أي آمال تركية في أن تخف حدة الأزمة مع الولاياتالمتحدة بفعل العلاقة الشخصية بين زعيمي البلدين تبددت عندما حذر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تركيا مباشرة بفرض عقوبات بسبب احتجازها لقس أمريكي. ومع تزايد العداء لأنقرة في الكونغرس بسبب خلافات تشمل مصير القس المسيحي أندرو برانسون وعقوبات إيران وخطط تركيا لشراء نظام دفاع صاروخي روسي، كان ينظر المسؤولون الأتراك إلى ترامب على أنه يمثل حماية محتملة في مواجهة أسوأ تداعيات لانهيار العلاقات. لكن في علاقة تعاني من تبادل الاتهامات وسوء التفاهم المتبادل وسياسات الشرق الأوسط التي لا يمكن التوفيق بينها فيما يبدو، قد يتبين أن تعليق الآمال على ترامب قد يكون خطأ في التقدير. حينما علق الأتراك الآمال في أن يقود ترامب العلاقة إلى أجواء هادئة، وجه الرئيس نفسه ونائبه مايك بنس تحذيرا مباشرا إلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يوم الخميس، بعقوبات تلوح في الأفق. وقال سنان أولجن، دبلوماسي تركي سابق محلل في مركز كارنيغي أوروبا: "تغريدة ترامب عن برونسون تظهر أن ثمة نقاط ضعف في هذه الاستراتيجية". ولم يكشف ترامب عن الشكل الذي يمكن أن تتخذه العقوبات، لكن مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي لتقييد القروض إلى تركيا من المؤسسات المالية الدولية وافقت عليه لجنة يوم الخميس، وهي خطوة مبكرة مهمة لإقرار التشريع. وفي الآونة الأخيرة، بات القس برانسون محور التركيز المعلن للغضب الأمريكي من تركيا، التي كانت ذات يوم واحدة من أقرب حلفاء الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، لكن الثقة بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي ظلت تتآكل منذ سنوات. كانت اللحظة الأسوأ لتركيا عندما قررت واشنطن في عام 2017 تسليح وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية، لقيادة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا. أمن حلف الأطلسي ثم قالت تركيا إنها بصدد إبرام اتفاق لشراء نظام دفاع جوي روسي في خطوة قالت واشنطن إنها ستضر أمن حلف شمال الأطلسي وتجازف بخطط تركيا لشراء مقاتلات أمريكية من طراز "إف-35". تفاقمت الأزمة عندما احتجزت السلطات التركية موظفين بالقنصلية الأمريكية بزعم صلاتهم بمحاولة انقلاب في يوليو عام 2016. وقالت تركيا إن العقل المدبر لمحاولة الانقلاب رجل دين إسلامي يقيم في ولاية بنسلفانيا منذ نحو 20 عاما. وخلال الأزمات المتتالية، وصف كل طرف نفسه بأنه الطرف المظلوم الذي تعرض للخيانة من قبل شريك طويل الأمد يتجاهل وجهة نظره عن عمد. وقال هوارد ايسنستات، أستاذ في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة سان لورانس: "كانت هذه سلسلة من حالات سوء التفاهم أضرت بالثقة حتى نقطة الانهيار". وأضاف: "هذا يشبه الطلاق البغيض حقا؛ حيث فقد الجانبان الثقة ببساطة في بعضهما البعض. إنهما يشعران بالإساءة، ولأنهما يشعران بالإساءة يشعران بالحق في التجني على حقوق الآخرين". وتصر تركيا على أن محاكمة برانسون بتهم تتعلق بالإرهاب مسألة تقررها المحاكم، وينفي القس الاتهامات. وقد وصفته واشنطن بأنه رهينة وطالبت بالإفراج الفوري عنه وعن اثنين من موظفي القنصلية الأمريكية المحتجزين، بالإضافة إلى موظف قنصلي ثالث رهن الإقامة الجبرية. كان احتجاز برانسون أحد الأسباب