشكل موضوعي، والحفاظ عليه أرشفة وتأريخا ووصفا وتصنيفا، وتشجيع أصحابه ماديا ومعنويا كما هو حال الرقصات الشعبية في منطقة سوس والأطلس المتوسط. وعلى الرغم من هذه التخوفات الموضوعية، فلقد صار رقص إمذيازان قالبا فنيا وشعريا مفضلا لاستخدامه في المسرح الأمازيغي المعاصر باعتباره تقنية إخراجية كما تجلى في الكثير من العروض المسرحية بمدينتي الناظور والحسيمة كما في مسرحية ” ثشومعات/الشمعة” لعبد الواحد الزوكي، ومسرحية “ثوارث ءيمظران/باب القبور” لمحمد بنسعيد، ومسرحيتي” تابرات/ الرسالة” و “ثازيري ثاميري/ القمر العاشق” لفاروق أزنابط، ومسرحية” أرماس” لفخر الدين العمراني… هذا، ويستعمل ” إمذيازان” الدف والغيطة والمزمار” الزمار”، والناي” ثامجا” في تقديم رقصاتهم الإيقاعية التي تؤديها جماعة من الراقصين والراقصات في شكل تناوبي، فينقسمون إلى فرقتين ، فيتم تشكيل عدة أشكال هندسية مدا وجزرا عن طريق التقابل والتماثل والاستواء والدوران، مع ضرب الأرض ضربات معدودة انسجاما مع نغمات الأشعار وطلقات البارود. وغالبا، ما يقود هؤلاء الراقصين والراقصات شيخ ” مايسترو” له تجربة ودربة كبيرة في مجال الرقص والغناء كالشيخ موسى بالنسبة لجماعة ” إمذيازن” القاطنين بمدينة الناظور. وتنتشر ظاهرة “ إمذيازان ” في تمسمان، وبني توزين ، وقبائل قلعية، وبني ورياغل…. وترتبط رقصة ” إمذيازان” بقصائد ” لالابويا” وأشعار الحي والهوى والعشق والمجون. كما تقتصر هذه الرقصة على إمذيازان وثمذيازين والإناث الشابات. هذا، ويعرف الرقص في منطقة الريف بمفهومه العام حسب الباحث الأمريكي داﭭيد مونتگمري هارت:” نوعين أساسيين من الحركة ومرحلتين متميزتين هما: ” أيارا لا بويا” التي تتحرك خلالها الفتيات بشكل دائري في اتجاه عقارب الساعة أو عكس هذا الاتجاه، و” أشظيح”. وتتميز الأولى بثني خفيف للركبتين يكاد لا يبدو للعيان. أما في المرحلة الثانية فإن هذه الدائرة تنفتح تدريجيا لتصبح عبارة عن صف متعرج من الفتيات اللواتي يحركن أجسامهن بشكل جماعي متناسق على مستوى الخصر والصدر، مع تحريك شديد وسريع للجزء العلوي من الجسم خلال فترات محددة ووقفات منتظمة. وتحتفظ فتاتان فقط بدفيهما خلال هذه المرحلة، في حين تضعها الأخريات جانبا، ويأخذن بدلها مناديل الرأس التي يربطنها حول خصورهن ، حيث تسمح لهن بضبط إيقاع الحركة من جهة، وتوفر مكملا مرئيا يرافق حركة الجذع والصدر لتخلق مشهدا ينطوي على حمولة شهوانية إلى حد ما. أما”أشظيح ” فيتميز بسرعة إيقاع مضاعفة مقارنة مع أيارا لابويا، وقد يرافقه ضرب على الدفوف من طرف شاب أو اثنين من المتفرجين أو من طرف إمذيازان، أي الموسيقيين المحترفين من آيت توزين. وما يبرز خلال هذه المرحلة هو موسيقا الضرب على الدفوف وحركات الجسم المتناسقة في غياب تام للغناء. ونظرا لتواجد كل راقصة وسط زميلاتها، فإنه يصعب على أية واحدة أن تقوم بحركة مغايرة للحركة الجماعية.