تصوير: ياسين السالمي الساعة تشير إلى الواحدة زوالا والشمس في كبد السماء تبدو باهتة حزينة تُترجم جو الأسى الذي يخيم على المكان.. حشود غفيرة من المعزين ومن أصدقاء المرحوم امحمد أمقران قائد قطار فاجعة بوقنادل، تتقاطر على مسجد محمد السادس بالقنيطرة، لأداء صلاة الظهر والجنازة على جثمانه، قبل أن يوارى الثرى إلى مثواه الأخير بمقبرة “سيدي البخاري”. الحضور الأمني المكثف بالقرب من مسجد محمد السادس بالقنيطرة، حيث ستقام صلاة الجنازة على قائد قطار بوقنادل، لم يكن يعني سوى شيئا واحدا بالنسبة للحشود الغفيرة التي حجت لتوديع أمقران، وهو أن مسؤولين كبار سيشاركون عائلة الفقيد حزنهم. وقد صدق تخمين الناس الذي خالط حزنهم العميق وهم يرون مسؤولين مهمين يترجلان من سيارة فارهة، لم يكن أحدهما سوى المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، ربيع لخليع، ومعه عامل إقليمالقنيطرة، إضافة إلى مسؤولين أمنيين وعسكريين برتب مختلفة، الذين قدموا التعازي لعائلة الفقيد، وأشادوا بتفانيه في العمل طيلة مساره المهني. أصدقاء المرحوم الذين قدموا بالعشرات لتوديع زميلهم في العمل إلى مثواه الأخير، بدوا متأثرين ومصدومين لفراقه، كيف لا وأغلبهم قد قضوا معه سنوات طويلة من العمل، واقتسموا معه الحلو والمر.. بعيون دامعة وحزن شديد أجمعوا في حديثهم مع جريدة “العمق”، أن الفقيد كان رجلا استنثائيا.. كان كبيرا كما يعني ذلك اسمه “أمقران” بالأمازيغية، معطاء، كريما، كان سندا لهم وأخا نصوحا قبل أن يكون مجرد زميل في العمل. وأمام الباب الخلفي لمسجد محمد السادس، حيث جثمان الفقيد، عدد غفير من عائلة “أمقران” يتبادلون التعازي بأمازيغية الجنوب الشرقي، حيث ولد الفقيد، كثيرون منهم تحملوا عناء السفر لأكثر من 700 كيلومتر من بلدة بومالن دادس بإقليم تنغير، إلى القنيطرة لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان ابن بلدتهم الذي كُتِبَ له أن يدفن بعيدا جدا عن مسقط رأسه. بعد صلاة الظهر والجنازة على جثمان الفقيد امحمد أمقران، حمله أبناؤه على النعش فوق أكتافهم وساروا به لبضع أمتار، وسط تهليل وتكبير الحاضرين، وفي جو من الحزن والأسى الكبير، عكسه البكاء الشديد الذي انخرط فيه بعض من أفراد عائلته وأصدقائه، ليواروه الثرى بمقبرة “سيدي البخاري” بالقنيطرة. وبصعوبة بالغة، يحكي رضوان أمقران، ابن قائد قطار بوقنادل لجريدة “العمق”، كيف تلقى خبر وفاة والده، حيث يقول: “كنت في مرسيليا الفرنسية، وعدت من العمل كعادتي على الساعة الثانية عشرة، فتحت هاتفي وجدت الكل كان يتحدث عن انقلاب قطار بالمغرب، وأول شيء فكرت فيه هو أن أتصل بوالدي لأستفسره عن الأمر، غير أنه لم يجب على اتصالاتي التي وصل عددها العشرين اتصالا، فراودتني الشكوك آنذاك”. وحتى يقطع رضوان الشك باليقين، ويتأكد ما إن كان والده في ذلك القطار، اتصل بشقيقه الصغير في المغرب ليطلب منه أن يستفسر في محطة القطار بالقنيطرة عن الأمر، فكانت الصدمة، حيث أكدوا له أن القطار رقم 9، الذي انحرف عن سكته، كان رئيسه هو امحمد أمقران، وأنه توفي في الحادث. وبكلمات تعبر عن لوعة الفراق، يسترسل نجل قائد قطار بوقنادل في حديثه مع الجريدة قائلا: “قبل أن يكون أبا كان بمثابة الأخ الأكبر، نتقاسم معه كل شيء، ونناقش معه كل المواضيع، كان إنسان طموحا جدا، له صداقات في كل المغرب ويحبه زملاؤه في العمل”، مضيفا أن والده كان كالكتاب الأنيس “نستفيد منه كثيرا، والآن نقرأ الجملة الأخيرة من كتاب هذا الرجل العظيم.. هنا تنتهي الحكاية”.