حين انحرف قطار بوقنادل عن سكته... حين انحرف القطار عن سكته.. قامت الدنيا ولم تقعد في وطني.. نكست الأعلام.. وأعلن الحداد.. قطعت القنوات الوطنية برامجها، وكان البث المباشر.. برامج خاصة.. تحليل.. بحث وراء الخبر.. الكل مجند لمعرفة الحقيقة.. لأن البلد ملك لكل مواطنيه! انتقل المسؤولون والحكومة إلى عين المكان مباشرة.. وخاطبوا الشعب من هناك، خاطبوا المواطن.. وأعطوه الخبر كاملا دون نقصان.. أوليسوا ممثليه؟! حين انحرف القطار عن سكته.. فتح التحقيق ككل مرة.. وأعلنت نتائجه.. ككل مرة.. تمت المحاسبة.. قدمت استقالات.. طار مسؤولون من كراسيهم.. شهدنا محاكمات لا تبحث عن أكباش فداء.. شهدناها حتى اكتفينا! وتيقنا أن هاته الأرض ملك لأهلها! حين انحرف القطار عن سكته.. لم تنم للدولة عيون إلا وهي تفك لنا معادلة بلد يحتوي على قطارات فائقة السرعة ومحطات خمسة نجوم صرفت عليها المليارات.. وسكك مهترئة قد تزوغ منها القطارات! لم تنم للدولة عيون حتى عادت الأمور إلى نصابها.. وردت الحقوق إلى أصحابها.. تماما كما يحدث في بلاد الكفار! تأبى الدولة أن تتلقفنا الفواجع الواحدة تلو الأخرى.. تأبى أن تصير كل الأيام علينا.. فتسوق لنا أياما لنا! حين غدر القطار وانحرف عن سكته.. تجندت الصحافة، ونقلت ذلكم التضامن الجميل للمغاربة مع إخوتهم.. متبرعون بالدم بالمئات مع أول نداء.. متطوعون بسياراتهم مجانا.. فاتحون بيوتهم لاستقبال المنكوبين والتخفيف عنهم.. ولم تركز صحافتنا على بعض حالات "الكريساج"والسرقة التي وقعت.. ولا ضخمتها وجعلت منها" أحمر وبالبند العريض".. فصحافتنا لا تبيع وتشتري فينا.. حاشاها! حين انحرف القطار ومات الأهل.. زارنا شعور الحزن والفقد.. النهاية التي قد تكون أقرب إليك من حبل الوريد! وداع أخير دون ترتيب.. ولا نظرة.. ولا وصية! وجه حبيب لن تراه ثانية.. رغم وعده أنه قادم بعد ساعات.. تكون في الموعد.. ولا يأتي القطار! الرحيل!! هل نقدم التعازي؟! صرنا خجلى من هكذا عبارات.. أفرغت من معناها وأكلها التكرار.. يسبقنا إليها مسؤولون في وطني نسيت أن أخبركم أنهم لا يجيدون غير تقديم التعازي! يخترقني اللحظة صوت محمود درويش: تُنسى كأنَّكَ لم تكُنْ تُنسى كمصرعِ طائرٍ ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسىَ كحبٍّ عابرٍ وكوردةٍ في الثَّلجِ تُنسىَ..