غير أنه قد يحدث أن تنسل إحدى الراقصات، وهو أمر نادر على أية حال، لتبتعد عن المجموعة ولتظهر مهارتها الشخصية. لكن سرعان ما تفرض المجموعة نفسها على الثائرة، كما يقول بلانكو، وتلغي فردانيتها التي تعمدت إبرازها خلال تلك الفترة القصيرة”[2]. وعليه، فرقص إمذيازان رقص كوريغرافي غنائي شعبي يختلط فيه الصوت النسوي مع الصوت الذكوري، ولا يختلف كثيرا عن رقص أحواش ورقص أحيدوس في صيغتهما الجماعية والهندسية . وينشط رقص إمذيازان كثيرا في المناسبات الدينية والأعياد الوطنية والولائم ومواسم الحرب والأعراس. ويستعمل إمذيازان الألبسة المغربية الأصيلة من جلباب وعمامة وبلغة، بينما تتزيى الراقصات بألبسة ريفية تحمل ألوانا مزركشة ناصعة. q رقصة أحواش: تعني كلمة أحواش الحائط الذي يحيط بالبيت أو البستان، وهو جمع حوش. ويعني مدلول الكلمة أن أحواش هو إحاطة الراقصين والراقصات بمكان الرقص الذي يسمى أيضا باسم” أساراگ” أو “أباراز” أو” أسايس” في السوسية والأطلسية، أو “رمارس” في اللهجة الريفية. وتعني كلمة أحواش في اللغة العربية التوسط، أي احتوش القوم الرجل ، أحدقوا به وجعلوه في وسطهم. ويعني هذا أن رقصة أحواش الفلكلورية هي التي يتوسط فيها القوم صاحب الطبل.[3] كما يحيل أحواش في الخطاب الفني الأمازيغي على الغناء والرقص الجماعي. ويستعمل رقص أحواش أثناء الحفلات والأعراس والولائم والأعياد الدينية والوطنية والحفلات الفلكلورية الشعبية. وتكثر رقصة أحواش في مداشر وقرى ومدن منطقة سوس (أگادير، وتارودانت، والصويرة، وتزنيت، ومراكش، وورزازات، وطاطا…. ..( ومن المعلوم أن أحواش رقصة جماعية رائعة يشارك فيها عدد كبير من الراقصين والراقصات. ولا تبدأ هذه الرقصة الفلكلورية إلا بعد إلقاء بعض الأبيات الشعرية ( أمارگ) من قبل شاعر الفرقة أو من طرف مجموعة من الشعراء بشكل تناوبي، ويشرع فيها أيضا مع انطلاق زغاريد النساء لتعقبها رقصة أحواش. كأن هذه المراحل بداية لتسخين جو الحفل، واستشعار لأجواء الرقص والحركات الكوريغرافية (الجسدية) التي تهتز فيها الأكتاف والرؤوس والأجساد. ومن المعروف أيضا أن رقصة أحواش من أهم المصادر الرئيسة لشعر الروايس بمنطقة سوس؛ لأن راقصي أحواش ينشدون أشعارا متناغمة مع حركات الأجساد التي تنساق مدا وجزرا أمام المايسترو الذي يراقب حركاتهم الجسدية ، ويأخذ في يديه الدف أو ” قرقابة” الدقة المراكشية أو گناوة لتنشيط الحفل المعروض، وتفعيله وجدانيا وروحانيا وحركيا . في حين نرى أعضاء أحواش الآخرين المقابلين للمايسترو يصفقون بأيديهم تصفيقا كثيرا، ويتحركون بشكل جماعي في انسجام تام مع الحركات الراقصة وإيقاعات الدف ، مع تمثل تعاليم معلمهم أو شيخهم. وتلتحم جماعة أحواش عن طريق ضم الأيدي أو ملامسة الأكتاف، ويهتز الراقصون بأجسادهم يمنة ويسرة، تقدما وتراجعا. والملاحظ ميدانيا أن الزغاريد لا تستعمل في البداية فقط، بل قد تتخلل مشاهد الرقصات حتى النهاية. وقد تتخذ رقصة أحواش تنظيما صفيا في