في إطار مشاركة المغرب في الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل اجتماع مجلس الأمن المخصص لقضية الصحراء بأيام قليلة، ارتكب الدكتور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، خطأ من شأنه أن يتسبب في بعض المشاكل للدبلوماسية المغربية. فخلال اليوم الأول من المناقشة العامة، التي انطلقت صباح الثلاثاء، التقى المسؤول المغربي، الذي يمثل الملك محمدا السادس في هذا المحفل الدولي، مع مسؤول من كوسوفو، وهي الدولة التي أعلنت استقلالها أحادي الجانب عن صربيا عام 2008 ولا تحظى بعد باعتراف الأممالمتحدة بالنظر إلى معارضة روسيا. خطأ من حيث الشكل والمضمون وقد جاء الخطأ الذي وقع فيه السيد رئيس الحكومة في الشكل والمضمون. من حيث الشكل، تمثل الخطأ في اندفاع الدكتور العثماني في نشر تغريدة على "تويتر" باللغة العربية، في أول وهلة، أكد فيها أنه التقى "مسؤولاً من كوسوفو يشارك في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة". فربما بسبب تسرعه، نسي السيد رئيس الحكومة أن كوسوفو باعتبارها دولة لا تتمتع بعضوية الأممالمتحدة، لا يمكنها المشاركة في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ إذ إن المشاركة في هذه الأخيرة تعتبر حكراً على الدول الأعضاء. كان حرياً برئيس الحكومة أن يتريث بعض الشيء ويراجع لغته قبل نشر تلك التغريدة. كان بإمكانه أن يقول إنه التقى بمسؤول من كوسوفو كان متواجداً في مقر الأممالمتحدة على هامش أو بمناسبة أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو الامتناع كليا عن نشر هذه التغريدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. خطأ من حيث المضمون وبعدما فطن السيد رئيس الحكومة لحساسية الاجتماع الذي عقده، نشر تغريدة أخرى، هذه المرة باللغة الإنجليزية، قال فيها إن "شخصاً من كوسوفو فرض حضوره عليه ولم تتم مناقشة أي قضايا تهم العلاقات الثنائية، وإن موقف المغرب ثابت بخصوص كوسوفو، فهو لا يعترف بها وليست له علاقة معها". غير أن رئيس الحكومة لم ينتبه إلى أن الوفد المرافق للمسؤول الكوسوفي أخذ صورة توثق للاجتماع الذي دار بين الطرفين، لا يظهر فيه أن ذلك المسؤول فرض حضوره على المسؤول المغربي، بل إن هذا الأخير يظهر وهو يتكلم بأريحية وبابتسامة مع وزير خارجية كوسوفو. ربما طيب الأخلاق التي يتمتع بها الدكتور العثماني في حياته اليومية هي التي دفعته إلى عدم رفض طلب المسؤول الكوسوفي وإعطائه بعض من وقته. غير أن المسؤولية الجسيمة التي يضطلع بها لا تتطلب التعامل بطيبوبة، بل بنباهة ودهاء وحرص على تفادي ارتكاب أي هفوة يمكنها أن تؤثر على المصالح الاستراتيجية للبلاد. فمن شأن هذا الاجتماع أن يتسبب في متاعب للدبلوماسية المغربية ويدفعها إلى تكريس جزء من وقتها للتقليل من الأضرار التي قد تنجم عن تصرف غير محسوب العواقب كان المغرب في غنىً عنه. ماذا جنى رئيس الحكومة من هذا الاجتماع وما هو المغزى منه في هذا الظرف وأثناء تواجد جل رؤساء الدول والحكومات في مقر الأممالمتحدة؟ عوض الاجتماع مع ممثل عن كوسوفو، ربما كان من الأجدر أن يحرص المسؤول المغربي على عقد اجتماع مع ممثل إحدى الدول الوازنة التي قد يحتاج إليها المغرب من أجل تقوية موقفه بخصوص قضية الصحراء أو من أجل تعزيز العلاقات الثنائية معها. من جهة أخرى، كان على مستشاري الدكتور العثماني أن ينبهوه أولاً إلى حساسية ذلك الاجتماع والمتاعب التي يمكن أن يتسبب فيها للمغرب، أو على الأقل إلى عدم فائدة نشر هذه المعلومة من الأساس. فإذا كنا نمتعض حينما يلتقي مسؤول أي دولة مع أي مسؤول من البوليساريو، فعلينا أن نكون على دراية بأنه من شأن اجتماع من هذا القبيل أن يثير امتعاض صربيا وروسيا، خاصة وأن هذا اللقاء، وإن كان عابرا وغير رسمي، يأتي فترة قصيرة بعدما التقى وزير الخارجية، ناصر بوريطة، مع الرئيس الصربي يوم 12 سبتمبر الماضي، حيث أكد الأخير دعمه للوحدة الترابية للمغرب. كيف سيكون رد فعل المغرب لو التقى مسؤول صربي أو مسؤول أي بلد آخر يعول عليه المغرب مع ممثل عن جبهة البوليساريو في بهو الأممالمتحدة؟ من المؤكد أن هذا السيناريو قد يثير حفيظة المملكة على المستوى الرسمي وقد يثير رد فعل عنيف من الرأي العام المغربي. فعلى الرغم من أن كوسوفو دولة لها هويتها الوطنية الخاصة وتاريخها ودينها وعرقها ولغتها، فالكل يعلم أن المغرب لن يعترف بها طالما أن مسألة الصحراء موجودة في الأممالمتحدة وأن روسيا التي تعتبر من الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن ترفض أي اعتراف أممي بهذه الكيان. فعلى الرغم من الجهود التي قامت بها كوسوفو منذ إعلان استقلالها عن صربيا من أجل الحصول على مقعد في الأممالمتحدة، فإنها لم تفلح في تحقيق هدفها الأسمى المتمثل في الحصول على اعتراف من قبل الأممالمتحدة. ولن يشفع لها في ذلك لا الضغط الذي تمارسه الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولا انضمامها إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولا اعتراف أكثر من 100 دولة باستقلالها. فما دامت صربيا تحصل على دعم روسيا، فإن حصول كوسوفو على العضوية في الأممالمتحدة سيظل بعيد المنال. ولعل ما يجعل مهمتها شبه مستحيلة هو أن قبول انضمام أي دولة إلى الأممالمتحدة يمر عبر توصية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبإمكان أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية استعمال حق الفيتو من أجل منع تلك التوصية من الوصول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. لاعتبارات تاريخية وأيديولوجية وسياسية، فإن روسيا تعتبر الداعم الرئيسي لصربيا. فبالإضافة إلى معارضتها الشديدة لمبدئ استقلال الأقليات ودفاعها المستميت عن الوحدة الترابية لحلفائها، فإن من بين العوامل الرئيسية التي تدفع روسيا إلى الاستمرار في الدفاع عن الوحدة الترابية لصربيا هو أن هذه الأخيرة تعتبر موطئ القدم الأخير الذي تتوفر عليه روسيا في منطقة البلقان بعد انهيار يوغوسلافيا السابقة وتقارب الدول المنبثقة عنها بشكل أو بآخر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية. وبالتالي، فإن أي مساس بصربيا يعتبر مساساً بالمصالح الاستراتيجية لروسيا. على السيد العثماني أن يتذكر في كل تصرفاته وتصريحاته وأعماله اليومية، وفي كل كبيرة وصغيرة، أنه لا يمثل نفسه وحزبه، بل يمثل دولة وشعبا بأكمله ويعتبر الرجل الثاني في الدولة بعد الملك، خاصةً حينما يكون في مهمة رسمية من حجم تمثيل الملك في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبالتالي، عليه أن يحرص على وضع كل كلمة في الميزان قبل استعمالها وألا يكثر من استخدام "تويتر" حتى لا يسقط في فخ التسرع. * مستشار دبلوماسي رئيس تحرير موقع Morocco World News