التي دفعت مجلس الشيوخ الأمريكي، الأسبوع قبل الماضي، إلى المطالبة بفرض حظر على مبيعات مقاتلات من طراز "إف-35" إلى تركيا ما لم يثبت ترامب أن تركيا لا تهدد حلف شمال الأطلسي أو تشتري معدات دفاعية من روسيا أو تحتجز مواطنين أمريكيين. من التصافح إلى الخلاف هونت تركيا من شأن أي تهديد من الكونغرس، قائلة إن ترامب سيقرر في نهاية المطاف الأمور. وقال إردوغان للبرلمان التركي في الأسبوع الماضي: "هذا شيء يعود تماما إلى تقدير الرئيس الأمريكي"، مشيرا إلى مبيعات مقاتلات "إف-35". وقال إردوغان: "ليس لدينا أدنى قلق في هذه النقطة". وتحدث مسؤول تركي عن تفاهم أفضل آخذ في الحدوث. وربط التحسن الملحوظ بما قال إنها سيطرة ترامب المتزايدة على السياسة الأمريكية على النقيض من "عقلية بعض أعضاء الكونغرس". لكن مسؤولين أمريكيين ومحللين يقولون إن التركيز على ترامب، الذي تصافح مع بوتين بقبضة اليد في قمة حلف شمال الأطلسي في أوائل يوليو، كان سوء تقدير كبيرا من تركيا. وقال آرون ستاين، الزميل المقيم في المجلس الأطلسي بواشنطن: "المشكلة في تفكير الحكومة التركية هي أنهم ما زالوا يعتقدون أن هذا الأمر يعود إلى السلطة التنفيذية. الكونغرس هو الذي يحدد الأجندة الآن... يجب أن يمثل ذلك تحذيرا". خلافات جديدة تملك تركيا نفوذا في الشرق الأوسط وما وراءه؛ وذلك بثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، وقواتها في سوريا والعراق، وقاعدة جوية لحلف شمال الأطلسي في جنوب البلاد. وكان ينظر إلى تركيا لسنوات على أنها نموذج يمزج بين الإسلام والديمقراطية، لا سيما في السنوات الأولى لحكم إردوغان المستمر منذ 15 عاما. لكن واشنطن انتقدت حملة القمع التي أعقبت المحاولة الفاشلة لبعض الضباط في الجيش للإطاحة بإردوغان، ويقول منتقدون غربيون إنه يدفع تركيا نحو حكم الفرد. وإردوغان الذي أعيد انتخابه الشهر الماضي بسلطات جديدة يرفض الانتقادات، ويقول إن تركيا يجب أن تكون قوية للتعامل مع تهديدات الصراع الإقليمي وأنصار رجل الدين فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب. وينفي كولن ذلك. وقدمت تركيا طلبات متكررة دون جدوى من أجل تسليم كولن. وتقول واشنطن إن المحاكم تطلب أدلة كافية قبل أن تتمكن من تسليم رجل الدين. وفي تركيا، يتزايد العداء للولايات المتحدة، وفي حين تتباعد المشاعر الشعبية، تتباعد كذلك السياسات التي تتبعها أنقرةوواشنطن في المنطقة، لا سيما بشأن سورياوإيران. ومع تمركز القوات الأمريكية إلى جانب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، حذر إردوغان في وقت سابق من هذا العام من أن الجنود الأمريكيين قد يقعوا في مرمى نيران أي عمل عسكري تركي ضد المقاتلين الأكراد قرب مدينة منبج. وتلوح في الأفق خلافات جديدة بشأن إيران. وأعلن ترامب انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي مع طهران، ودعا إلى فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية. وتقول تركيا، التي تشتري قدرا كبيرا من نفطها من إيران المجاورة، إن واشنطن لا تستطيع أن تملي شروطها فيما يتعلق بالتجارة مع الدول الأخرى. وقال المسؤول التركي: "ثمة شيء واحد كان دائما نقطة الخلاف في هذه العلاقة... عندما يتخذ الأمريكيون قرارا بشأن شيء، يريدون من الجميع الانصياع لهم. يعتقدون أن قرارهم ملزم دوليا وهو ليس كذلك". *رويترز