شكل مستقيم طويل، وقد تتبعثر هذه الفرقة الراقصة لتتخذ أشكال التوائية أو دائرية أو متداخلة متقاطعة أو متقابلة. ومن نماذج رقصة أحواش انقسام الفرقة إلى صفين: صف من الذكور وصف من الإناث، ويفضل أن تكون الإناث عازبات غير متزوجات احتراما للعادات الاجتماعية والتقاليد السوسية. كما تمتاز رقصات أحواش بخفة الحركة والسرعة في استعمال أعضاء الجسد من الأعلى إلى الأسفل والعكس صحيح أيضا. وكل هذا ينبغي أن ينسجم مع توجيهات” الرايس” قائد المجموعة الراقصة في مشاهد أحواش الغنائية والمسرحية. فإذا أخذنا أحواش منطقة” تالوين”، فنرى الأحواشيين يصطفون في صف طويل جدا وسط فضاء مفتوح يسمى بأسايس، ويحركون أرجلهم وأكتافهم يمنة ويسرة أمام معلمهم الذي يحفزهم وينشطهم. وتستخدم في رقصاتهم الزغاريد النسوية وإيقاعات الدف وآلة الرباب والبندير ودقات نقر الحديد إلى جانب ضربات الأرجل وتصفيقات الأيدي. وتوحي هذه الرقصة الأحواشية بالجذبة الصوفية والخشوع الفني الوجداني ، كما تشير إلى أجواء التضامن والالتحام الشعوري والأخلاقي والاجتماعي والحركي. وقد يخرج أحد الراقصين من الفرقة ليصبح رئيسا بدوره، مستخدما يديه للتصفيق والتوجيه والتأطير والتشجيع على استمرار الرقص الحيوي باحتفاليته الحارة والحيوية . ويعتمد المغنون على ارتجال الأشعار الفردية، وترديد الزغاريد الموحية ، وتوحيد الأزياء أو تنويعها. ويمكن الحديث أيضا عن أحواش النساء أو أحواش الرجال أو أحواش يختلط فيها الرجال والنساء. وتتميز لباس الراقصات الأحواشيات باستعمال الحلي الأمازيغي، والتزيي بثياب متقابلة بألوان مزركشة لامعة، كاستعمال اللون الأصفر والأحمر والأزرق والأبيض بكثرة. ومن جهة أخرى، نجد أعضاء فرقة أحواش يحملون مجموعة من الإكسسوارات الدالة على الصناعة التقليدية السوسية من خنجر أمازيغي، وحاملته الطويلة المصنوعة من خيوط ملونة مزركشة تحيط بظهر الراقص وكتفه، وتتدلى على صدره ، وكيس مطرز بالفسيفساء السوسية. وعلى مستوى الأزياء، ينتعلون البلغة السوسية أو البلغة الفاسية، والجلابة المغربية الأصيلة و” تشامير” الداخلي، ويضعون في الكثير من الأحيان على رؤوسهم العمائم البيضاء. ويلاحظ كذلك أن زغاريد النساء تتناوب مع أشعار أحواش تقاطعا وتداخلا. كما يتوسط الراقصون الأحواشيون مجموعة من ضاربي الدف أو الطبل. وغالبا ما يستهل الأحواشيون رقصاتهم بأشعار في مدح النبي (صلعم)، والتصلية عليه، والإشادة بأصحابه رضوان الله عليهم، والتشوق إلى مكة والمدينة، والترحيب بالمدعويين ذكورا وإناثا، ورجالا ونساء، والخوض في مواضيع اجتماعية وسياسية ومحلية ووطنية وقومية وإنسانية. بيد أن رقص أحواش لم يعد مقصورا على الفضاءات المفتوحة وسط القرى والفدادين الفلاحية ، وأسوار قصر شيخ القبيلة العالية، بل نجد يسافر مع مجموعة من الروايس والرايسات إلى فضاءات متمدنة ليشهده عامة الناس فوق المسارح والمهرجانات والملتقيات الثقافية داخل المغرب وخارجه في الوطن العربي والعواصم الغربية. وقد تم هذا السفر الفني مع الرايسة تحيحيت، والرايسة تابعمرانت، والرايس الحاج بلعيد. q رقصة أحيدوس: تعني كلمة ” أحيدوس” في الأمازيغية الرقصة الجماعية ، ويقصد بها في المعاجم العربية خفة الحركة أو السرعة في السير، وأصله في اللغة الحدس مصدر سرعة الانتقال في الفهم والاستنتاج.