محمد عزلي هذا المكان كان يسمى عند العرايشيين ( حجرة الكنايز ) أي صخرة الجنائز و ذلك قبل أن يحوله الإسبان إلى حديقة و منتزه للأطفال و الكبار أواخر العشرينيات من القرن العشرين. كان المكان في السابق و تحديدا منذ بناء برج اللقلاق في أواخر القرن 16 و إلى غاية تحويله إلى حديقة عبارة عن خندق دفاعي الغرض منه زيادة مناعة حصن النصر السعدي، حيث تصبح أسواره أكثر علوا و القاعدة حادة الانحدار يزيد من صعوبتها المياه الراكدة في الخندق و التي إن نضبت تتحول إلى أوحال يستعصي معها عمليات الهجوم و الاختراق لتعطي للمدافعين أفضلية اصطياد الأعداء، و هو الشيء المعمول به عادة في الأبراج و الحصون المماثلة لهذا الجيل من العمائر التي كانت سائدة في أوربا عموما و في تركيا و إيطاليا على وجه الخصوص. و مع نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 عرفت العرائش و المنطقة ككل اضطرابات أمنية خطيرة تسببت فيها أطراف متعددة من الداخل و الخارج و كرسها ضعف المخزن و صراع المصالح بين ما هو محلي من قياد و أعيان و متمردين و قطاع طرق و بين ما هو خارجي جسدته أطماع القوى الإمبريالية و في مقدمتها البعبع الإسباني، هذه الحالة من الفوضى الأمنية ( السيبة ) ستجعل من هذا الخندق مكانا مثاليا لقطع الطريق من و إلى المدينة و ارتكاب الجرائم الفظيعة و هو السبب حسب رواية أحد قدماء المدينة المدعو ( سيدي عبد القادر اعبيش ) من وراء تسمية ( حجرة الكنايز ) حيث كان المكان أشبه بمقصلة الكنيسة زمن محاكم التفتيش.. سميت الحديقة من طرف سلطات الحماية باسم ( الهيسبيريديس ) عطفا على جنات الهيسبيريديس الموجودة بليكسوس حيث التفاحات الذهبية و الأسطورة الإغريقية الشهيرة التي كان هرقل العظيم بطلها في رحلة الإثنى عشر و حكايته المثيرة مع أطلس حامل السماء و التنين العملاق الذي يحمي ليكسوس و التفاحات الذهبية.. ستعرف الحديقة بعد ذلك تداولا بين أبناء العرائش ب ( خردين تشيتا ) أي حديقة القدرة المسماة تشيتا عطفا على صديقة ( طارزان ) الشخصية السينمائية الشهيرة في مغامراته زمن السبعينات و الثمانينات، و قد كان العرائشيون يتوجسون من الذهاب إلى الحديقة خوفا من غضب القردة و مزاجها العصبي إلى أن تطبعت المسكينة مع الناس و هرمت و اختفت لينساها الناس إلى الأبد، و يروي لنا السيد عبد القادر اعبيش عن هذه القردة قائلا : ( كانت القردة تعيش ببيت الباشا "قصر البلدية" في قفص كبير و جميل، بعدها حولت إلى حديقة الهيسبيريديس ثم أتوا لها بقرد ذكر فأنجبت منه قردة، ثم بقيت رفقة ابنتها دون الذكر بعد أن اختفى ثم اختفت القردة الصغيرة، لتعود التشيتا كما كانت أول مرة وحيدة ) و هذا ما يفسر سر مزاجية القردة تشيتا حيث أنجبت مولودة كانت ملزمة بالدفاع عنها و تأمين غذائها، ثم ستصبح عصبية و عدوانية بعد فقدان أسرتها ثم ستصبح هرمة غير ذي قوة لتنسحب من العالم بصمت و غموض. تتزين الحديقة اليوم في مدخلها بأسدين رخاميين هدية القيصر الألماني للعرائش أثناء زيارته لشمال المغرب عام 1905، نحثا في مدينة دريسدن شرق ألمانيا عام 1892، من رخام منطقة (بوهيما) في ( تشيكوسلوفاكيا سابقا ) و أحضرا عبر القطار إلى إسبانيا ثم بالباخرة إلى العرائش، الشيء الذي جعل الساكنة المحلية تطلق على الحديقة تداولا ( خاردين السبوعا ) أي حديقة الأسود و هو تحديدا الاسم الذي تحمله اليوم.