على نغمات البانجو، انطلقت مسرحية "في بعض الأحيان يصرخون ضد الريح"، للمخرجة الفرنسية من أصل مغربي صوفيا بيريز، ببرج الدموع على شط بحر سلا. وافتَتَحت المسرحية، التي شارك فيها ممثلان مغربيان وممثل وممثلة فرنسيان، فعاليات سنة 2018 من مهرجان "فنون السيرك والسفر". "نفخٌ في الريح" توالت أحداث "في بعض الأحيان يصرخون ضد الريح" انطلاقا من محاولة شخصية فرنسية فهم كلمات بالدارجة رغم معجمها المحدود، إلى أن تستجيب لنداء "اتبعني"، الذي تلته مخاطرات وحركات سيركية، وجريٌ في الطابق الأول من الخشبة، رافقته متاهاتُ محاولة إدراك معنى الأصوات، رغم اختلاف الألسنة. وبعدما نزل الفرنسي اتقاء شر السقوط، بقي في المشهد الثاني سعيد "المغربي"، وحيدا يخاطر في الطابق العلوي، رغم تحذيرات أصدقائه الثلاثة، وعملهم المستمر على إنزاله؛ ثم تركوه مديرين ظهورهم له واحدا تلوَ الآخر، دون انتباهه وهو في غمرة القفز والمغامرة. وبعد وعيه بأن أصدقاءه تركوه وحيدا، عبَّر "سعيد" عن غضبه عبر ميكروفون، ثم توالى أترابه في التعبير عما يثير غضبهم ابتداء من عدم الاكتراث للآخرين، والمخاطرة، مرورا بالعنف ضد النساء والأطفال والرجال، ومن هم ضد تحقيق الأحلام، وحتى اصطدام أصابعهم بالطاولة، وتأخيرات وسائل النقل، وصولا إلى تقييد حرية السفر، والظلم و"الحكرة". ولم يستعمل ميكروفون المسرحية في التعبير فقط عما لا يعجب الممثلين، بل كان أيضا وسيلة عبروا من خلالها عما يحبون، مثل الريح، وأشعة الشمس، والحصول على بطاقة بريدية. وكانت رمزية "الريح" حاضرة بقوة في المسرحية، فذُكرت رياح الثورة والبرد، والريح التي يطلب الإنسان، والريح التي تدفع ظهره، والريح التي توشوش في الآذان، والريح الممتلئة المجنونة، والريح التي تشق شفاه الأطفال، وصولا إلى النصح بالاقتداء بالأطفال "الذين يصرخون ضد الريح". فضاء مشترك وضحت صوفيا بيريز، المخرجة، أن فكرة المسرحية هي: "جمع فنانين فرنسيين، وفنانين مغاربة، في فضاء مشترك، وطرح سؤال ما يجمعنا، وما يفرقنا، في محاولة للقيام بشيء شاعري وكوني". وأضافت المخرجة أن قصة مسرحيتها ليست كرونولوجية، وبيَّنت أنها حاولت ترك فرصة للنقاش، والتعبير عن الأفكار التي يمكن أن تصدم الطرفين داخل هذا العمل؛ لأن الأهم بالنسبة لها "كان لقاء الفنانين، وإعطاؤُهم الكلمة، من أجل أن يأخذوها عاليا وبقوة، حتى يحكوا ويقولوا ما يعجبهم، وما يغضبهم، لنعي أننا لسنا مختلفين، وأنه رغم أننا لا يجب أن نتفق على كل شيء، يمكننا العيش معا". توم نيل، أحد ممثلي المسرحية، قال بدوره إن فكرة المهرجان "هي جمع فنانين من فرنسا والمغرب، من أجل الحديث عن الثقافات المختلفة، وسؤال الهوية الثقافية، وما ثقافتنا؟ وما ثقافة الآخرين؟ وكيف يمكن التعايش، حتى يتفاهم الناس ويلتقوا". وزاد نيل موضحا: "فكرة المسرحية هي أنه لا يجب أن نكون على منوال واحد محدد، فكوني فرنسيا لا يعني أنه علي أن أكون "هكذا"، وكون المغربي مغربيا لا يعني أنه يجب أن يكون على نموذج واحد، بل يجب أن نتجاوز الخانات، ونترك لنفسنا حرية أن نكون ما نريد أن نكونه، بكل تجاربنا، وما عشناه، ومن التقيناهم".