[4] وتقدم رقصة” أحيدوس” في شكل فرقتين أو أكثر، فتتقابل مدا أو جزرا أو تتوازى تماثلا بالتراجع أو التقدم، ويمكن أن تنقسم هذه الفرقة إلى عدة أقسام متساوية. ويقود هذه الفرق الراقصة المايسترو(الشيخ أو الرايس أو المعلم…) الذي يستعين بحركاته التنظيمية من أجل توجيه دفة الرقص، والتحكم فيه إيقاعيا وفنيا وموسيقيا وكوريغرافيا. ويشغل الراقصون في رقصاتهم الديناميكية الخفيفة فن الشعر وبعض الأدوات الموسيقية كالدف (تالونت) أو “أدجون” باللغة الريفية المصنوع من جلود الحيوانات ، وخاصة جلد الماعز. وتمتد هذه الرقصة الجماعية الفلكلورية من الجنوب الشرقي (تافيلالت) إلى الشمال الغربي (تيفلت)، وتنتشر بالضبط في جبال الأطلس المتوسط،حيث الطبيعة الغناء بخيراتها المعطاء كقبائل زيان وبعض القبائل المجاورة لها كقبائل زمور. وتنتعش هذه الرقصة بالخصوص في المناطق الآهلة بالسكان كتافيلالت ، وفي بعض المدن الأطلسية كخنيفرة، وإفران ، وأزرو، والحاجب، وتيفلت، والخميسات، والراشيدية، وگلميمة، وإملشيل، وعين اللوح… هذا، وتعتمد هذه الرقصة على خفة الحركة والدوران السريع، والتنقل فضائيا وحركيا بسرعة فائقة. بيد أن رقصات أحيدوس تختلف من منطقة إلى أخرى، وتبقى رقصة منطقة القباب بخنيفرة والتي يقودها المايسترو موحا أو الحسن أشيبان هي المشهورة داخل المغرب وخارجه. ولتوضيح هذه الرقصة أكثر يتشكل أحيدوس من مجموعة من الراقصين والراقصات بشكل متداخل، يرقصون على أنغام إزلان(الأشعار الأمازيغية)، وضربات الدف (تالونت) والبندير. ويشكل أعضاء الفرقة صفين متقابلين يرسمان أشكالا هندسية عدة كالشكل الدائري والصف المستقيم، والشكل التقابلي، وشكل نصف الدائرة. ويستعين الراقصون والراقصات بضربات الأرجل وتحريك الأجساد والأكتاف والإكثار من التصفيقات. وعندما تشتد الرقصة وتتعقد الحضرة تسمى الرقصة بتمهاوست، وعندما تكون الرقصة بسيطة تسمى بتامسراحت،وعندما يتغنى بقصيدة شعرية كاملة وتلحن تسمى الرقصة باسم”تامديازت” أوباسم ” أزدايت”. ومن المعروف أن رقص أحيدوس عند الباحثين في مجال الفلكلور الشعبي ينقسم إيقاعيا إلى أحيدوس بإيقاع ثقيل ، وأحيدوس بإيقاع متوسط ، وأحيدوس بإيقاع خفيف ، أو ينقسم لديهم إلى شكلين أساسيين: أولا، أحيدوس القصير المنتظم: الذي يتطلب عددا كبيرا من الراقصين الذين يقومون بمجموعة من الحركات الراقصة المدروسة كوريغرافيا. وثانيا، أحيدوس الكبير الطويل: يجمع بين الرقص والغناء، ويضم أقل عددا من المشاركين الذين يقدمون مجموعة من الحركات الراقصة المتنوعة المتقنة والخاضعة للانسجام الهارموني الذي يتجاوب فيه الجسم مع أنغام الموسيقا الأمازيغية.