تكالبت القوى الإمبريالية على المغرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، طامعة في احتلاله، وبلغ الأمر أوجه عندما قام قيصر ألمانيا " Wilhelm II فلهلم الثاني أو وليام الثاني أو غيوم الثاني" (1859/1941) بزيارته الشهيرة إلى مدينة طنجة بتاريخ 31 مارس 1905، حيث ألقى خطابا مدويا طالب فيه المغرب بالحفاظ على استقلاله، مهددا بذلك كل القوى الإمبريالية الطامعة في أراضيه، ما أرغم كل الأطراف المتنازعة في "المسألة المغربية" على الجلوس إلى طاولة المفاوضات المباشرة في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906. وفي إطار استعدادات تمثيلية الدولة الألمانية بمدينة العرائش لاستقبال القيصر الألماني، قام الماريشال "ريشاوشن"، المقيم في المدينة، بإحضار تماثيل الأسود، وهي عبارة عن منحوتات رخامية ألمانية الصنع، كان عددها على الأرجح أربعة، حسب روايات شهود عيان، ويعود تاريخ نحتها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدا سنة 1892 بمدينة درسدن، عاصمة ولاية سكسونيا شرق ألمانيا، وتم إحضارها إلى مدينة العرائش عبر القطار من ألمانيا إلى إسبانيا، ثم نقلت بعدها بحرا إلى مرسى العرائش. نحتت التماثيل من رخام تم جلبه من منطقة "Bohemia بوهيميا"، غرب جمهورية التشيك حاليا، خصيصا لوضعها بمدينة العرائش، وبقي منها اثنان يتواجدان اليوم بمدخل حديقة الأسود، وهي تسمية حديثة فرضتها دواعي التداول المحلي؛ أما الاسم الأصلي للحديقة التي أنشأها المعمر الإسباني زمن الحماية في الثلث الأول من القرن العشرين فهو " Hespéridesهيسبيريديس"، نسبة إلى بساتين التفاح الذهبي بمدينة ليكسوس (موقع أثري بمدخل مدينة العرائش) حسب الميثولوجيا اليونانية في التاريخ القديم. أما الأسد الرخامي الثالث فقد اختفى من مكان انتصابه فوق بوابة مصنع ألماني سابق للمواد الكيماوية ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية، عرف لاحقا عند عموم العرائشيين باسم "دار الدباغة"، وكان متواجدا في الشارع المعروف ب"العقبة د اليمان"، نسبة إلى ألمانيا؛ وهو شارع الإمام علي بن أبي طالب على الطريق الوطنية رقم 1. بينما التمثال الرابع فلا علم لنا بمصيره أو المكان الحقيقي لتواجده، في ظل تناقض شهادات الذاكرة الشعبية وتضارب الروايات. تجدر الإشارة إلى أن هناك رواية تحكيها الذاكرة الشعبية المحلية، لا يمكننا تجاهلها، وفي الوقت ذاته لا نملك ما يؤكدها من وثائق، مفادها أن التماثيل أعدت لتكون هدايا من قيصر ألمانيا (وليام الثاني) إلى سلطان المغرب آنذاك مولاي عبد العزيز بن الحسن، وسبب بقائها بمدينة العرائش له روايتان أيضا؛ الأولى تحكي عن عدم اتفاق بين الزعيمين، إذ إن القيصر لم يتمكن من بلوغ أهدافه من الزيارة، فأمر بترك التماثيل بالعرائش، على أساس أن المدينة ستصبح عاجلا أم آجلا تحت السيطرة التامة والسيادة الفعلية لألمانيا القيصرية؛ أما الرواية الثانية فمفادها أن القيصر الألماني استقدم 12 أسدا رخاميا، تعذر ترحيلها جميعها برا إلى بلاط السلطان بفاس، فتركت 4 منها بالعرائش لتأثث فضاءات المدينة كذكرى مخلدة لقيصر الألمان. لكن الأكيد اليوم أن الأسدين الرخاميين الألمانيين الموجودين ببوابة حديقة هيسبيريديس شاهدان ماديان على مرحلة تهافتت فيها اثنتا عشرة دولة إمبريالية على احتلال المغرب واستغلال موقعه وخيراته وممارسة أفظع أوجه الرأسمالية المتوحشة. الأسد المختفي من مكانه فوق مصنع الأسلحة الألماني سابقا (دار الدباغ) بعقبة ألمان.