[5] ويمكن أن يكون أحيدوس كله ذكوريا يقوده المايسترو، ويمكن أن يتكون من مجموعة من الإناث، ويمكن أن يختلط فيه الذكور والإناث. وفي هذه الحالة، تتوسط الإناث الذكور عبر تلاصق الأكتاف والخصور والأيدي، وتمايل الرؤوس خشوعا وحضرة وانجذابا، وانحنائها صعودا وهبوطا، واهتزاز الأجساد والأرجل مدا وجزرا أو يمنة ويسرة. وغالبا ما يستعين الرجل الأحيدوسي بجلابته التقليدية وعمامته وبلغته، ويحمل بنديرا كبيرا مصنوعا من جلد الماعز، يتم تسخينه بالنار في كل لحظة من لحظات الرقص والانتشاء . كما نجد الأنثى تغطي جسدها من رأسها إلى قدمها بألبسة أمازيغية ناصعة ومزركشة الألوان( الأصفر على سبيل الخصوص)، واضعة على صدرها الحلي المحلي تأكيدا على أصالتها الموروثة، وتشبثا بكينونتها وهويتها الأمازيغية. ومن المواضيع التي يتطرق إليها فن أحيدوس لابد من ذكر تيمة الحب والغزل، والمواضيع المرتبطة بمشاكل الحياة اليومية،والمواضيع الدينية، وبعض القضايا الوطنية والقومية والإنسانية. وهذه المواضيع يتم ترديدها في شكل ألحان يضعها المايسترو، وأشعار تختلط فيها أصوات الرجال بأصوات النساء في التحام كوريغرافي جسدي شيق تترابط فيه الخصور والقدود والأكتاف وضربات الأرجل وتصفيقات الأيدي. q رقصة الشيخات: يعد رقص الشيخات من أهم أنواع الرقص الأمازيغي الذي ينتشر كثيرا في الأطلس المتوسط، حيث يتم التركيز غالبا في هذا النوع من الرقص على النساء الراقصات الجميلات، وذوات القدود المكتنزة اللواتي يشكلن مجموعة من المشاهد الكوريغرافية الراقصة والمغناة بطريقة قد تكون فاتنة وخليعة تثير بعض الغرائز الشبقية لدى الراصدين الحاضرين . وهذا ما دفع الأستاذ محمد شفيق إلى رفض هذا النوع من الرقص لخلاعته وبذاءته الأخلاقية :” أما رقصات الشيخات فليست من التراث الأمازيغي في شيء، وإنما هي بدعة أقحمت فيه على يد ” قياد ” الاستعمار، استوردوها من المحلات المشبوهة التي تكاثرت في المدن المغربية طيلة عهد الحماية.”[6] بيد أن الدولة المغربية الحديثة شجعت هذا النوع من الرقص الماجن عبر قنواتها الإعلامية الإذاعية والتلفزية والفضائية، وسفرته إلى الخارج ليعكس الوجه الحقيقي للمغرب ؛ باعتبار أن هذا الرقص يشكل إلى جانب أحيدوس وأحواش ورقصة إمذيازان ورقصة الرﮔادة ورقصة ﮔناوة إحدى تجليات الثقافة الشعبية وحقيقة الفلكلور المغربي. تركيب: تلكم هي – إذاً- نظرة موجزة حول الرقص الأمازيغي بمنطقة الريف(إمذيازان)، والأطلس المتوسط (أحيدوس)، والأطلسين: الصغير والكبير(أحواش) . ويتسم الرقص الأمازيغي المغربي – كما قلنا سالفا- بكونه رقصا غنائيا جماعيا ثريا من حيث الأشكال الفنية والجمالية والتيمات والقضايا الموضوعية والرؤى الوظيفية ، مرتبطا بالخصوص بأحداث البلد الخاصة والعامة، ومقترنا بتنوع طبيعته الغناء الفيحاء المعطاء . هذا، ويتخذ الرقص المغربي الأمازيغي عدة أشكال هندسية وأنماط حركية حسب المداشر والقرى والمدن والمناطق. ويستند إلى الغناء والزغاريد والتلحين الموسيقي والرقص والكوريغرافيا الجسدية. كما يعتمد على التمسرح الدرامي تحريكا وتنشيطا وتنغيما، وتمثل فنون الأدب الأمازيغي الأصيل كإزران أو إزلان وأمارگ وشعر الروايس والرايسات. كما يقام هذا الرقص غالبا في الفضاءات الواسعة المفتوحة في مواسم الحرب والأعراس والولائم والأعياد الدينية والوطنية. وإذا كان رقص ” إمذيازان” ورقص الشيخات مرفوضين في المجتمع الأمازيغي بالمغرب ؛ وذلك بسبب الخلاعة والميوعة والمجون بالنسبة لرقص الشيخات، وبسبب الاسترزاق المادي والتكسب المالي بالنسبة لإمذيازان، إلا أن رقص “أحواش” ورقص “أحيدوس” مازالت مكانتهما كبيرة في هذا المجتمع ، مقترنة بالفن السامي، ومرتبطا بضرورة الحفاظ على التراث والهوية ، والتشبث بالأصالة المحلية والكينونة الأمازيغية. وقد بادرت الدولة المغربية في العقود الأخيرة بمساعدة الجمعيات الثقافية والفنية والمؤسسات الثقافية والإعلامية الأمازيغية بتدوين هذا الرقص ميدانيا وعمليا، وجمعه توثيقا وأرشفة وتأريخا، وتصويره مشهديا وميزانسينيا، والحفاظ عليه تراثا وسجلا زاخرا بالذاكرة الأمازيغية التليدة، ودراسته باعتباره من كنوز الثقافة الشعبية وتجليات الفلكلور المغربي المتنوع. الهوامش: [1] – محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط،طبعة 1989م، ص:64؛ 2- داﭭبد مونتگمري هارت: آيت ورياغر، الجزء الأول، ترجمة محمد أونيا وآخران،الطبعة الأولى 2007م، نشر جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا، ص:250؛ 3- محمد البومسهولي: عروبة الأمازيغ بين الوهم والحقيقة، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى سنة2001م، ص: 47؛ 4 – محمد البومسهولي: عروبة الأمازيغ بين الوهم والحقيقة، ص: 46؛ 5 – أحمد الدريسي الغازي: الموسيقا،الطبعة الأولى سنة 1987م مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، ص: 260؛ 6 – محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، ص: 64. ------------------------------------------------------------------------ [1] – محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط،طبعة 1989م، ص:64؛ [2] – داﭭبد مونتگمري هارت: آيت ورياغر، الجزء الأول، ترجمة محمد أونيا وآخران،الطبعة الأولى 2007م، نشر جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا، ص:250؛ [3] – محمد البومسهولي: عروبة الأمازيغ بين الوهم والحقيقة، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى سنة2001م، ص: 47؛ [4] – محمد البومسهولي: عروبة الأمازيغ بين الوهم والحقيقة، ص: 46؛ [5] – أحمد الدريسي الغازي: الموسيقا،الطبعة الأولى سنة 1987م مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، ص: 260؛ [6] – محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، ص: 64.